أشرف عامر: لا توجد حركة حقيقية لقصيدة النثر في مصر

يرى أن الشعر مرادف لقيم الحق والجمال


أشرف عامر
يرى الشاعر المصري أشرف عامر أن ثورة 25 يناير كانت أكبر من أن يعبر عنها المبدعون المصريون، وخاصة في لحظة توهجها، وما سيتم إنجازه من إبداع على كافة الصعد هو الأهم وليس ما تم إنجازه، كما يعارض بشدة من يقول إن قصيدة النثر ماتت جماهيرياً، فالحقيقة أن قصيدة النثر تبدو للوهلة الأولى قصيدة سهلة، لذلك تمحك فيها الكثيرون من ضعاف الموهبة، وهذا الكم الهائل من الكتابات التي تنتمي لقصيدة النثر لا يوجد بها إلا قليل من الإبداع الحقيقي بالقياس إلى الكم الكبير من اللا فن واللا إبداع لذلك يظهر الأمر وكأن قصيدة النثر لم تنجح .

صدر لأشرف عامر من قبل دواوين عدة منها: فاعلات ليلية، وديوانان للأطفال هما اللون والخيال، ونجارنا الفنان، وبعد صمت دام عشرين عاما صدر له ديوان هو تقريباً . . متأكد، ومؤخراً صدر له كأنه يعيش .

المزيد
* كيف ترى المشهد الثقافي الآن ؟
المشهد الثقافي هو ملخص دقيق للمشهد العام في مصر بعد مرور عام على الثورة، والمشهد يتمتع بكل ما يتمتع به المشهد السياسي والاجتماعي، من حيث الارتباك والسيولة الشديدة والكثير من العشوائية، والثورات تصبح لحظة فارقة في حياة الأمم، وتكمن مشكلة الثورة المصرية في أنها لم يكن لها قيادة منذ البداية لتوجهها للمسار الصحيح .

* وهل نستطيع القول إن الثورة المصرية انحرفت عن مسارها الصحيح؟

الثورة انحرفت عن أهدافها، ولكن هذا جزء من طبيعة الثورات، وذلك لكي يتجدد المسار مرة أخرى، وخلال الفترة المقبلة ستكون هناك موجات ثورية قوية، خاصة وإن وجد برلمان ودستور ورئيس يخص شريحة صغيرة من المجتمع المصري، ولا يعبر عن كافة طوائف المجتمع، ويجب على التيارات الدينية أن تعي دروس التاريخ، فالأمة لن تبنى بفصيل واحد، لذلك يجب إفساح المجال للتيارات الأخرى في المجتمع المصري للمشاركة في تقرير مصير مصر ولا يسعون لأخذنا في طريق معين يناسبهم هم فقط، وإن لم يفعلوا هذا سينقلب عليهم الأمر رأساً على عقب .

* ما تقييمك للشعر الذي كتب تعبيراً عن الثورة؟

هناك بعض المحاولات الجادة في الغناء وفي الشعر على غرار أعمال جمال بخيت، الأبنودي، محمود الشاذلي، حسن طلب، وهذه النماذج تشكل جزءاً بسيطاً من الكم الموجود سواء المطبوع أو على منتديات الإنترنت، وهو في معظمه لم ينضج، وكأننا في حالة استجداء رخيص في حب الوطن وترهل عاطفي والكلمات نفسها لا تمتلك ناصية حقيقة المشاعر والرؤية والموقف والاستشراف التاريخي والوجود الحقيقي بداخل الشعور الوطني الجمعي، وأزعم أن ثورة 25 يناير كانت أكبر من أن يعبر عنها المبدعون، وخاصة في لحظة توهجها، وما سيتم إنجازه من إبداع على كافة الصعد هو الأهم وليس ما تم إنجازه .

* أين أنت كشاعر من الثورة وأحداثها؟

الإشكالية أن أصحاب الخجل الإنساني يعلمون أن كل من كان يصطف وقت الثورة يتشدق الآن بأنه كان من الأساسيين الذين كانوا في ميدان التحرير، وكل من شارك بشكل حقيقي لا يتحدث عن هذا، وبدأت في كتابة ديوان اسمه مزامير الميدان، وأرسلت بعض هذه المزامير إلى إحدى المطبوعات الأدبية ثم تراجعت بعد ذلك حتى أعيد النظر في الديوان ككل بعد أن انتهى من كتابته كي لا أكون مستعجلاً في رؤيتي .

* ما رأيك في ملتقيات قصيدة النثر؟


ملتقيات قصيدة النثر فيها إشكاليتان . . أولاً أن أصحابها في مجملهم وعلى اختلاف تنوعهم يؤمنون بدور قصيدة النثر في إيصال صوتهم الجمالي إلى الناس، وإثبات قدرتهم الجمالية، وأن قصيدة النثر هي المقبلة، ونواياهم حسنة، ولكن هذه النوايا لا تذهب بأصحابها دائماً إلى الطرق السليمة والصحيحة، وبالتالي نكتشف أن كل مجموعة من البشر تلتف حول نفسها وتصنع مؤتمراً يتحدث باسم قصيدة النثر، ثم عدم وجود تنظير حقيقي على صعيد جمع المادة الشعرية أو الدراسات النقدية الحقيقية لهذه التجربة، فأصبح الأمر وكأننا أمام مجموعة من التكريمات التي تعرض بعض المقتنيات أو السلع من دون تبيان ومعرفة بخامات وسياقات وقيمة هذه السلع ووزنها داخل المنظومة الإبداعية أو معيارها الفني، واهتمت هذه الملتقيات بالإطار الشكلي وأهملت ترسيخ مفهوم قصيدة النثر، أو أن تكلف مجموعة من الباحثين لإعداد أبحاث ودراسات تُجمع في كتب، لذلك لا نستطيع القول إن هناك حركة لقصيدة النثر في مصر .

* هل معنى هذا أن ما يقال من أن قصيدة النثر ماتت جماهيرياً هو حقيقة واقعية؟

أخالف من يقول هذا لأنني أعتقد أنه يجانبهم بعض الصواب لأنه ليس بالانتشار الجماهيري يُحسب الأدب أو يُقيّم الشعر، فربما يكون الأدب رفيعاً وفي الوقت نفسه غير جماهيري، وخاصة في اللحظة التي يُدّون فيها، لأن الكتّاب عادة ما يكونون سابقين للحظة التي يكتبون فيها، المشكلة أن قصيدة النثر تبدو للوهلة الأولى قصيدة سهلة، لذلك تمحك فيها الكثيرون من ضعاف الموهبة، وهذا الكم الهائل من الكتابات التي تنتمي لقصيدة النثر لا يوجد بها إلا قليل من الإبداع الحقيقي بالقياس إلى الكم الكبير من اللافن واللا إبداع، لذلك يظهر الأمر وكأن قصيدة النثر لم تنجح .

* ولكن البعض يتساءل عن المنجز الشعري الذي قدمته قصيدة النثر حتى الآن؟

قصيدة النثر قدمت منجزاً مهماً على مدار الستين عاماً الماضية، والمنجز النثري يتمتع برحابة شديدة لدرجة أنه يتداخل مع معظم الإبداع المكتوب في مصر الآن، كما أن هناك مقاطع متعددة لكتّاب الرواية الحديثة عبارة عن بناء من النثر الشعري المتراكم تراكماً تفاعلياً .

* في رأيك كيف يمكن إصلاح أخطاء وزارة الثقافة المصرية في ظل وجود كل هذه التراكمات والتي تسببت فيها الأنظمة السابقة بحيث يصبح لها دور فاعل في الحياة الثقافية؟

هذا سؤال مغلوط لأن وزارة الثقافة كيان ضخم وفاعل جداً في الأوساط الأدبية والثقافية المصرية، لأنها حاصل جمع كل المؤسسات الثقافية التي ينتمي لها الأدباء المصريون ويتفاعلون معها ويصدرون من خلالها أكثر من 70% من إبداعاتهم، ولا يوجد في مصر في اللحظة الراهنة والمرتبكة والمشتبكة وزارة تؤدي واجبها بشكل كامل، لكن وزارة الثقافة أمامها شوط كبير جداً عليها أن تخوضه، ووزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد بدأ هذا الشوط من خلال محاور ثلاثة: أولها المالي والذي يخص الوزارة وينفق على أنشطتها وموظفيها، والقضاء على الفساد المالي الذي كان منتشراً في الوزارة، وترشيد الاستهلاك والإصلاح المالي سينعكس على أنشطتها الثقافية الأخرى، والمحور الثاني النظر إلى وزارة الثقافة باعتبارها الجهة المخول لها إيصال الجرعة الثقافية إلى المواطن المصري في أي مكان، ثم أخيراً الوزارة عانت الأمرين خلال الستين عاماً الماضية سواء من التسيب المالي والمحسوبية وتفشي الجهل داخل أروقتها، ولا نطلب منها بين يوم وليلة أن تجدد روحها .


* انتهيت من كتابة قصائد ديوانك "كأنه يعيش" عام ،2008 ورغم ذلك نشرته بعدها بثلاث سنوات لماذا؟

أذكر أنني نشرت أحد دواويني بعد أكثر من 20 عاماً من كتابته، وديواني "اكتشافات الفراشة" كتبته بين القاهرة والبحرين ومدريد، منذ ما يقارب العشرين عاماً، غالباً أتأخر في نشر كتاباتي، لأنني لست متكالباً على النشر، وعندما أكتب شيئاً ويطلع عليه صديق أشعر بحالة إشباع وكأنني نشرت الديوان، وربما يعد هذا شكلاً من أشكال الاعتراض على حالة السيولة الشعرية العامة، فهناك من ينشرون أكثر مما يكتبون، ويتكلمون أكثر مما يسمعون، وأنا ينتابني الخوف الدائم من الانتساب إلى هؤلاء، وقد انتهيت من كتابة ديوان "كأنه يعيش" في ديسمبر 2008 وفي عام 2009 جمعت القصائد، وكنت على وشك نشره، لكنني تراجعت، وأحسست بأنني لا أريد أن أنشره، ووضعته في الدرج مدة ثلاث سنوات، ولولا زوجتي وبعض الأصدقاء، وأيضاً قيام الثورة، ربما لم يكن ليرى هذا الديوان النور .

* الديوان يضج بالذكريات، وكأنه نوع من الحنين إلى الماضي ؟

من منا لا يحن إلى الماضي أو يجد نفسه في الماضي أكثر مما يجد نفسه في الحاضر، أو يرى المستقبل من خلال تأثير الماضي في ذاكرته، نحن نعيش هذه اللحظة بالقياس إلى الماضي .

* بتقدم العمر هل تختلف نظرة الإنسان إلى الأشياء كما في قصيدتك "القهوة" ؟

بالتأكيد فمعظم الأشياء التي كنت أعتقدها في أوقات متباينة من العمر قمت بمراجعتها، ففي المراحل الأولى من عمرنا نرى جانباً واحداً من المشهد، وهناك شيء ما يجتذبنا لرؤية هذا الجانب دون غيره، وعندما يمتد العمر بالإنسان، فإنه يرى الجوانب الأخرى من الحياة .

* لماذا يبدو هذا الديوان محملاً برائحة الهزيمة ؟

أصدرت الديوان بعد الثورة لأننا كنا مهزومين وموتى قبلها، كنا عبارة عن تروس مهترئة في آلة مهترئة طوال الأربعين عاماً الماضية، والشعب المصري كله كان كذلك، لأنه عاش لفترات طويلة مهزوماً هزيمة داخلية، ووصل به الأمر إلى أن أصبحت الهزيمة جزءاً من تكوينه، لا يستطيع مفارقته، وكان مقتولاً من دون أن يدري، الديوانان الأخيران كأنهما تحذير من الوضع الذي وصلنا إليه .

* في قصيدة "هكذا يكون القتل" قلت: "لن يرغمني أحد / على أن أعيش في وطن / يكره الشعر"، فهل ما يقال عن تراجع المشهد الشعري في مقابل الألوان الأدبية الأخرى حقيقي ؟

لا أقصد الشعر بمعناه الضيق، بل أعني الجمال، والوطن الذي يكره الجمال في صورته، وهي الشعر، لا يستحق أن تعيش فيه، فالشعر مرادف لقيم الحق والخير والجمال والمحبة والعمل، وكنا قبل الثورة نكره الجمال والشعر، والأدب المصري - ليس الشعر فقط - يمر بأزمة لأنه خلال الثلاثين عاماً الماضية لم يكن لدينا قدرة على الاستمتاع بحياتنا عوضاً عن الجمال .


صدام كمال الدين

28/04/2012
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق