حسين صدقي ... فتى الشاشة الرزين أوصى بحرق أفلامه

رفض العمل مع يوسف وهبي لأن الدور يتنافى مع أخلاقه

ارتبط بحسن البنا وسيد قطب وفتح بيته للإخوان المسلمين

اعتزل الفن ونجح في البرلمان ولم تتركه المعجبات


وسامة وجاذبية

تميز كل نجوم جيله بالوسامة الشديدة , لكنه ينفرد عنهم بالقبول والارتياح عند مشاهدته, فالكثير من الأدوار التي جسدها تمثل المصريين في ذلك الوقت من حيث الشهامة والطيبة والحرص على الآخرين, كما أنه يخالط الملامح التركية والتي أخذها عن والدته تركية الجنسية, حيث تعتبر الوسامة في بداية السينما المصرية والعربية هي العامل الأساسي لنجاح الممثل وليصبح فتى الشاشة الأول الذي تحلم به كل الفتيات, ولكن حرص الفنان حسين صدقي على تقديم سينما هادفة وواعية جعله ينوع في الأدوار التي يقدمها مع ابتعاده عن الأدوار التي لا تلاقي قبولا لديه والتي يرى أنها ستضر بالمجتمع أكثر من إفادته.


السينما لديه فن هادف ونبيل للارتقاء بالإنسان وليس العكس, لذلك ربما لا يتذكر الكثير من المشاهدين الفنان حسين صدقي بسبب قلة عدد الأعمال التي تعرض له على القنوات العربية فهو من جيل الرواد ولا يعرفه الكثيرون.


ورغم أهميته كممثل ومؤلف ومخرج ومنتج, في تاريخ السينما المصرية, إلا أنه لم يترك رصيداً كبيراً من أفلامه, حيث أوصى أبناءه بحرق ما تصل إليه أيديهم من أفلامه بعد رحيله, وقد فعلوا ذلك في عدد كبير من أعماله خاصة أنها كانت من إنتاجه, فسهل التصرف فيها دون الرجوع إلى أحد, ولأنه كان يرى أن هناك علاقة قوية بين السينما والدين, لأن السينما كما يقول بدون الدين لا تؤتي ثمارها المطلوبة في خدمة الشعب.


ولد حسين صدقي في 9 يوليو عام 1917م بحي الحلمية الجديدة في عائلة ميسورة الحال ومتدينة وهو ما كان يحكم جميع تصرفاته كمظهره المتواضع وهو ما أنشأته عليه والدته التركية وخاصة منذ عمر الخامسة بعد وفاة والده, وحرصه على الصلاة في موعدها بالمسجد القريب من منزله.


ولم يكن يقضي سهرته إلا مع زوجته في إحدى دور السينما أو مع الشيخين محمود شلتوت ومحمود أبو العيون, ولم يشرب الخمر ولم يجرب التدخين.


رجل الساعة :

ضحكة من القلب


بدأت موهبته في التمثيل منذ طفولته من حيث الأسلوب الخطابي الذي كان يتحدث به, وأيضا عدم الرهبة من الجمهور سواء في الحي او المدرسة وساعده على تنمية موهبته دراسة التمثيل, وأيضا صديقه المخرج محمد عبد الجواد الذي شجعه ووجهه للعمل في فرقة "جورج أبيض", ثم أصبح يتردد كثيرا على قهوة "راديو" بشارع عماد الدين, حيث معظم روادها من الفنانين, وتنقل كثيرا بين الفرق المسرحية, فعلى مسرح "برنتانيا" كان يمثل أدوار البطولة أمام فاطمة وذلك عام ,1935وفي العام التالي بدأ يوسف وهبي موسمه المسرحي بتمثيل بعرض " رجل الساعة "فأسند إلى حسين صدقي دورا فيها ولكن عندما قرأ الدور رفض بشدة لأن الدور لشاب ينزلق مع زوجة أبيه وهو ما لا يتناسب مع أخلاقه ليكون بهذا أول ممثل يرفض مثل تلك الفرصة الذهبية حتى جاءته فرصة عمره عندما شاهدته الفنانة أمينة محمد انتجت له فيلم "تينا وونج" ليبدأ بعدها انطلاقته الفنية في السينما عام ,1937 ثم أصبح بعدها يقدم أدوار الفتى الأول وتعرف عليه الجمهور جيدا عندما قام عام 1939 بدور البطولة في فيلم " العزيمة".

وتم اختياره ليكون أول أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية, وفي عام 1942 اسس حسين صدقي مع الفنانة تحية كاريوكا والمخرج حسين فوزي شركة إنتاج سينمائية وقدمت أول أفلامها " أحب البلدي" ولكنه لم يكن راضيا عن هذه النوعية من الأفلام فانسحب من الشركة واستقل بنفسه ليؤسس شركة " مصر الحديثة " للإنتاج السينمائي بمفرده وكانت باكورة إنتاجها فيلم "العامل" من إخراج أحمد كامل مرسي, ولكنه خسر كثيرا بسبب نوعية الأفلام التي كان يسعى لتقديمها تتماشى مع قيمه ومبادئه والقضايا التي تهم المجتمع في ذلك الوقت فسعى لإنتاج فيلم عن النبي يوسف عليه السلام وأخذ رأي الشيخ محمود شلتوت والإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي اللذين وافقا على الفكرة,ولكن كالعادة جاء الاعتراض من قبل الرقابة كما اعترضت أيضا على عدة مشاهد من فيلم عن الزعيم مصطفى كامل فرفض صدقي تنفيذ الفيلم في ذلك الوقت, ولأنه كان احد احلامه فلم يتخل عنه وبعد ثورة يوليو 1952 استطاع أن يخرج هذا العمل إلى النور من بطولة الوجه الجديد أنور احمد مع محمود المليجي وحسين رياض وماجدة, وبسبب تطرقه للعديد من القضايا الشائكة والموضوعات المهمة والجريئة التي كانت تفضح الاستعمار والسلطة صودر عدد من أعماله لعل أشهرها فيلم " يسقط الاستعمار" عام 1947 والذي تسبب في دخوله السجن , كما أنتج وأخرج فيلم "خالد بن الوليد" من أضخم ما أنتجت السينما المصرية في أواخر الخمسينيات, حيث أنفق عليه ببذخ وصوره بالألوان واشترك به مجموعة من أشهر الفنانين بعد فيلمه الدينى الأول" ليلة قدر " بطولة الفنانة ليلى فوزي الذي صادره الأزهر.

شاطئ الغرام :

ومنذ اتجاهه إلى مجال الفن أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي حرص على تأسيس سينما هادفة بعيدا عن الأعمال التجارية فنجد الكثير من أعماله ناقشت قضايا مهمة كمشكلة العمال التي تناولها في فيلم "العامل" عام , 1942 وأيضا مشكلة تشرد الأطفال في "الأبرياء" عام , 1944 وكان صدقي يمارس بعض الأعمال التجارية بجانب السينما ولا يجد أي حرج في ذلك بشرط أن يكون عملا شريفا ويدر عليه المزيد من المال فيذكر أنه ورث عن أبي¯ه زراعية قام بزراعتها بنفس¯ه في أواخر الأربعينيات وذلك قبل الاتجاه إلى العمل في العقارات وبناء العمارات.

شكل حسين صدقي وليلى مراد ثنائياً جميلاً, حيث اشتركا في عدة أفلام تحمل طابعا رومانسيا لعل أشهرها فيلم "ليلى في الظلام" عام 1944 .

وفي العام 1950 قاما ببطولة فيلم "شاطئ الغرام"مع تحية كاريوكا ومحسن سرحان وسميحة أيوب والذي حقق نجاحا كبيرا بأغانيه واشهرها بحب اثنين سوا, كما سميت الصخرة التي غنت عليها هذه الاغنية باسم ليلى مراد في مرسى مطروح وقدما في عام 1951 فيلم "آدم وحواء" مع ماري منيب واسماعيل يس,وعام 1955 كان اخر افلام ليلى مراد في السينما فيلم "الحبيب المجهول" مع حسين صدقي وكمال الشناوي وقصة انور وجدي وعبد السلام النابلسي واخراج حسن الصيفي, وهذه الأعمال في معظمها تحمل الطابع الرومانسى لذلك انطلقت الكثير من الشائعات عن أن هناك قصة حب كبيرة بين البطل والبطلة تدور على أرض الواقع خاصة بعد حدوث مشكلات كبيرة بين ليلى ومراد وزوجها أنور وجدي أدت إلى الطلاق .

مع ليلى مراد
ولم تكن ليلى مراد الفنانة الوحيدة التي انطلقت شائعات حب تربط بينها وبين من شاركها البطولة بل أيضا الفنانة تحية كاريوكا حيث كونت مع صدقي شركة إنتاج.

أما الفنانة فاطمة رشدي فلم يكن حسين صدقي الفنان الوحيد الذي أدى أمامها أدوارا مميزة وعلامة فارقة في حياته الفنية ليصبح بعد ذلك أحد نجوم الفن .

وعندما قدم معها الفنان صدقي فيلم "العزيمة" كانت قد انفصلت عن زوجها الفنان عزيز عيد وبدأت قصة حب ومن ثم ارتباطها بالمخرج كمال سليم الذي أسند إليها أهم أدوارها "العزيمة" من بطولة أنور وجدي, حسين صدقي, ماري منيب, عباس فارس, زكي رستم, لذلك لم يكن هناك مجال لانطلاق مثل هذه الشائعة وكذلك الحال أيضا مع ليلى فوزي وصباح .

مع زوجته

أما زوجته سميرة المغربي فنشأت مثله في أسرة ميسورة الحال وكانت متابعة جيدة لعالم الموضة والأزياء, تزوجت من الفنان صدقي, وكان شاباً وسيمًا, هادئ الطبع, طيب القلب, رزقها الله تعالى بثمانية من الأبناء خمسة ذكور وثلاث بنات, وظلت تعيش في بيت زوجها, كما كانت تعيش في بيت أبيها, مغرمة بالموضة والأزياء, وقالت قبل رحيلها إنها رغم جمالها لم تنخرط في الوسط الفني لرفض زوجها الشديد لهذا وهو ما نراه في حرصه التام على ابتعاد أولاده عن هذا الوسط .

كما يقال أيضا أن بيت صدقي كان يعد مركزا عاما لجماعة الإخوان المسلمين بعد تأسيسها حسن البنا, وكان لقرب مسكن حسين صدقي من المركز العام في حي "الحلمية الجديدة" بالقاهرة أثره في وجود علاقة بينه وبين البنا أواخر الأربعينيات واستمرت مع سيد قطب بعد اغتيال حسن البنا, وعن هذه العلاقة قالت زوجته: إن حسين كان يؤدي الفروض, وكنت ألح عليه بعد التزامي أن يترك العمل في السينما وذات مرة أثناء زيارتنا سيد قطب في المستشفى قبيل إعدامه, ذكر زوجي له ما أطلب منه فكان رده عليه: "إن الحركة الإسلامية محتاجة لفن إسلامي, وإنني أكتب عشرات المقالات والخطب, وبفيلم واحد تستطيع أنت أن تقضي على ما فعلته أنا أو تقويه, أنصحك أن تستمر لكن بأفلام هادفة".

كرمت الهيئة العامة للسينما عام 1977 الفنان الراحل حسين صدقي كأحد رواد السينما المصرية, حيث أعلن اعتزاله السينما قبل رحيله بعدة سنوات بعد انتخابه عضوا في مجلس الأمة "مجلس الشعب حالياً" وتفرغه لبعض قضايا الشعب والدفاع عنها, وبعد اعتزاله وحتى رحيله ظل يتلقى يوميا عشرات الخطابات الغرامية من المعجبات, رغم معرفتهن أنه متزوج وله ثمانية أولاد.

وفي فترته الأخيرة في السينما كانت معظم أعماله تحمل عظة للجمهور ودروسا دينية منها المصري أفندي والشيخ حسن وغيرهما, وفي أوائل الستينيات حاول التطرق إلى مواضيع جديدة في فيلمي "وطني وحبي, وأنا العدالة" لكن الجمهور لم يتقبل الفيلمين فانسحب بعدها صدقي بهدوء, وظل معتكفا في بيته بعيداً عن السينما والأضواء, حتى وفاته في 30 مارس1976 .


 صدام كمال الدين
26/08/2011
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق