الأخوة ذوالفقار . . . فرسان السينما في زمن الفن الجميل

عاشوا حياة متشابهة وتخلوا عن وظائفهم الحكومية 



إن النشأة في أسرة فنية يترك تأثيره الواضح على جميع أفراد العائلة وربما حتى على غير الراغبين في الاتجاه للفن رغم شعورهم بأن لديهم موهبة, وما إن تأتي المصادفة او "لحظة التحويل" حتى يتغير مسار الانسان فيتجه الوجهة الملائمة لموهبته .

ولعل خير مثال ما حدث مع الفنان صلاح ذوالفقار الذي ظن أنه قد حقق حلمه بالالتحاق بكلية طب الاسكندرية وبعدها بشهرين - حدث التحول الاول في حياته - حين مرض والده مرضا شديدا ولم يلبث قليلا حتى توفي, وفي هذه الأثناء ولطول فترة غياب صلاح عن كلية الطب تم انذاره عن طريق خطاب ضل طريقه ولم يصل اليه فتم فصله من الكلية فتحول الى كلية البوليس " الشرطة حاليا " ويجتاز صلاح الاختبارات بنجاح ويصبح طالبا بها, ثم يتخرج في عام 1946.

وبعد اغتيال أمين عثمان واتهام أنور السادات بقتله كلف صلاح بحراسته, ومن الأمور الطريفة أنه كان يسمح له بالتدخين في السجن رغم أنه ممنوعا, وهو ما كان يذكره به بعد ذلك حين تولى السادات رئاسة الجمهورية, ولحبه للتدريس انتقل للعمل مدرسا بكلية البوليس وكان معروفا عنه الصرامة في التعامل مع الطلاب, وفي عام 1957 قدم استقالته, وكان وقتها صاغ "رائد " ونال نوط الواجب الذهبي تقديراً لعطائه وانتقل للعمل بالمجلس الأعلى للفنون والآداب في لجنة السينما مديراً ادارياً لمنظمة تضامن الشعوب الأفرو آسيوي لمدة عامين الى أن تفرغ تماماً للعمل السينمائي .


الشهرة والنجاح كانا من نصيب صلاح, الا أنه لم ينكر فضل أخويه عليه ومساندته في بداية مشواره , فبعد أن قرر صلاح الاستقالة من عمله في مدرسة البوليس والتوجه للفن وجد أن الباب مفتوحا أمامه لان لديه اثنين من الاخوة الفنانين .


محمود :
محمود
كان أبناء عائلة ذو الفقار من طراز الفنانين الشاملين حيث لم يتخصص أي منهم في التمثيل فقط وانما أيضا كتابة السيناريو والانتاج والاخراج, فمحمود المولود في 18 فبراير 1914 في طنطا والحاصل على شهادة العمارة, كان كاتبا للسيناريو, وممثلا, ومخرجا أيضا, وكأخويه من بعده عمل محمود مهندسا بقسم التصميمات في وزارة الأشغال ثم استقال منها وانتقل لوزارة الأوقاف وتعرف هناك على المخرج حسين فوزي الذي رشحه لدور البطولة أمام الفنانة عزيزة أمير في فيلم " بياع التفاح " عام 1938, وسرعان ما تزوج محمود من عزيزة وكونا معا شركة " أمير فيلم ", ثم شارك بالتمثيل في افلام منها : الورشة 1941, ابن البلد 1942, ابنتي 1944, قمر 14, عصافير الجنة, فتاة من فلسطين 1948, أخلاق للبيع 1950, الست الناظرة 1968, أكاذيب حواء 1969, وكمخرج في افلام منها : هدية, فوق السحاب, الليل لنا, قسمة ونصيب, خدعني أبي, غلطة العمر, بنت الجيران, الأرض الطيبة, رنة الخلخال, رحلة غرامية, أنا وقلبي, شباب اليوم, نساء محرمات, العملاق, المراهق الكبير, المتمردة, ترويض النمرة, الثلاثة يحبونها, عدو المرأة, أجازة غرامية, أسرار البنات, أنا وزوجتي والسكرتيرة, ولعل أبرزها فيلم " أغلى من حياتي " الذي قام ببطولته شقيقه صلاح عام 1965, والذي يعد أحد روائعه الرومانسية وبلغ عدد أفلامه ما يقارب 23 فيلما .
إيمان محمود ذو الفقار

ونجد أن الأخوة الثلاثة بجانب اشتراكهم في عدد من الصفات, تكاد تكون حياتهم متشابهة فبعد تخرجهم في الجامعة وعملهم بوظائف مختلفة يتركوها بملء ارادتهم ويتجهوا الى التمثيل, والانتاج, والاخراج, اشترك الثلاثة أيضا في الزواج من الوسط الفني, وعدم نجاح هذه الزيجات وانتهائها بالفشل برغم أنه نتج عنها أطفال, فمحمود تزوج في البداية من الفنانة عزيزة أمير وظل مرتبطا بها حتى وفاتها عام 1952, ثم تزوج من الفنانة الواعدة وقتها مريم فخرالدين عام 1952 وانفصل عنها بالطلاق وبقي أعزبا حتى وفاته, ونتج عن زواجه الأخير ابنته ايمان ذو الفقار وهي كما أسرتها فنانة ولكن في طفولتها فمن ينسى الطفلة الجميلة والمشاغبة والجريئة والتي تنجح في تحويل الشيطان الى ملاك في فيلم " ملاك وشيطان " مع رشدي أباظة ونجوى فؤاد ووالدتها مريم فخر الدين وعمها صلاح ذوالفقار, والفيلم كان من انتاج عمها عز الدين وهو الذي رشحها وكأنما كان يرد الجميل لأخيه في مساعدته له في بداية حياته الفنية, وشاركت ايمان في شبابها بعدد من الأفلام مثل "قصر في الهواء" مع يسرا ومصطفي فهمي, "القطط السمان" مع حسن يوسف وشمس البارودي, "حرامي الحب"مع نبيلة عبيد وعادل امام, ثم ابتعدت تماما لتعمل مدرسة لغة انكليزية.


صلاح :
صلاح
ولد صلاح الدين أحمد مراد ذوالفقار في 8 يناير عام 1926, والده أميرالاي شرطة, وهو الأخ الأوسط لستة أشقاء أولهم محمود المنتج والمؤلف والممثل والمخرج المعروف ويكبره بخمسة عشر عاماً, وعز الدين المنتج والمخرج والمؤلف والممثل أيضاً, ويكبره بسبعة أعوام وكان نموذجاً للأخ الحنون والمعلم, واللواء كمال يكبره بثلاثة أعوام ثم هو ويليه ممدوح رجل أعمال أصغر اخوته, والدكتور محمد أخ غير شقيق .

عاش صلاح مع أسرته في مصر الجديدة, ثم انتقل مع العائلة الى حي العباسية, وكان طفلا هادئاً لايثير المشكلات ويتمتع بذكاء حاد يتحول في بعض الأحيان الى شقاوة, التحق بكلية الطب ومن بعدها كلية البوليس وعمل فور تخرجه في مديرية شبين الكوم, وبعد ان وصل لرتبة صاغ, قدم استقالته وكان في ذلك الوقت مدرسا بكلية البوليس .

وخلال عدة سنوات من اتجاهه للفن والسينما استطاع صلاح أن يحقق نجومية وشهرة ليقدم أدوار الفتي الأول مثلما حدث في عدة أفلام منها "الأيدي الناعمة", "شروق وغروب", "الرجل الثاني", "جمعية قتل الزوجات" "بين الأطلال" و"جميلة بوحيرد", ولأن صلاح عرف عنه التمرد منذ كان طفلا صغيرا أبى أن يتم وضعه في قالب واحد وأن يكرر أدوارا قدمها قبل ذلك, فتمرد على المخرجين وبحث عن التنوع وعندما لم يجد الأدوار التي بحث عنها قرر اعتزال التمثيل لمدة تسعة أشهر قضاها بمدينة الاسكندرية, وكما راوده الحنين من قبل للعودة الى التدريس بمدرسة البوليس, عاوده أيضا الحنين الى الفن والأضواء والشهرة فعاد بما يحقق حلمه وهو الانتاج والتمثيل وكان فيلم "أغلى من حياتي" عام 1964 مع الفنانة شادية والفنان القدير حسين رياض وقدم فيه كل فنون الاداء بموهبة واقتدار ونال عنه جائزة الدولة لأفضل ممثل .

من هنا بدأت انطلاقته الحقيقية في السينما فقدم أعمالا تعد علامة بارزة منها على سبيل المثال " مراتي مدير عام " والمواقف الطريفة التي جمعته وزوجة المستقبل الفنانة شادية, وأيضا " الناصر صلاح الدين ", "عفريت مراتي", وبعد دوره المتميز في " أغلى من حياتي " تم ترشيحه لعدة أفلام أجنبية منها انتاج مشترك ألماني - ايطالي بعنوان " ابتسامة أبو الهول " وأيضا الفيلم البريطاني "الفرسان " بالاشتراك مع الفنان محمود مرسي الذي قام بدور صلاح الدين الأيوبي, والفيلم المكسيكي " نفرتيتي " مع الفنان محمود المليجي .

اثناء عرض مسرحية " زوجة واحدة تكفي " مع الفنان محمود التوني, قرر صلاح ترك المسرح نهائيا ولا يعود اليه مرة أخرى برغم تقديمه  مجموعة مسرحيات ناجحة منذ بدايته بالمسرح عام 1965 في مسرحية " رصاصة في القلب ", ومرورا بمسرحية روبابيكيا, وما حدث أنه لاحظ أن زميله التوني يخرج عن النص كثيرا, فطلب منه الالتزام وهو ما لم يحدث, فما كان منه الا أن ترك المسرحية والمسرح نهائيا .

بحث صلاح نحو مزيد من التميز ووجد ضالته في التلفزيون حيث الادوار المتنوعة ما جعله يركز في تلك الادوار وقدم نحو 70 مسلسلاً منها عائلة الأستاذ شلش, وأيضا أحب الأعمال الى قلبه وهو " الثعلب " لأنه أدي فيه دور شخص يحبه ويحترمه كثيرا وهو المشير أحمد اسماعيل, وغاضبون وغاضبات, الا ابنتي, وغيرها العديد من الأعمال المتميزة .

وكما كل المراهقين مر صلاح بعدد من العلاقات العاطفية في بداية مراهقته وكانت تنتهي سريعا بانتقال الحبيبة لمكان آخر أو بدافع الملل, ولكن ما عرف عنه بعد عمله بالسينما بعكس فتيان الشاشة في ذلك الوقت, هو عدم ارتباطه بعلاقة عاطفية أو اقباله على المعجبات, فجاء زواجه الأول من احدى قريباته وهي من رائدات العمل الاجتماعي نفيسة هانم, ابنة محمود بك بهجت, عام 1947, ولأنه يحبها وخشي أن يجرح مشاعرها, كان زواجه الثاني في السر من الفنانة زهرة العلا التي رضيت وعاشا معا 18 شهرا في سعادة وهناء حتى شعرت أن بعض حقوقها ناقصة فطلبت منه اعلان زواجهما على الملأ أو الانفصال وهو ما حدث .

في السينما المصرية هناك عدد كبير من الثنائيات عاش اصحابها قصصا عاطفية كانت حديث الساحة منها القصة التي جمعت صلاح وشادية ليكون ترتيبها الثالثة عام 1965, وبرغم أنه لم يطلق زوجته الأولى الا أنهما انفصلا على مستوى الزواج, وكانت علاقة شادية بأبنائه طيبة, وبرغم أنه وشادية كونا ثنائيا فنيا وقدما عددا كبيرا من الأعمال معا, وقصة الحب التي جمعتهما الا أنهما انفصلا بعد سبع سنوات من زواجهما عام 1972, غير أنه لم يستقر سوى مع آخر زوجاته التي كانت تشبهه أيضا من ناحية الزواج, وهي سيدة المجتمع بهيجة مقبل والتي سبق لها الزواج وكانت أما لأولاد وكان يعاملهم مثلما يعامل أولاده من زوجته الأولى والتي كانت الوحيدة التي أنجب منها أبناء, ودام زواجهما 18 عاما حتى وفاته يوم 21 ابريل عام 1989. قدم الفنان صلاح ذو الفقار خلال رحلته الفنية 250 فيلما سينمائيا, وحصل على العديد من جوائز التمثيل كأحسن ممثل عن أفلامه أغلى من حياتي, والأيدي الناعمة, وكرامة زوجتي, وزيارة سرية, والطاووس, وحصل على جائزة الانتاج عن فيلم أريد حلا, ومن أهم أفلامه نساء محرمات 1959, ولقمة عيش1960, وموعد مع الماضي 1961, والناصر صلاح الدين 1963, والأيدي الناعمة ومراتي مدير عام 1966, وعفريت مراتي 1968, والاخوة الأعداء 1974, والكرنك 1975, والطاووس1982, والوحل 1987, وأيام الرعب 1988, وولاد الإيه 1989.


عز الدين :
عز الدين
"الشموع السوداء " أحد الأفلام التي تظل بالذاكرة, ليس للأداء الجيد للأبطال فقط, وانما أيضا لاخراجه المتميز والذي يوحي بأن المخرج صاحب باع طويل في فن الاخراج, ليس هذا الفيلم فقط وانما أيضا أفلام كنهر الحب, بين الأطلال, والتي أخرجها عز الدين ذو الفقار, مع 27 فيلما آخر, لتكون حصيلة ما قام باخراجه من الأفلام السينمائية هو 30 فليما, برغم رحيله المبكر عن عن عمر 44 عاماً فقط .

صلاح لم يأت بجديد عندما ترك البوليس واتجه للفن, لأن شقيقه عزالدين سبق وأن قام بنفس الفعل عندما كان ضابط حربية برتبة يوزباشي, وقدم استقالته واتجه للفن أيضا, وتحديدا للاخراج السينمائي .

عز الدين ولد في 28 أكتوبر عام 1919, وفي طفولته كان حريصا على تعليمه, فتفوق وحصل على منحة مجانية التعليم, وكافأه والده على هذا, فاستغل عز المال الذي حصل عليها من والده في شراء الكتب ومشاهدة الأفلام السينمائية, وكأنما كانت السينما هي اختياره منذ الطفولة, وبرغم حبه للكتب التي تغوص في النفس الانسانية والروحانيات الا أنه وجد نفسه مدفوعا بحب للالتحاق بالكلية الحربية ليتخرج ضابطا بها, ويستمر في أداء واجبه الوطني حتى يصاب باكتئاب شديد بعد وفاة والده, ويذهب لطبيب نفسي فينصحه بالابتعاد عن الجيش وأن يبحث عن مهنة أخرى يخرج بها ما بداخله وهو ما حدث حيث تحول الى الفن والسينما .

وجاءته دعوة من المخرج محمد عبد الجواد مساعد المخرج الراحل كمال  سليم رائد الواقعية المصرية والذي ارتبط عز به كثيرا قبل رحيله, لتكون انطلاقته ويتحول من مساعد مخرج الى مخرج مشهور, بل ويصبح المخرج محمد عبد الجواد مساعدا له, وقدم العديد من الأفلام والتي تعتبر أحد أهم العلامات في تاريخ السينما المصرية : أسير الظلام 1947, اجازة في جهنم 1949, اسألوا قلبي 1952, بين الأطلال 1959, الشموع السوداء 1962, ونهر الحب 1960, وحطم فيلم "رد قلبي" الذي أخرجه في عام 1957 - وعرض بجميع دور العرض في القاهرة والاسكندرية - الأرقام القياسية في ذلك الوقت, ووصل أجر مخرجه الى خمسة آلاف جنيه وكان ذلك أعلى أجر يحصل عليه أي مخرج آنذاك .

وما يؤكد أهمية الأعمال التي أخرجها, اختيار النقاد عام 1996, ثلاثة من أفلامه ضمن أحسن مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية كلها, هي امرأة في الطريق, رد قلبي, والرجل الثاني .

تزوج عز الدين لأول مرة من الفنانة الشابة حينذاك فاتن حمامة, والتي أنجب منها نادية, وأثناء زواجهما قدما معا عدداً من الأفلام, وكانت البداية مع فيلم أبوزيد الهلالي عام 1947, وأتي بعده عدة أفلام سينمائية متميزة أهمها أنا الماضي 1951, سلوا قلبي 1952, موعد مع الحياة 1953, موعد مع السعادة 1954, طريق الأمل 1957, امرأة في الطريق 1958, بين الأطلال 1959, نهر الحب 1960, وهو آخر افلامهما معاً قبل انفصالهما, وعلقت فاتن على انفصالهما بقولها أن العلاقة بينهما كانت علاقة تلميذة منبهرة باستاذها أكثر منها علاقة حبيبين, وتزوج للمرة الثانية من كوثر شفيق وعاشا معا حتى وفاته .

رحل المخرج عز الدين ذوالفقار في أول يوليو عام 1963 وهو في الرابعة والأربعين من عمره تاركاً خلفه 33 فيلماً قدمها خلال 16 عاماً.

صدام كمال الدين
16/07/2013
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق