سبع سنوات من اللهو والمغامرات انتهت بالاستقرار
تزوج الراقصة هيرمين عامين وطلقها بالورد والدموع
اعتبر ثورة يوليو انقلاباً والتأميم أضر بمصالح المواطنين
من منا ينسى هاتين العينين المعبرتين .. من ينكر تعبيرهما المنكسر في فيلم "الزوجة الثانية" أو الخجل الذي تشيان به في فيلم "شباب امرأة", أو الشر في فيلم "عودة الابن الضال", إنه الفنان محمد شكري سرحان والذي ولد في 12 مارس 1925م في محافظة الشرقية, تربى ونشأ بحي الحلمية في القاهرة وتعلم في مدرسة الإبراهيمية وهناك بدأ خطواته نحو التمثيل للمرة الأولى مارس الكثير من الرياضات في شبابه منها الملاكمة والمصارعة وكرة القدم, ولكن حلمه بالتمثيل كان وراء تركه الرياضة والتحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
تخرج شكري سرحان في الدفعة الاولى في المعهد عام ,1947 وكان من زملائه فريد شوقي, صلاح منصور, نبيل الألفي, محمد السبع, عبدالرحيم الزرقاني, كمال حسين, حمدي غيث, عمر الحريري, وضمت الدفعة الثانية فاتن حمامة, سميحة ايوب. سناء جميل, توفيق الدقن, عبدالمنعم إبراهيم, برلنتي عبدالحميد, عبدالمنعم مدبولي, زهرة العلا, وكريمة مختار.
واللافت للنظر أن شكري سرحان, كان الأوفر حظاً بين أشقائه الذين دخلوا عالم التمثيل, وكان هناك تفاوت في حظوظهم, فالأكبر صلاح, لم يترك سوى بصمة واحدة في فيلم "الشموع السوداء" أمام نجاة وصالح سليم, ومات في شبابه نتيجة مرض عضال, أما سامي, فرغم موهبته, لم يمثل سوى الأدوار الثانوية ولم يسند له دور بطولة, ونظرًا لموهبة شكري, فقد اشتهر بلقب "فتى الشاشة الأول", وهو ابن بلد بشهادة جميع معاصريه, حيث كان يتمتع بملامح مصرية خالصة, فاختاره المخرج يوسف شاهين لبطولة فيلم "ابن النيل " فأصبح لقبا له, كما امتاز شكري بأخلاقه العالية التي تعود إلى نشأته الدينية في بيئة محافظة, وفي نهاية حياته اعتزل العمل الفني وتفرغ لقراءة القرآن والعبادة.
قال شكري حسبما ذكر في مذكراته التي سجلها ابنه يحيى: "كنت أنظر إلى المرأة على أنها سيجارة" ادخنها ثم ألقى بها في الطريق" كان ذلك قبل أن يستقر ويتزوج وينجب ولديه يحيى وصلاح, فقد عاش حياة اللهو خلال السنوات التي حقق فيها الشهرة والانطلاق, وكانت له أثناءها مغامرات تعرض لها من في مثل عمره وحسبما يذكر استمرت هذه الحالة نحو سبع سنوات عدل بعدها عن حياة اللهو وعادت حياته إلى الهدوء والاستقرار خاصة بعد الزواج.
فتى الشاشة :
ولأن شكري سرحان كان في وقت من الأوقات نجم مصر الأول وفتى الشاشة الذي تهواه مراهقات مصر, حيث كان القاسم المشترك في كل الأفلام ذات القيمة الكبيرة, وظل الشباب طوال ثلاثين عاما يقلدون تسريحة شعره ملابسه وحركاته ونظرته ومشيته وقبل زواجه راجت قصص عن علاقات عاطفية تربطه بزميلاته من الفنانات خاصة من كن يشاركنه في أكثر من عمل لعل أبرز تلك الشائعات التي أكدت صحتها سميحة أيوب بنفسها في حوار لها حيث قالت: "في يوم جاءني الفنان الراحل شكري سرحان قائلا: أنا عايز أخطبك فقلت له: أذهب إلى عائلتي, وبالفعل ذهب للقائهم وكان معروفاً بأنه شاب جريء, وقابلته والدتي وخالي اللذان أبلغاه بأن الرد هو الرفض, وبررا ذلك بأنه في مرحلة تكوين الذات.
فخرج شكري غاضباً, وذهب إلى صديقتي الفنانة ماجدة الصباحي لكي تتوسط له عندي, وكانت في بداية عملها كفنانة, ولكنها لم تكن معنا في المعهد, وجاءتني ماجدة وشرحت لي كيف أن شكري مستاء للغاية من رفض عائلتي وبادرتني بقولها: لماذا لا تدافعين عن موقفه? فرددت عليها بأن المسألة مجرد وقت.
وهكذا انتهت هذه القصة بارتباط سميحة أيوب بمحسن سرحان بدلا من شكري, ولم تكن هذه هي القصة الوحيدة في حياة فارس أحلام المراهقات في ذلك الوقت, بل هناك الكثير غيرها نتيجة لاشتراك الكثير من النجوم في ذلك الوقت في أكثر من عمل وتكوين ثنائيات لذلك راجت الكثير من الشائعات, فقد ظن البعض أن النجاح كان تبريرا لوجود علاقات عاطفية, ساعد على ذلك حالات الزواج الكثيرة التي تمت حينها, وربما تولد هذا الاعتقاد الخاطئ لقدرة هذه الثنائيات على الاندماج والانصهار والتكيف الذي حقق لهم النجاح, فهناك شائعة ربطت بينه وبين مريم فخر الدين بطلة فيلم "رد قلبي" ربما لدفء المشاعر بينهما في الفيلم ولكن يظل كل ما قيل عن العلاقات العاطفية التي جمعت بين الكثير من فناني ذلك الوقت ومنهم شكري سرحان مجرد شائعات لم يتحدث عنها الكثيرون أو يؤكدها أى من طرفي الشائعة.
الزوجة الثانية :
تزوج الفنان شكري سرحان, الذي أطلق عليه لقب "الفتى الذهبي"للمرة الأولى من الراقصة الأرمنية هيرمين عام 1952 ورغم استمرار الزواج لمدة عامين, إلا أن اختلاف الطباع بينهما كان يؤكد حتمية الفشل, وطلبت هيرمين الطلاق وهي تبكي, فطلقها وهو يبكي أيضا, وأرسل لها الورد وكلمات الحب مع قسيمة الطلاق, أما المرة الثانية فتزوج من سيدة من خارج الوسط الفني هي ناريمان عوف التي أنجبت له ولديه صلاح ويحيى.
ورغم أن بدايته الفنية كانت مع المسرح إلا أنه عرف كنجم سينما حيث كانت بدايته بدور محدود في فيلم "نادية" عام ,1949 ثم فيلم "لهاليبو" مع نجمة الاستعراض نعيمة عاكف لينطلق بعد ذلك مع البطولة الأولى في فيلم "ابن النيل" ثم جاءت أدواره المتميزة في فيلم "البوسطجي" ومن قبله "رد قلبي" الذي نال عنه جائزة الدولة في التمثيل عام 1959 .
أما ابنه السفير يحيى فيقول: اعتزل والدي الحياة الفنية في أواخر حياته لأنه كان متدينا بطبعه وربما هذا بسبب نشأته في بيئة محافظة لذلك كان معروفا عنه حزمه الشديد وخاصة في بيته.
وأضاف: دراسته كانت أزهرية وعمل مدرسا للغة العربية في بداية حياته ,وبرغم اشتراكه في أربعة أفلام عالمية منها :ابن كليوباترا, قصة الحضارة, وصوت سيناء, إلا أنه رفض هوليوود بكل بريقها .
كما أن أخلاق والدي وتواضعه الشديد كانا درسين دائمين لنا وكان أكثر شيء يسعده ويعتز به كثيرا هو خزانة تضم الجوائز التي حصل عليها وبالأخص وسام الدولة الذي تقلده من جمال عبدالناصر, وأيضا جائزة أفضل ممثل عن فيلم "ليلة القبض على فاطمة" مع فاتن حمامة عام 1984 للمخرج الراحل هنري بركات, وكان والدي يحرص برغم انشغاله على المناسبات الدينية المختلفة, وكان في المنزل "سي السيد" من خلال جديته والتزامه فكان شديدا في الحق ولكن شدة بغير عنف ولين بغير ضعف, وقد تشرفت بمصاحبته أثناء أدائه للعمرة وفريضة الحج فرأيت الجانب الروحاني الذي يتمتع به فقد كان القرآن الكريم هو المرافق له في سنوات عمره الأخيرة.
رد قلبي :
وفي المذكرات التي كتبها يحيى عن والده بعنوان " ابن النيل شكري سرحان وخمسون عاما بين الفن والحياة " يذكر النجاح الباهر لدوره في فيلم "رد قلبي" الذي كلله حضور جمال عبدالناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة ليلة الافتتاح بسينما كايرو عام,1957 ونال عنه وسام الجمهورية.
غير اننا نرى له رأيا غريباً عن ثورة 23 يوليو ذكره عندما تحدث عن دوره في فيلم "رد قلبي" حيث يصر أن يسميها انقلاباً فقرار تأميم قناة السويس كان مفاجأة, وفرض الحراسات والتأميم أضر بمصالح المواطنين, ومن رأيه أنه كان من الصعب واللامعقول أن تدير مصر عقلية عسكرية تخصصية بحتة, أما الفيلم فأوضح إيجابيات الثورة وتفاعلها المباشر مع أحداث الفوضى والفساد في مصر وعلى النقيض أظهر أيضا الوجه السلبي للثورة واتخاذها القرار الخطأ بتأميم ممتلكات الشعب.
وأدى الفنان الراحل فريضة الحج مع زوجته التي اختارت الزي الإسلامي, كما كان يعتبر أن الفن مهنة لا دخل لها بسلوك وقناعة ومواقف ومعتقدات الممثل لذلك تنوعت أدواره بين الشرير والفاسد والمخادع الى جانب أدوار الفروسية والشهامة والنبل, ولم يعرف السهرات والحفلات الخاصة, أو تعدد علاقاته العاطفية رغم كونه في وقت من الأوقات فتى الشاشة الأول الوسيم والذي تتهافت عليه المعجبات, فلم يتزوج سوى مرتين في حياته.
وظل مؤمنا عميق الإيمان ومهذبا كل التهذيب مع جميع زملائه سواء داخل الوسط الفني أو من خارجه, وحرصه الشديد على التواجد في أماكن التصوير في مواعيده وعدم التأخر كما كان يفعل غيره من النجوم ليس هذا فقط وإنما أيضا استجابته لتوجيه المخرجين ومساعدته للوجوه الجديدة التي تظهر معه في أعماله, كما كان يعتبر أن الفن رسالة لا تقل أهمية عن رسالة الزعماء والعلماء والمفكرين.
الجوائز :
حصل على الكثير من الجوائز لعل أهمها جاء بعد اعتزاله الفن في أواخر حياته وابتعاده عن الأضواء منذ عام 1991 وحتى رحيله عام ,1997 عندما كرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن مجمل أعماله بمناسبة مئوية السينما المصرية, كما اختاره النقاد كأفضل ممثل في القرن العشرين باعتباره صاحب أعلى رصيد من الأفلام في تاريخ السينما العربية حيث له أكثر من مائة وخمسين فيلما بين بطولة مطلقة وجماعية, وأيضا جائزة أفضل ممثل من المهرجان الآسيوى الإفريقي عن دوره في فيلم "قيس وليلى " عام ,1960 أما باقي الجوائز فكانت عن أشهر أفلامه كشباب امرأة الذي مثل مصر في مهرجانات عالمية لعل أهمها مهرجان "برلين" وحصل من خلاله على جائزة الدولة الأولى في التمثيل وكذلك اللص والكلاب, النداهة, الزوجة الثانية, ليلة القبض على فاطمة.
صدام كمال الدين
23/08/2011
0 التعليقات:
إرسال تعليق