متحف الفن الإسلامي.. بانوراما إبداعات الفنان في مصر وإيران والحواضر الإسلامية

يضم أكثر من مائة ألف قطعة بينها مفتاح الكعبة

 


عليك أن تغمض عينيك لحظة ولوجك من باب متحف الفن الإسلامي القابع في قلب القاهرة، بعد أن أعيد افتتاحه أخيرا إثر تجديد شامل، لأنك حين تفتحهما ستجد نفسك عدت على الفور قرونا عدة، إلى عوالم الإبداع والعمارة الإسلامية حيث الجمال في كل شيء حتى في شكل النافورة الصغيرة التي كانت تتوسط قديما ساحات معظم البيوت.

عند مرورك من البوابة الضخمة للمتحف - الذي بدأت فكرة إنشائه عام 1869م، في عهد الخديو توفيق، وافتتح فعلياً لأول مرة العام 1903م في ميدان باب الخلق أحد أشهر ميادين القاهرة الإسلامية- وبعد أن تجتاز حراس الأمن وتدفع تذكرة الدخول سترى على يمينك نافورة صغيرة رائعة الجمال تتوسط المكان محاطة بسور زجاجي، وهى نافورة تعود إلى العهد المملوكي قام المرمم الإسباني إدواردو بفكها ونقلها إلى القلعة أثناء ترميم وتطوير المتحف، واستغرق ترميمها عاما كاملا، وبعد ذلك تم نقلها وإعادة تركيبها في مكانها الحالي بالمتحف.


وما إن ترفع بصرك عن النافورة، حتى تصافح عيناك نسخة من القرآن الكريم بحجم كبير تعود إلى القرن الثاني الهجري من العصر الأموي، تتميز بأنها أول مثال لمصحف منقوط ومشكل، ومن ورائه 12 مشكاة من أروع ما ستراه في حياتك، خاصة بعد إنارتها بلمبات كهربائية لترى روعة النقوش وجمال الألوان التي ما زالت تحتفظ بها حتى الآن، برغم مرور السنين، وبجوار المصحف قطعتان من الرخام عليهما رسم لأسدين من الحجر تعودان إلى عصر السلطان بيبرس من القرن السابع الهجري.

ثم تذهب ناحية الشمال من مدخل المتحف الذي يتميز بمدخلين أحدهما في الناحية الشمالية الشرقية والآخر في الجهة الجنوبية الشرقية وهو المستخدم حاليا لتجد لوحات رخامية تأسيسية من العصر العثماني مزخرفة بماء الذهب، تجمع بين اللونين الرمادي والأبيض، أيضا تم وضع شاشة عرض وعدد من المقاعد لعرض محتويات المتحف مع الشرح، وأعلاها ما يمثل واجهة كاملة لأحد البيوت تنقصها بعض الأجزاء، مكتوب فوقها البسملة بخط مزخرف أخاذ.

في العصر العثماني

أيضا سيتمنى الزائر لو أنه يعيش في العصر العثماني، حتى يستطيع تناول طعامه في أحد الأطباق المزدانة بزخارف مرسومة تحت طلاء زجاجي شفاف، وبجوارها مجموعة من العملات الذهبية والفضية والنحاسية من القرن العاشر الهجري، وتخيل كم السعادة التي ستكون فيها لو أتيحت لك الفرصة لتتمشى على بلاطات الخزف التركي التي تجمع بين الأشكال العديدة والمختلفة، ولم يكتف العثمانيون بالزخارف واللوحات الجميلة فقط، إنما اهتموا بالعلم كثيرا، فستجد لوحة تشريحية لجهاز الدورة الدموية، الجهاز الهضمي، العمود الفقري، القفص الصدري، وغيرها من اللوحات الإرشادية لكيفية التشريح.

ستجد أيضا مجموعة من السيوف والخناجر والبنادق المتنوعة والتحف المعدنية والمشغولات الخشبية من أبواب ودواليب ومشربيات وصناديق متنوعة مطعمة بالعاج والأبنوس وغيرهما، كما ستجد موازين من العصر المملوكي ومختلف أدوات القياس، وعلب لحفظ الأدوات الطبية، أيضا صفحات من مخطوط كتاب "فوائد الأعشاب" للغافقي، أيضا طاسات علاجية عليها كتابات محفورة توضح فوائدها العلاجية، وقنينة للعطور على شكل جمل، وأدوات جراحية عبارة عن مراود وملاعق وإبر ومشارط وملاقط وغيرها.

وبعد أن تتجاوز مقتنيات القسم الطبي ستبهرك نجفة مدلاة من السقف طولها نحو متر، وهي من الخشب مطعمة بزخارف ونقوش أقل ما يمكن وصفها بأنها رائعة، وستجد أيضا ثلاثة مزاول شمسية لتحديد الوقت تم صنع أحدها بأمر من الأمير محمد بك أبو الدهب، وتم نقلها من المسجد الذي شيده بقرب الجامع الأزهر، وستتوقف كثيرا أمام باب خشبي مطعم بالعاج والعظم والأبنوس من العصر العثماني عبارة عن حشوات خشبية لأطباق نجمية، ويأتي تصميم الباب ليوضح مدى البراعة الفنية التي امتازت بها الزخارف في نهاية العصر المملوكي، والتي ستدفعك حتما للتساؤل: " هل هؤلاء الناس كانت لديهم أوقات فراغ كثيرة أم أنهم كانوا يعشقون الجمال ليتركوا آثارا بهذه الروعة؟".

وحاول ألا يسرقك الوقت وأنت تتأمل نافورة أخرى صغيرة تم تركيبها بعناية على أرضية رخامية ذات نقوش بديعة تظهر روعتها وتشبه قصرا دائري الشكل من العصر المملوكي، وستجد أجزاء من نافورات أخرى على أشكال مختلفة تزينها زخارف على شكل أسماك، وواجهة كبيرة بمحرابين تكاد تغطي أحد جدران المتحف بأكمله.. أيضا واجهة سبيل ماء من الرخام تزينها زخارف وأباريق وزمزميات.

ومن أندر المتحف ما يضمه من التحف المعدنية إبريق مروان بن محمد، آخر الخلفاء الأمويين، ويمثل آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي، كما يضم أقدم شاهد قبر مؤرخا بعام 31 هجرية، كما يضم مفتاح الكعبة المشرفة المصنوع من النحاس المطلي بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، وكذلك دينار من الذهب مؤرخ بعام 77 هجرية؛ وترجع أهميته إلى كونه أقدم دينار إسلامي تم العثور عليه إلى الآن.. وفضلا على قيمته المتحفية ذات المكانة العالمية، فإنه أيضا أكبر معهد تعليمي في العالم يعنى بالآثار الإسلامية ككل.

بانوراما فريدة لآثار العالم

وبحسب الفنان محمد عباس مدير المتحف، فإنه يتكون من طابقين في الأول منهما 7 قاعات عرض، وفي الثاني مخازن وقسم لترميم الآثار، ومن بين قاعات المتحف السبع، توجد قاعة كاملة يطلق عليها قاعة الفلك والرياضيات، وتشير مقتنياتها إلى الكيفية التي استطاع بها المسلم قياس الزمن والمسافة من خلال الساعات، كذلك قدرته الفائقة على تحديد مكان القبلة، وذلك من خلال علبة من النحاس كان يتم استخدامها لهذا الغرض قبيل الصلاة.. كما توجد علبة خشبية داخلها مؤشر، وإبرة مغناطيسية كانت تستخدم لتحديد اتجاه مكة المكرمة والقبلة في كل الاتجاهات، ويوجد في قسمها العلوي صورة للكعبة المشرفة.

وأوضح أن العصر المملوكي يعتبر العهد الذهبي للفنون والعمارة الإسلامية: "تلمس ذلك من خلال عمائرهم العظيمة من مساجد ومنازل وخنقاوات ووكالات ومدارس، كذلك من شمعدانات وكراسي وصوان وأباريق وزهريات وغيرها من التحف المعدنية المزينة بالذهب والفضة، بالإضافة إلى الأبواب والتحف الخشبية المطعمة بالعاج والصدف والمشكاوات الزجاجية المموهة بالمينا وغيرها".

وينهي حديثه موضحاً أن المتحف الذي قضى نحو تسعة أعوام قيد التطوير الشامل حتى افتتحه الرئيس المصري قبل عدة أسابيع يحكي تاريخ الحضارتين الإسلامية والقبطية من الفترة القديمة وحتى نهاية القرن التاسع عشر من جنوب شرق أوروبا وحتى الهند، من بغداد وحتى سمرقند، وكل منطقة الشرق الأوسط، فيما يشبه عرضاً بانورامياً فريداً لآثار العالم عبر مختلف العصور.. مؤكدا أن بعض مقتنياته التي تتجاوز مائة ألف تحفة تعتبر الأغنى والأثمن في العالم، مثل مجموعات الخزف الإيراني والتركي ومجموعة التحف المعدنية ومجموعة السجاجيد. أما عدد مقتنيات مكتبته فتتجاوز 13000 كتاب من أندر الكتب.


صدام كمال الدين

شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق