نوع من الخلاص وبديل عن الانتحار
![]() |
عبد الوهاب الأسوانى |
عبد الوهاب الأسواني كاتب مصري موهوب، وبرغم موهبته الكبيرة إلا انه لا يسعى لمزاحمة الآخرين، لأنه يؤمن بأن الأديب الموهوب لا يزاحم ولا يسعى للآخرين، لأن موهبته هي التي تفرض نفسها .
بدأ الأسواني رحلته الأدبية والإبداعية عام 1970 بروايته “سلمى الأسوانية” والتي حازت العديد من الجوائز مروراً ب”أخبار الدراويش”، “اللسان المر”، “النمل الأبيض” ووصولاً إلى أحدث رواياته “كرم العنب” وهي الرواية السادسة له . لو قرأنا أول رواية لعبدالوهاب الأسواني وآخر رواية له لاستطعنا أن نرصد تطورات المجتمع المصري خلال نصف قرن من الزمان من خلال تناوله لقضاياه بصدق وموضوعية متخذا من قريته مسرحاً للأحداث . حصل الأسواني على 11 جائزة مصرية وعربية وهنا حوار معه .
* بداية ما آخر أعمالك ؟
انتهيت من كتابة روايتين إحداهما بعنوان “إمبراطورية حمدان” وأحداثها تدور بين أسوان والإسكندرية وبطلها شخصية بسيطة جدا هاجر إلى الإسكندرية فوق أحد القطارات إلى أن جاء يوم كان رجال الأعمال الأوروبيون يأتون إلى الإسكندرية ويرفعون له القبعة عندما يتعاملون معه، أما العمل الثاني فهو “جوليا اليونانية” وتدور أحداثه في الإسكندرية أيام وجود اليونانيين بها، حول أسرتين إحداهما يونانية والأخرى مصرية، وكل أسرة لها قصة، وتتداخل هذه القصص مع بعضها بعضاً من خلال علاقاتها الإنسانية .
* هناك من يرى أنك ظلمت الأجيال الجديدة من شباب المبدعين عندما قلت عنهم إنهم أنصاف موهوبين . فبماذا ترد على ذلك ؟
ما حدث أن اتحاد الكتّاب المصريين أقام حفلة تكريمية لي في مبنى القلعة وسألني أحدهم عن رأيي في الروائيين الجدد، فأجبته بأن هناك عددا كبيرا من الروائيين أنصاف الموهوبين يزاحمون ثلاثة أو أربعة فقط من الموهوبين، وللأسف الشديد أنصاف المواهب هؤلاء هم الظاهرون فقط لأن المواهب الحقيقية لا تزاحم وتعتمد على موهبتها فقط وهذا يظهر في كل جيل، وجيلي كان به العشرات لم يتبق منهم إلا أربعة في النهاية، لكن فيما يبدو أن من تناول كلامي لم يسمع سوى أنهم أنصاف موهوبين فقط فأخرج الكلام من سياقه .
* برغم نشأتك بين بيئتين متناقضتين هما الإسكندرية وسط الخواجات وقرية المنصورية بأعماق الصعيد إلا أن هذا التناقض لم يظهر في أعمالك حيث الغلبة كانت للقرية . لماذا ؟
السبب في هذا أنني عندما كان عمري تسع سنوات، حاولت اللعب مع أولاد الخواجات ففوجئت بهم يحملون كرتهم ويتركونني وحدي، وكانوا هم أصحاب الأملاك والمحال التجارية والسيارات وبيوت المال في منطقة رمل الإسكندرية، التي كانت راقية جدا حتى إن الدكتور جمال حمدان قال عنها في كتابه “شخصية مصر”: “كأنها قطعة من أوروبا عبرت البحر الأبيض وألصقت بشاطئنا”، ثم تعرفت بعد ذلك الى الأحياء الشعبية في الإسكندرية ففزعت حين رأيت الفارق الكبير بينهما، وعندما بلغت سن 18 عاما كونت ومجموعة من الأدباء ندوة أدبية، وكنت أسافر مع والدي كل عام إلى أسوان مدة سبعة أشهر وخلال هذه الفترة كنت أخالط كل فرد في القرية وأدخل كل البيوت بها، فعندما بدأت الكتابة وجدتني أكتب عن أسوان أفضل مما أكتب عن الإسكندرية ولا يعني هذا أنني لم أستفد من تجربة الإسكندرية فيوسف الشاروني في دراسته عن أول رواية لي والتي كان بطلها يشبهني كثيرا قال “هذا البطل سكندري العقل أسواني العاطفة” .
* كيف تستطيع رصد تطورات القرية الأسوانية وما يستجد بها وأنت بعيد عنها الآن؟
أذهب حتى هذه اللحظة كل عام إلى أسوان، لأمكث بها على الأقل شهرا وأخالط الناس، وأحضر مجالس الصلح والمآتم، وأرصد المشكلات الجديدة، وينبثق الرمز السياسي أثناء العمل دون قصد، لذلك قال الناقد محمد السيد عيد “لو قرأنا أول رواية لعبدالوهاب الأسواني وآخر رواية له لاستطعنا أن نرصد تطورات المجتمع الأسواني” .
* استخدمت تكنيك تعدد الأصوات وخاصة في روايتي أخبار الدراويش، وكرم العنب فهل هناك سبب فني استدعى ذلك ؟
العديد من الأحداث لو كتبتها بضمير الغائب سيتهمني القارئ بأنني منحاز إلى ناحية ما، فحينما استخدمت تعدد الأصوات تركت كل شخصية تقول وجهة نظرها وتمدح نفسها وللقارئ أن يحكم، وأيضا مضمون العمل نفسه هو الذي فرض شكل تعدد الأصوات، فالأحداث الصغيرة هي التي تعطي مصداقية للأحداث عند القارئ .
* عبد الوهاب الأسواني كاتب مقل ولا يسعى لإعادة طبع أعماله التي نفدت . لماذا؟
ربما بسبب تشاؤمي من الجنس البشري نفسه، حتى ليخيل إلى أنه لا جدوى من أي شيء، فالقضايا التي كنا نناقشها في بداية القرن الماضي وحسمت مازلنا نناقشها الآن، ولا ينقذني من تشاؤمي سوى الكتابة فهي نوع من الخلاص أو كما قال أمل دنقل هي بديل عن الانتحار، لذلك أنا غير متحمس لإعادة طبع كتبي مرة أخرى .
* المثقف في أدبك دائما صوته ضعيف ومهمش وتأثيره محدود فهل هذا انعكاس للواقع؟ وهل ترى أن هذا هو حال المثقف الآن؟
الأدباء كان لهم دور أيام العقاد وطه حسين وغيرهما، أما الآن فالمثقف مهمش ولا دور له، ولا أحد من المسؤولين يقرأ، حتى أدب نجيب محفوظ لم يقرأه أحد منهم، فالأديب في الفترة السابقة كان مقروءا من المسؤولين وله دوره .
* وبرغم فوز روايتك “سلمى الأسوانية” بجائزة نادي القصة عام 1966 لم يهتم بها النقاد . برأيك لماذا؟
لأنني وقتها كنت أعيش في الإسكندرية والنقاد معظمهم في القاهرة ومن مشكلاتنا في مصر أن كل شيء مركز في القاهرة، بالرغم من أن الإسكندرية مدينة كبيرة وعالمية، لا توجد بها جريدة أو مجلة أو دار نشر لها اسمها، بعكس الوطن العربي حيث تجد في سوريا أن حلب ودمشق وحمص واللاذقية تتنافس في الأمور الثقافية، وفي لبنان طرابلس تنافس بيروت، وفي السعودية جدة تنافس الرياض والدمام أيضا، أما سلمى الأسوانية فالعديد من المبدعين كتبوا عنها كفاروق منيب، كمال النجمي، ماجد يوسف، والناقد حلمي القاعود، وأفضل دراسة عنها هي التي كتبها يوسف الشاروني لأنه اهتم بالبناء وليس بالمضمون فقط .
* وهل ترى أن النقد متتبع جيد لأعمالك؟
للأسف النقد مظلوم الآن ففي الماضي الصحف الكبرى كالجمهورية والشعب كانت تنشر دراسات نقدية لنقاد كبار مثل محمد مندور ولويس عوض وغيرهما، وكانت تحدث معارك نقدية كبيرة كالتي حدثت بين لويس عوض ورشاد رشدي أواخر الخمسينات، أما الآن فالناقد لا يجد منبرا واحدا ينشر دراساته فيصدر كتابا لا يسمع به أحد، ويوجد الآن بعض الصحف والمجلات الأدبية كأخبار الأدب، وأدب ونقد، ولكنها ضعيفة ولا توزع على نطاق واسع جماهيريا .
* حس السخرية يشكل عاملا أساسيا في نسيج كتاباتك . أليس كذلك؟
أسخر حتى لا أنفجر من الداخل بسبب ما يحدث في المجتمع، ومن وضع المثقفين الآن، وكلما يتقدم العمر بالإنسان يزداد لديه حس السخرية .
العديد من الأحداث لو كتبتها بضمير الغائب سيتهمني القارئ بأنني منحاز إلى ناحية ما، فحينما استخدمت تعدد الأصوات تركت كل شخصية تقول وجهة نظرها وتمدح نفسها وللقارئ أن يحكم، وأيضا مضمون العمل نفسه هو الذي فرض شكل تعدد الأصوات، فالأحداث الصغيرة هي التي تعطي مصداقية للأحداث عند القارئ .
* عبد الوهاب الأسواني كاتب مقل ولا يسعى لإعادة طبع أعماله التي نفدت . لماذا؟
ربما بسبب تشاؤمي من الجنس البشري نفسه، حتى ليخيل إلى أنه لا جدوى من أي شيء، فالقضايا التي كنا نناقشها في بداية القرن الماضي وحسمت مازلنا نناقشها الآن، ولا ينقذني من تشاؤمي سوى الكتابة فهي نوع من الخلاص أو كما قال أمل دنقل هي بديل عن الانتحار، لذلك أنا غير متحمس لإعادة طبع كتبي مرة أخرى .
* المثقف في أدبك دائما صوته ضعيف ومهمش وتأثيره محدود فهل هذا انعكاس للواقع؟ وهل ترى أن هذا هو حال المثقف الآن؟
الأدباء كان لهم دور أيام العقاد وطه حسين وغيرهما، أما الآن فالمثقف مهمش ولا دور له، ولا أحد من المسؤولين يقرأ، حتى أدب نجيب محفوظ لم يقرأه أحد منهم، فالأديب في الفترة السابقة كان مقروءا من المسؤولين وله دوره .
* وبرغم فوز روايتك “سلمى الأسوانية” بجائزة نادي القصة عام 1966 لم يهتم بها النقاد . برأيك لماذا؟
لأنني وقتها كنت أعيش في الإسكندرية والنقاد معظمهم في القاهرة ومن مشكلاتنا في مصر أن كل شيء مركز في القاهرة، بالرغم من أن الإسكندرية مدينة كبيرة وعالمية، لا توجد بها جريدة أو مجلة أو دار نشر لها اسمها، بعكس الوطن العربي حيث تجد في سوريا أن حلب ودمشق وحمص واللاذقية تتنافس في الأمور الثقافية، وفي لبنان طرابلس تنافس بيروت، وفي السعودية جدة تنافس الرياض والدمام أيضا، أما سلمى الأسوانية فالعديد من المبدعين كتبوا عنها كفاروق منيب، كمال النجمي، ماجد يوسف، والناقد حلمي القاعود، وأفضل دراسة عنها هي التي كتبها يوسف الشاروني لأنه اهتم بالبناء وليس بالمضمون فقط .
* وهل ترى أن النقد متتبع جيد لأعمالك؟
للأسف النقد مظلوم الآن ففي الماضي الصحف الكبرى كالجمهورية والشعب كانت تنشر دراسات نقدية لنقاد كبار مثل محمد مندور ولويس عوض وغيرهما، وكانت تحدث معارك نقدية كبيرة كالتي حدثت بين لويس عوض ورشاد رشدي أواخر الخمسينات، أما الآن فالناقد لا يجد منبرا واحدا ينشر دراساته فيصدر كتابا لا يسمع به أحد، ويوجد الآن بعض الصحف والمجلات الأدبية كأخبار الأدب، وأدب ونقد، ولكنها ضعيفة ولا توزع على نطاق واسع جماهيريا .
* حس السخرية يشكل عاملا أساسيا في نسيج كتاباتك . أليس كذلك؟
أسخر حتى لا أنفجر من الداخل بسبب ما يحدث في المجتمع، ومن وضع المثقفين الآن، وكلما يتقدم العمر بالإنسان يزداد لديه حس السخرية .
* لماذا ظهر البطل المهزوم في الرواية المصرية في الستينات بقوة؟
لأن المواطن وقتها كان مهزوما، ففي عام 1967 حدثت هزيمة شنيعة لنا، وعام 1973 حققنا انتصارا عظيما، ولكن بعد ذلك حدثت هزيمة معنوية فظيعة للناس بسبب السادات وتوقيعه لاتفاقية كامب ديفيد، وما تبعها من أحداث مؤلمة، وهو ما أدى إلى انتشار الفساد في أرجاء المجتمع كظهور نموذج رجل الأعمال الفاسد الذي يأخذ أموال البنوك ويهرب بها إلى الخارج، فخرجنا من انتصار حرب أكتوبر1973 مهزومين .
لأن المواطن وقتها كان مهزوما، ففي عام 1967 حدثت هزيمة شنيعة لنا، وعام 1973 حققنا انتصارا عظيما، ولكن بعد ذلك حدثت هزيمة معنوية فظيعة للناس بسبب السادات وتوقيعه لاتفاقية كامب ديفيد، وما تبعها من أحداث مؤلمة، وهو ما أدى إلى انتشار الفساد في أرجاء المجتمع كظهور نموذج رجل الأعمال الفاسد الذي يأخذ أموال البنوك ويهرب بها إلى الخارج، فخرجنا من انتصار حرب أكتوبر1973 مهزومين .
* في معظم أعمالك الإبداعية هناك مقتطفات من التراث والسير الشعبية تروي في لحظات أزمة البطل، فكيف استوعبت التراث في تجربتك الإبداعية؟
قبل أن اقرأ لتشيكوف ودستويفسكي وتولستوي، بدأت صلتي بالتراث العربي القديم منذ الصغر فوجدتني أقرأ الجاحظ والأصفهاني، وأيضا الكتب التاريخية، وفي نفس الوقت قرأت الفولكلور والأدب الشعبي والذي أعتبره جزءا أساسيا من ثقافتي، فالشعر سواء كان شعبيا أو تراثيا يأتي معي أثناء سياق الأحداث من دون أن أقصد ومن وجهة نظر الشخصية التي أكتب عنها، ولو تم حذفه سيحدث خلل ما في سياق الأحداث .
قبل أن اقرأ لتشيكوف ودستويفسكي وتولستوي، بدأت صلتي بالتراث العربي القديم منذ الصغر فوجدتني أقرأ الجاحظ والأصفهاني، وأيضا الكتب التاريخية، وفي نفس الوقت قرأت الفولكلور والأدب الشعبي والذي أعتبره جزءا أساسيا من ثقافتي، فالشعر سواء كان شعبيا أو تراثيا يأتي معي أثناء سياق الأحداث من دون أن أقصد ومن وجهة نظر الشخصية التي أكتب عنها، ولو تم حذفه سيحدث خلل ما في سياق الأحداث .
* كل من تغرب من الأدباء ظهر أثر هذه الغربة في أدبه باستثناء عبدالوهاب الأسواني، لماذا؟
تشغلني الآن رواية عن تجربة الغربة، ففي دولة قطر كنت أحد مؤسسي جريدة “الراية” بصحبة رجاء النقاش، وعملت في السعودية بالدمام والرياض في مجلة أسبوعية اسمها “الشرق”، وأيضا بمجلة “الفيصل” والمجلة العربية، وهناك أحداث كثيرة جدا ممكن أن يصنع منها رواية جيدة، وأحاول أن أعالج هذه المسألة وأرصد الإيجابيات أيضا بحيث لا يحدث خلل في العمل، وعندما أحل هذه المشكلة يمكن أن ابدأ بكتابتها لأنني لا أبدأ بكتابة رواية إلا إذا زحمتني أولاً حيث لا أجد مفرا من كتابتها ،ولم يظهر أثر هذه الغربة في الأعمال السابقة لأن أحداث مصر أكثر مأساوية فتجدها تغلب على الإنتاج الأدبي لدي .
تشغلني الآن رواية عن تجربة الغربة، ففي دولة قطر كنت أحد مؤسسي جريدة “الراية” بصحبة رجاء النقاش، وعملت في السعودية بالدمام والرياض في مجلة أسبوعية اسمها “الشرق”، وأيضا بمجلة “الفيصل” والمجلة العربية، وهناك أحداث كثيرة جدا ممكن أن يصنع منها رواية جيدة، وأحاول أن أعالج هذه المسألة وأرصد الإيجابيات أيضا بحيث لا يحدث خلل في العمل، وعندما أحل هذه المشكلة يمكن أن ابدأ بكتابتها لأنني لا أبدأ بكتابة رواية إلا إذا زحمتني أولاً حيث لا أجد مفرا من كتابتها ،ولم يظهر أثر هذه الغربة في الأعمال السابقة لأن أحداث مصر أكثر مأساوية فتجدها تغلب على الإنتاج الأدبي لدي .
* قلت إن التاريخ يحد من خيال الكاتب ورغم ذلك تستعين كثيرا به في أعمالك؟
لا أستعين به ككتابة تاريخية، فحتى “كرم العنب” لا تستطيع أن تقول إنها رواية تاريخية لأن الأبطال كلهم مواطنون عاديون، وحتى تاريخ أحمد عرابي تناولته من خلال أسرة ناصرت عرابي وأول شيء فعله الإنجليز بعد القضاء على عرابي هو تغيير نظام العمد والمشايخ في الريف المصري اتباعا لنصيحة اللورد كرومر الذي قال “لو سيطرنا على الريف المصري سيطرنا على مصر لأن الأفندية في القاهرة يثرثرون كثيرا” فلم أتناول تاريخ هذه الفترة بطريقة مباشرة وإنما من خلال انعكاسه على هذه الأسرة التي ضاعت منها أملاكها، ولتجنب ثورات واضطرابات هذه العائلات أعاد الخديوي توفيق الذي ناصر الإنجليز وتولى العرش تحت حرابهم بإيعاز من الإنجليز بعض هذه الأملاك إليهم .
لا أستعين به ككتابة تاريخية، فحتى “كرم العنب” لا تستطيع أن تقول إنها رواية تاريخية لأن الأبطال كلهم مواطنون عاديون، وحتى تاريخ أحمد عرابي تناولته من خلال أسرة ناصرت عرابي وأول شيء فعله الإنجليز بعد القضاء على عرابي هو تغيير نظام العمد والمشايخ في الريف المصري اتباعا لنصيحة اللورد كرومر الذي قال “لو سيطرنا على الريف المصري سيطرنا على مصر لأن الأفندية في القاهرة يثرثرون كثيرا” فلم أتناول تاريخ هذه الفترة بطريقة مباشرة وإنما من خلال انعكاسه على هذه الأسرة التي ضاعت منها أملاكها، ولتجنب ثورات واضطرابات هذه العائلات أعاد الخديوي توفيق الذي ناصر الإنجليز وتولى العرش تحت حرابهم بإيعاز من الإنجليز بعض هذه الأملاك إليهم .
* هناك من يتعالى على التراث العربي القديم كما ذكرت في إحدى مقالاتك ، ما تعليقك على ذلك؟
كثير من الأدباء يقرأون بصورة جيدة الإنجازات الأوروبية في الرواية والقصة والفلسفة وعلم الاجتماع، لكنهم لا صلة لهم بالتراث كما ذكرت، وكمثال عندما تسأل أيا منهم هل لديك فكرة عن التاريخ الإسلامي؟ يقول نعم أنا قرأت فلان المستشرق لأنه العمدة في التاريخ الإسلامي فهم يقرأون كلام المستشرقين عنا ويأخذونه كأنه مسلمات، بينما هؤلاء المستشرقون في داخل كل منهم عداء مستتر للعرب وللمسلمين، لأنهم هم الذين قلموا أظافر الإمبراطورية الرومانية، وأخذوا منها مصر والشام والشمال الإفريقي كله ما حدّ من انتشار وسيطرة أوروبا، ولا أنكر أن بينهم شخصيات محترمة لكنني أؤمن بالحضارة العربية والإسلامية إيمانا مطلقا كما أؤمن بالحضارات الرومانية واليونانية والغربية الحديثة، برغم أن هناك العديد من الأدباء العرب يقولون ما الذي أضافته الحضارة العربية؟! فهذه كارثة لأنهم يتعالون على التراث عن جهل، ولأنه ينعكس على أدبهم وخاصة جيلي وما تلاه من الأجيال، ولا ينطبق هذا على نجيب محفوظ ويحيى حقي أو توفيق الحكيم وغيرهم لأنهم قرأوا التراث العربي أولا ثم الانجازات الغربية .
كثير من الأدباء يقرأون بصورة جيدة الإنجازات الأوروبية في الرواية والقصة والفلسفة وعلم الاجتماع، لكنهم لا صلة لهم بالتراث كما ذكرت، وكمثال عندما تسأل أيا منهم هل لديك فكرة عن التاريخ الإسلامي؟ يقول نعم أنا قرأت فلان المستشرق لأنه العمدة في التاريخ الإسلامي فهم يقرأون كلام المستشرقين عنا ويأخذونه كأنه مسلمات، بينما هؤلاء المستشرقون في داخل كل منهم عداء مستتر للعرب وللمسلمين، لأنهم هم الذين قلموا أظافر الإمبراطورية الرومانية، وأخذوا منها مصر والشام والشمال الإفريقي كله ما حدّ من انتشار وسيطرة أوروبا، ولا أنكر أن بينهم شخصيات محترمة لكنني أؤمن بالحضارة العربية والإسلامية إيمانا مطلقا كما أؤمن بالحضارات الرومانية واليونانية والغربية الحديثة، برغم أن هناك العديد من الأدباء العرب يقولون ما الذي أضافته الحضارة العربية؟! فهذه كارثة لأنهم يتعالون على التراث عن جهل، ولأنه ينعكس على أدبهم وخاصة جيلي وما تلاه من الأجيال، ولا ينطبق هذا على نجيب محفوظ ويحيى حقي أو توفيق الحكيم وغيرهم لأنهم قرأوا التراث العربي أولا ثم الانجازات الغربية .
* هناك من يرى أن الواقعية وصلت إلى طريق مسدود ولم تعد قادرة على التعبير عن واقعنا ؟
هذا الكلام ينطبق على الواقعية في أوروبا على أساس أن الرواية هناك لم تترك كبيرة أو صغيرة أو منطقة من المناطق أو شريحة من المجتمع إلا وتناولتها، بينما في منطقة مثل الصعيد المصري لم يظهر إلا عدد قليل جدا يتحدث عنه، فالواقعية لا يزال لها دور كبير نحتاج إليه في مصر والعالم العربي، فعن طريق الرواية يمكنني أن أعرف كيف يفكر السوري أو ابن الصحراء في الجزائر أو في الواحات الليبية، كما أن الواقعية تطورت ولم تعد كما كانت في القرن التاسع عشر، فالأحداث وتصوير هموم الشخصيات الآن هي التي لها الأولوية بحيث تستطيع أن توصل الفكرة بطريقة أفضل من الواقعية القديمة .
هذا الكلام ينطبق على الواقعية في أوروبا على أساس أن الرواية هناك لم تترك كبيرة أو صغيرة أو منطقة من المناطق أو شريحة من المجتمع إلا وتناولتها، بينما في منطقة مثل الصعيد المصري لم يظهر إلا عدد قليل جدا يتحدث عنه، فالواقعية لا يزال لها دور كبير نحتاج إليه في مصر والعالم العربي، فعن طريق الرواية يمكنني أن أعرف كيف يفكر السوري أو ابن الصحراء في الجزائر أو في الواحات الليبية، كما أن الواقعية تطورت ولم تعد كما كانت في القرن التاسع عشر، فالأحداث وتصوير هموم الشخصيات الآن هي التي لها الأولوية بحيث تستطيع أن توصل الفكرة بطريقة أفضل من الواقعية القديمة .
* طوال نصف قرن مضى ظهرت أصوات تدعو إلى الحداثة ومصطلحاتها الكثيرة، فكيف ترى الحداثة في أدبك؟
الحداثة عزلت القارئ عن القراءة لأن جميع الأشكال الفنية الحداثية لدينا مستوردة من الخارج، ولا يوجد أديب عربي اخترع شكلا من هذه الأشكال، ولكي يبدو الأديب حداثيا يأتي بالشكل أولا ثم يفصل عليه الموضوع، فتكون النتيجة انه يعزل القارئ عن القراءة، وبالتالي هذا الشكل الحداثي كارثة، وبعض النقاد ممن تستهويهم هذه الأشكال ربما ساعدوا في تشجيع التجديد في الشكل، وفي أعمالي كمثال ستجد الحداثة في رواية “كرم العنب” حيث تعدد الأصوات بها من خلال تسع شخصيات تروي الحدث، وهذا الشكل وجد بعد الخمسينات من القرن الماضي وبدأه لورنس داريل ورفاقه، والحداثة برأيي هي كل ما يخدم توصيل رؤية الأديب وليس العكس .
الحداثة عزلت القارئ عن القراءة لأن جميع الأشكال الفنية الحداثية لدينا مستوردة من الخارج، ولا يوجد أديب عربي اخترع شكلا من هذه الأشكال، ولكي يبدو الأديب حداثيا يأتي بالشكل أولا ثم يفصل عليه الموضوع، فتكون النتيجة انه يعزل القارئ عن القراءة، وبالتالي هذا الشكل الحداثي كارثة، وبعض النقاد ممن تستهويهم هذه الأشكال ربما ساعدوا في تشجيع التجديد في الشكل، وفي أعمالي كمثال ستجد الحداثة في رواية “كرم العنب” حيث تعدد الأصوات بها من خلال تسع شخصيات تروي الحدث، وهذا الشكل وجد بعد الخمسينات من القرن الماضي وبدأه لورنس داريل ورفاقه، والحداثة برأيي هي كل ما يخدم توصيل رؤية الأديب وليس العكس .
* في “أخبار الدراويش” طرحت فكرة الديمقراطية لخروج القرية من أزمتها . فهل مازلت تأمل الآن في أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو الديمقراطية؟
نعم أؤمن بالديمقراطية ولو أنني متشائم منها لأنه حتى الآن لدينا 26% من المواطنين أميون، ومعظم الحاصلين على شهادة جامعية يتميزون بأمية عقلية لأنه لا يقرأ في غير تخصصه، وقال عنهم لويس عوض “إن جميع الأطباء والمهندسين والمحاسبين ومن لف لفهم الذين لا يقرأون في غير تخصصهم لا يزيدون على “أسطوات” ولكن بملابس أنيقة” والوعي السياسي يكاد يكون مقصورا على النخبة، وهم فئة قليلة جدا لا تتعدى 3% فقط، لذلك نتيجة الديمقراطية لن تكون في مصلحة الناس لأنهم لا يحسنون اختيار من يمثلهم .
نعم أؤمن بالديمقراطية ولو أنني متشائم منها لأنه حتى الآن لدينا 26% من المواطنين أميون، ومعظم الحاصلين على شهادة جامعية يتميزون بأمية عقلية لأنه لا يقرأ في غير تخصصه، وقال عنهم لويس عوض “إن جميع الأطباء والمهندسين والمحاسبين ومن لف لفهم الذين لا يقرأون في غير تخصصهم لا يزيدون على “أسطوات” ولكن بملابس أنيقة” والوعي السياسي يكاد يكون مقصورا على النخبة، وهم فئة قليلة جدا لا تتعدى 3% فقط، لذلك نتيجة الديمقراطية لن تكون في مصلحة الناس لأنهم لا يحسنون اختيار من يمثلهم .
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق