دينا عبد السلام |
على رغم أن جمهور الفن التشكيلى فى الوطن العربى يعتبر محدود العدد ، إلا أن الدكتورة دينا عبد السلام استطاعت فى روايتها " نص هجره أبطاله " أن تخوض غمار هذا العالم بحرفية واقتدار ، وأن تشد القارئ إلى العمل من خلال بطلة العمل التى تعشق الرسم والفن التشكيلى منذ طفولتها ، وتنتقل فى حياتها من طور إلى أخر وكأنها لوحة تشكيلية بكل ما تحمله من تفاصيل وألوان .
دينا عبد السلام روائية ومخرجة ومدرسة أدب إنجليزي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية ، حصلت على درجة الدكتوراه في مجال النقد الأدبي عام 2010 ، أخرجت فيلمًا روائيًا قصيرًا "هذا ليس بايب" ، والذي شارك بالعديد من المهرجانات الدولية وحصل على جائزة مخرجات عربيات من مهرجان بغداد السينمائي الدولي ، وتعد رواية "نص هجره أبطاله" أول أعمالها الأدبية .
* الرواية فى بدايتها تبدو وكأنها ستأخذ شكل المذكرات ولكنك استطعت الهروب من هذا الشكل. فكيف فعلت هذا ؟
قد يبدو شكل الرواية نمطيا بعض الشيء وقد تبدو الفكرة مستهلكة فهي مذكرات ترسلها سيدة عجوز لابنتها كنوع من الاعتراف والتطهر. وأظن أننا لو نظرنا لأغلب القوالب الفنية لوجدنها نمطية ومستهلكة وهنا يكمن التحدي فالقدرة على التطوير والتجديد ، وصوغ ما تم تناوله من قبل بأسلوب ولغة وطرح مختلف هو ما حاولت فعله في هذا العمل. على أن ذلك حدث بشكل تلقائي دون صنعة أو قصدية.
* لديك معلومات غزيرة عن الفن التشكيلي وكأنك مولعة به أو فنانة تشكيلية؟
أنا فعلا مولعة بالفن التشكيلي، بل قد أذهب للقول على طريقة مصطفى كامل: " لو لم أكن روائية ، لوددت أن أكون فنانة تشكيلية". لطالما عشقت الرسم لكن الموضوع ظل له شكل الهواية، كما أنني أحب تاريخ الفن وتطوره ونشأته وأحب المطالعة في هذا المجال ولأجل الرواية كان لابد لي من الغوص في عوالم الفنانين فأخذت دورة تدريبية في الرسم لأتعلم تقنيات الرسم، وأتعرف على أنواع الفرش والألوان، والسكاكين والخامات التي يرسم عليها الفنانون، كما دأبت على ارتياد المتاحف والمعارض الفنية وأنشأت مرسم صغير في بيتي لأعايش تلك الأجواء. ويبدو لي ثمة تشابه بين الكتابة والرسم، فرغم كون الكتابة إبداع لغوي، إلا أنني أرسم بالكلمات ما يتخلق في عقلي من مشاهد ولوحات مرئية. ولعل ذلك يتحقق لي أيضا في الإخراج السينمائي، فأنا اكتب سيناريوهات أفلامي الروائية القصيرة ثم أحولها إلى مشاهد ولقطات بصرية. الفنون متداخلة بطبيعتها، تولد بعضها البعض، وتتعايش في تناغم وانسجام.
* ألا ترى أن الفواصل الزمنية في الرواية تخرج القارئ من حالة الانسجام والاندماج مع الأحداث؟
ربما ، على أنني كنت أراها رغبة بطلة العمل (منال) في تأريخ وتوثيق حياتها بقدر المستطاع ، وهو ما تفشل فيه قرب النهاية حين تضطرب ذاكرتها وتتدهور صحتها فتتوقف عن تأريخ ما تكتبه فيخرج مشرذمًا، متقطعا به الكثير من الفجوات.
* بطلة روايتك تعشق الكلاسيكية في كل شيء وكأنها ضد الحداثة؟
لقد نشأت البطلة في عوالم كلاسيكية على أنها حاولت التمرد مرارًا وبأشكال عدة ، فتارة تجنح للرسم على طريقة ما بعد الانطباعية ، وتارة تقع في حب فنان بوهميي هذا بالنسبة لبطلة الرواية أما عن الرواية ككل ، فرغم كلاسيكيتها البادية إلا أن لها طابع تفكيكي ، ما قد يأخذها إلى حيز ما بعد الحداثة.
* برغم اتساع عالم الرواية إلا أن عدد شخصياتها محدود. لماذا؟
عدد الشخصيات لا يعنيني بقدر ما يعنيني سبر أغوارها ، والولوج إلى عوالمها والكشف عن مكنوناتها . أتعامل مع كل شخصية بحب وأتماهى معها قدر المستطاع لأقف على دوافعها وأسبابها ولأرى العالم بناظريها.
* الدنيا لا تترك بطلتك تهنأ بفرحتها، فما إن تفرح حتى تهاجمها الأحزان، فهل هذه رؤيتك للواقع؟
الحياة بها قدر كبير من الحزن ولحظات مارقة من السعادة، وكلما زاد وعي الإنسان بماهية الحياة، كلما زادت معاناته على أن المقاومة واجبة لا مناص منها.
* أحداث الرواية تدور في إطار الفن التشكيلي ألا تجدي أن هذا العالم مازال بعيدا عن القارئ العربي؟
للأسف يعتبر الفن التشكيلي فن نخبوي إلى حد بعيد في مجتمعنا، وقد يرى البعض في هذا قدرا من الاستعلاء ولكن هناك مستويات مختلفة للتلقي، ولذلك أرى أن القارئ يستطيع التواصل مع النص على مستويات عدة ، فمن الممكن أن نقرأ عن عوالم غير عوالمنا ومع ذلك نستطيع التواصل معها ولو على المستوى الإنساني .
* تستعينين بآيات من القرآن في الرواية فإلى ماذا يعود هذا التأثر؟
اللغة وجدان يتشكل على مر الأيام ومن ثم أجد أن الاستعانة بالأمثال الشعبية، والآيات القرآنية والموروث القبطي في السرد ما هو إلا شيء طبيعي، على أنني استلهم كل ذلك بشكل فني وليس على سبيل الاقتباس أو التضمين فحسب. فهي مادة خامة غنية وملهمة لأي فنان.
* ولماذا حدث تحول مفاجئ فى علاقة البطلة بزوجها كأنها كرهت وجوده وسعاله طوال الوقت؟
لأن علاقتهما كانت هشة، ضعيفة وغير حقيقية منذ البداية، كما أنها كانت رد فعل لفشلها في علاقة سابقة ولم تكن فعلا أقدمت عليه وهي في حالة اتزان نفسي وذهني .
![]() |
غلاف الرواية |
* تستخدمين تقويم الشهور المصرية القديمة. لماذا ؟
يظهر في الرواية تقويم غريب مازجت فيه بين الشهور القبطية والسنوات الميلادية، حتى أن البعض تعجب من هذه التوليفة أو بالأحرى وجدوها غير دقيقة، لكنني أرى أنه لا يمكن محاكمة العمل الفني بمعايير الدقة التاريخية أو المعلوماتية، فالفن رحابه واسعة وآفاقه لا حدود له، وقد يكون لهذا التمازج مغزى ما كخلق أجواء من التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان، وقد يكون تشكيل جديد ابتكرته بطلة العمل، صاحبة الخيال الجامح.
* تستخدمين مفردات "دين جديد"، "نبى جديد" ألا تخشين من مهاجمة الجماعات الإسلامية لك؟
لا أظن أن الفن والخوف يجتمعان، ولا أظن أن الفن الذي تفرزه محاكم التفتيش أو الذي يخضع لرقابة دينية فن بالأساس، بل أراه وعظ وإرشاد شأنه إلى زوال، ويظل القلم سلاح للمقاومة وأداة للاستنارة.
* النهاية جاءت مشككة لكل أحداث الرواية. فلماذا اخترت هذه النهاية؟
أولم أقل لك أن للرواية نزعة تفكيكية؟ والتفكيكية منحى فلسفي يرى بعدم وجود الثوابت والحقائق المطلقة والتي في الغالب ما تخلق قدرًا كبيرًا من الجمود والتعصب.
* كونك أستاذة نقد هل لهذا تأثير على كتاباتك الأدبية؟
لا يستطيع الإنسان مهما حاول أن يتنصل من ذاته التي تشكلها دراسته وقراءاته وخبراته لكن المهم ألا يشعر القارئ بأن للعمل الفني طابع وعظي أو تنظيري.
* وهل ترين أن النقد متتبع جيد لأعمال الشباب؟
يحاول النقاد تتبع أعمال الشباب قدر المستطاع ولكن يجدر الإشارة إلى أمرين في هذا السياق: أولهما أن هناك فيض في مجال النشر ما قد يجعل تتبع كل جديد على الساحة أمر في غاية المشقة بالنسبة للنقاد، والأمر الثاني أنه حتى لو تحمس ناقد لعمل ما، فلن يجد المجال ليكتب عنه، فالمجلات والصفحات الأدبية محدودة إلى حد بعيد.
صدام كمال الدين
3 يوليو 2013
0 التعليقات:
إرسال تعليق