عبد المنعم رمضان: المثقفون أول نكسة حقيقية لثورة 25 يناير

خوف المثقفين من صعود التيارات الإسلامية مبالغ فيه

هتافات الشباب فى الميادين تجاوزت الإبداع الشعرى



عبد المنعم رمضان

عبد المنعم رمضان أحد شعراء السبعينات البارزين الذين يحتفون باللغة احتفاءً شديداً، لأنه يرى أن الشعر من دون لغة لا يعتبر شعراً، ويختلف أيضًا مع من يقولون إن الشعر هو الأسرع استجابة للأحداث، خاصة الثورية منها، ففي رأيه أن الشعر الذي كتب بعد الثورة المصرية ليس جيداً، لذلك سيتم نسيانه كما حدث مع القصائد التي تلت الأحداث الكبرى في مصر والتي لا يتذكرها أحد الآن . بدأ رمضان في نشر شعره في عام ،1974 وله العديد من الدواوين منها: الحلم ظل الوقت . . الحلم ظل المسافة، الغبار، قبل الماء . . فوق الحافة، لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي؟ غريب على العائلة، بعيداً عن الكائنات، وحصل على جائزتي المنتدى الثقافي اللبناني في باريس 1998 وكفافيس في عام 2000 .
المزيد
* ماذا عن المشهد في مصر الآن؟

الذين خانوا الثورة هم النخب السياسية والثقافية لأنهم ضحوا بالشباب، وطوال أيام الثورة من كان موجوداً بالميدان هم شخصيات معروفة وبعض الفنانين والكتاب، ومنذ 11 فبراير هرولوا جميعاً لالتماس نصيبهم من الثورة، وكانوا هم أول هزيمة حقيقية لما حدث للثورة بعد ذلك .




* ما تقييمك للأدب الذي كتب تعبيراً عن الثورة؟

يظن البعض أن الشعر هو الأسرع استجابة للأحداث من الرواية أو الألوان الأدبية الأخرى، هذه الاستجابات السريعة التي يقوم بها الشعر هي عبارة عن قصائد سننساها بمجرد الانتهاء من قراءتها، فهي فن مكتوب على أوراق نتيجة الحائط ننزعه ونلقي به يوماً تلو الآخر، وشعر الثورة الحقيقي لم يكتب بعد، وما كتب هو شعر التحريض الضروري والطبيعي الذي يتبع الثورات، فعلى سبيل المثال لا أحد يتذكر الآن قصيدة واحدة من قصائد حرب 1956 وهي كثيرة جداً .

* ما رأيك في صعود التيارات الإسلامية ووصولها للحكم وما مدى انعكاس هذا على حرية الإبداع والمبدعين؟

رأيت أصدقاء لي من اليسار يزعمون أن الخوف الأساسي من الإسلاميين أكثر من حكم العسكر، والذين يقولون هذا يخدعوننا لأنهم بهذا يمهدون لبقاء العسكر في الحكم لفترة طويلة، فرفعت السعيد طوال حكم مبارك كان يدعي الخوف من الإسلاميين أكثر من حكم جمال مبارك، ونتيجة هذا الخوف كان النظام يكافئه دائماً، واليسار بعضه ورث فكرة محاربة التيارات الدينية ليس لحساب البلد ولكن لحساب السلطة، فجابر عصفور وأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عيسى ورفعت السعيد أوقفوا حربهم طوال ال15 عاماً الأخيرة منذ التسعينات وحتى الآن، ولم يحاربوا السلطة طوال العشرين عاما الأخيرة فكان تنويراً مغشوشاً، ورغم ذلك لا أنكر أنني أعاني كالآخرين الخوف من صعود التيار الديني ولكنني لا أبالغ في هذا الخوف .

* لكن مسألة اتهامهم بعض الأدباء كنجيب محفوظ وبيرم التونسي بأن أدب الأول يساعد على نشر الرذيلة وتكفيرهم للأخير، ألا نعتبر هذا بادرة سوء نية من ناحيتهم؟

في عام 1996 كان لي قضية معروفة وتم اتهامي بمثل ما اتهم به محفوظ وبيرم وتمت مناقشتها في مجلس الشعب، وهذا يحدث في كل وقت وليس مؤشرا يستدعي الخوف، لأنني لدي ثقة في طبيعة التدين المصري ، فتدين البيئة الزراعية في مصر، والمصريون لن يحتملوا التضييق الديني الذي سيحاول أن يطبقه السلفيون .

* في الفترة الأخيرة كان هناك حديث عن فكرة دستور ثقافي . . ما رأيك في هذه الفكرة؟

الذين صنعوا الدستور الثقافي يبحثون عن أنفسهم فقط، فنحن الآن في مرحلة الطفح الثوري الذي يعقب كل ثورة تحدث في أي مكان، ويقوم به كثيرون يدّعون الثورة ويداهنونها وأرجلهم لم تطأ أرض الميدان، وهم من كانوا يطمحون لأن يصبحوا وزراء في العهد السابق .

* متى وكيف يمكن أن يخرج المثقف المصري من الحظيرة التي دخلها في العهد السابق؟

في عصر مبارك كانت هناك مقولة كن معي أو كن مع اللاشيء، وما ساعد على ذلك بعض الظروف التاريخية كانهيار الاتحاد السوفييتي، والنظم العربية المدعية للثورة كالعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح مثقفو اليسار معتمدين على أن يكون لهم والد شرعي، ولم يحتملوا أن يكونوا يتامى فبحثوا عن أب فلم يجدوه، وفي هذا الوقت طرح عليهم جابر عصفور أبوة النظام السابق وقبلوا بها، ونحن الآن في طور آخر ولا نستطيع أن نتنبأ بما سيحدث، ولكن ثمة فرزاً يحدث، لأن الثورات تملك مكانس وكلما تقدمت خطوة إلى الأمام جرفت في طريقها ناساً لا قيمة لهم، وإذا قدر لهذه الثورة أن تستمر ستكنس الكثيرين ممن نعتقد بأنهم محترمون .

* تحدثت عن الثورة في الشعر، فهل نستطيع أن نعتبر أن قصيدة النثر ثورة على الشعر القديم؟

يمكن أن تكون ثورة، أو لا تكون، ويمكنها أن تختار الشكل فقط، لأن قصيدة النثر مسكونة بكل ما كان في القصيدة القديمة، لذلك هي ثورة زائفة، وأظن أن قليلين ممن يكتبونها يحققون ثورة في القصيدة، أما الأغلبية فيكتبونها بروح الشعر القديم، وهى اقتراح قوته أو ضعفه في القصيدة الجيدة، فقصيدة محمد الماغوط، وأنسي الحاج قصيدة جيدة تجعلني أنحني لها، وهناك قصائد لا تستحق وصفها بهذا الاسم، فالشرط في القصيدة وليس في الشعر .

* هل معنى هذا أنك توافق على رأي من قالوا إن قصيدة النثر ماتت جماهيرياً والأجدر بمن يكتبونها العودة إلى التفعيلة مرة أخرى؟

بهذا المعنى الشعر كله مات، سواء قصيدة النثر أو غيرها، لذلك يجب أن ننتبه إلى أن النظام السابق قام بتجريف الثقافة، فمعدل قراءة الإنسان العربي في السنة دقائق، بينما متوسط قراءة الإنسان الأوروبي 28 ساعة في السنة، والنظام السابق أسهم بطرق مختلفة في هذا التدهور، كخصخصة التعليم التي أدت إلى تخريج دفعات هائلة من الجهلة والأميين وهؤلاء لا يمكن أن يقرأوا قصيدة واحدة .



* هل معنى هذا أنك تتفق مع ما قاله الدكتور جابر عصفور بأننا الآن في زمن الرواية؟

مقولة جابر عصفور بدأت عقب منح نوبل لنجيب محفوظ، وهي ما أثارت لديه هاجس زمن الرواية، ومن ثم هذا الافتراض قام على أساس خاطئ، ومعظم من فازوا بجائزة نوبل من الروائيين لأن الرواية قابلة للترجمة ومن ثم تتمكن لجنة جائزة نوبل من أن تقرأ الرواية، أما الشعر فإذا ترجم ضاع لأنه فن لغته، ومن الملاحظ أن الكثير من الجوائز العالمية تحتفي بالرواية أكثر من الشعر لقابليتها بأن تنتقل من لغة إلى أخرى، وهذا هو الوهم الأول الذي وقع فيه عصفور، وإذا قسنا حجم مبيعات أمير الرواية العربية نجيب محفوظ بمبيعات نزار قباني أو محمود درويش سنجدها أقل بكثير جداً، كما أن مقولة جابر عصفور تنطوي على ضغينة تخصه لأنه بدأ حياته شاعراً فاشلاً وتوقف، لذلك سعى إلى أن يقضي على الشعر الذي لم يستطعه، ونحن الآن في زمن يتحول فيه الأدب المكتوب إلى فن المشاهدة والاستماع .

* لماذا شعرك به مسحة من التصوف؟

الثقافة العربية رئتاها الأساسيتان شعر التصوف ومن يجهله يجهل قسماً كبيراً من الثقافة العربية، ومن يجهل الشعر العربي يجهل قسماً آخر من الثقافة، ونحن انفتحنا على شعر التصوف عن طريق عبدالرحمن بدوي ثم بفضل من أتوا من بعده، والتصوف الذي يعنيني أصبح يسكن اللغة وليس مجرد مصطلحات صوفية نرددها، والتصوف الذي أقصده يهتم بالحياة والعالم .

* تستلهم التراث في شعرك ، فما أهمية التراث بالنسبة لك كشاعر؟

الشعر ذاكرة خصبة لاستعداد الشاعر على التذكر، فالشعر العربي القديم هو تلك المعرفة التي لا تستطيع أن تخالفها إلا بعد إتمام معرفتك بها، ليكون هاجسك في علاقتك بالتراث هو القبض عليه للتخلص منه، أما أن تتخلص منه من دون أن تعرفه فربما تقلده أيضاً من دون أن تدري، فيجب أن تعرفه لتنقضه وتخرج عليه .

* برأيك ما الذي قدمه شعراء جيل السبعينات للأجيال التالية لهم؟

لم أعد أحب كلمة جيل السبعينات، أو أن أنتمي لهذه التقسيمة وأظن أن كثيرين من زملائي لم يعودوا يحبون الانتساب إلى السبعينات أو سواها، فالسبعينات في بداياتها كانت عصبية ضرورية لمجموعة من الشباب يحتاج كل منهم للآخر في مواجهة الآخرين، ولكني الآن أريد أن أكون فرداً، فبعد فترة لابد أن يكون الشاعر وحده مجرد فرد، أما الأجيال الجديدة فمحكومة بعصبية أن تحتمي بعضها ببعض حتى تتحقق وبعد التحقق ستنفرط إلى أفراد ولن يبقى منها سوى فردين أو ثلاثة .

* هل ما يقولونه حقيقي بأنهم استطاعوا إنتاج نوع جديد من الكتابة لم تستطع الأجيال السابقة لهم أن تنتجه؟

كل جيل هو جيش كبير وجنوده مخلصون لتعليماته ولا يخرجون عليها وسينساهم التاريخ، وأقلية خائنة لتعاليم هذا الجيل، وكما تخرج على التراث ستخرج على تعاليم جيلها وهي التي ستبقى بأسمائها، فالجنود يزولون بأسمائهم بعد المعركة .

* لكنهم يقولون إنهم ملوا من الوجوه التي تتكرر على الساحة الأدبية منذ السبعينيات وحتى الآن؟

لهم الحق في أن يملوا لكنني أحب أحمد شوقي حتى هذه اللحظة ومن سيأتي من بعدنا سيحب شوقي والمتنبي وغيرهما، وهذه المقولة ساذجة، ولم يملوا لأن شعرنا رديء أو تكرار لما سبقه، فالشعر الذي يمل منه شعر رديء، ولكن ملوا ربما من نفس الوجوه التي شغلت مناصب وظلت بها حتى الآن .

* ما رأيك في الوجوه الشابة التي أفرزتها الثورة هل هم أشكال شعرية جديدة أم مجرد حالة تعبيرية؟

هذه ضرورة الميدان الذي انفض وستنفض معه هذه القصائد، لدرجة أن هتافات الشباب التي كانوا يرددونها في الميدان تجاوزتهم، لأنها كانت أكثر شعرية من قصائد هؤلاء .

* كيف تنظر إلى دور الحركة الشعرية في المجتمع خلال الفترة المقبلة؟

لا أتصور كشاعر أنني يجب أن أفكر في دور لي على الإطلاق، وككاتب ثائر أحيا ثائراً، فالشعر لا يفكر في دور، وإنما الآخرون هم من ينسبون هذا الدور إلى الشعر، فالشاعر إن فكر في دور له خرج عن شعره .

صدام كمال الدين

13/02/2012
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق