علاء الديب: كنت وحيداً وموت عبد الناصر زاد وحدتي


علاء الديب

فى جو يعبق بروائح زهر الليمون وأيضا بالدفء ، مابين مكتب مكتظ بالكتب ومكتبة تضم روائع الأدب العربى والعالمى ، وكرسيه الهزاز المفضل الذى يتوسط الحجرة ، استقبلنى بابتسامته التى توحى لك بأنه يعرفك منذ سنين طويلة ، برغم المرض الذى أنهكه والذى اضطره مؤخرا لإجراء عملية " قلب مفتوح " إلا انه ما زال قادرا على العطاء ، ما زال مهموما بما آلت إليه أمور ثورة يوليو ، والنكسة التى تركته كما يقول ميتا ، ولم نستطيع أن نبتعد خلال حوارنا مع الأديب والروائى علاء الديب كثيرا عن الثورة والنكسة وعبد الناصر والاشتراكية واليسارية لأنهم يعتبروا المكون الأساسى لأعماله . 
أحب رواياته إلى قلبه "زهر الليمون" 1978 والتى استلهم من النكسة جوها القاتم ، يعترف بأن جميع شخصيات أعماله تحمل شيئا منه من "قمر على المستنقع" و"عيون البنفسج" و"أطفال بلا دموع" إلى "أيام وردية " ، وحصل علاء الديب على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2002م .


* فى مقالاتك عصير الكتب والتى كنت تكتبها بمجلة صباح الخير هل توقعت أن يتحقق تنبأك بظهور مثل هذه المواهب والتى كانت فى بدايتها فى ذلك الوقت ؟

المسألة ليست تنبأ بالنجاح وإنما المعرفة بحدود هؤلاء الكتاب وحجم قدراتهم ، وتعريف القارئ بهذه الحدود ، وأيضا هم كتاب أحببت كتابتهم وتقديمهم للقارئ ، وعصير الكتب لم يكن بابا نقديا بقدر ما كان عرضا للكتب وهو نوع من المقالات معروف فى الدول الأوربية كثيرا ، أما منذ 50 عاما فى مصر فلم يكن موجودا ، كما أن هناك مجلات متخصصة لمساعدة القارئ على الاختيار السليم ، وكنت أقوم بالاختيار نيابة عن القارئ وأقدم له كاتبا مع عرض أو تلخيص أو تقديم لأهم كتبه والشرط الأساسى أن أحب الكتاب وأقتنع به .

* وماذا عن روايتك الجديدة صيد الملائكة ؟

صيد الملائكة بدأتها منذ عام 2003 وهى حبيسة الأدراج إلى الآن ومسوداتها وأوراقها مازالت تنتفخ وليس معنى ذلك أنها ستكون عملا ضخما لأننى أزعم أنى متخصص فى الرواية القصيرة ، وأتمنى أن أراها فى شكلها الأخير ، لكن هناك جوانب شخصية كالمرض والإحباط العام للحياة الاجتماعية تعمل على جعل صوت النغمة المتشائمة فى حياتى عاليا وربما هذا ماجعلنى مترددا فى إنهاءها إلى الآن حتى لا تكون أشد قتامة من أعمالى الاخرى وكأنى أريد أن أضع بآخر النفق بعض من النور والأمل .


* أبطال رواياتك حياتهم عبارة عن بؤس منذ بدايتها وحتى نهايتها . فهل ترى أن الحياة ماهى إلا بؤس كبير يحياه الإنسان ؟ وألا يوجد طريق أو سبيل للافلات من هذا البؤس ؟

فى أعمالى أعبر عن الطبقة المتوسطة بكل شرائحها والتى كانت تمربأزمة حقيقية بسبب أمالها وأحلامها التى أحبططت وتكسرت بعد نكسة عام 1967 ، وأيضا انهيار حلم وايدلوجية الأشتراكية والذى كان جزءا أساسيا من حياتها كلها وطريقة تفكيرها وما أصاب الاشتراكية سواء بالداخل أو على المستوى العالمى وضع ما يشبه غمامة سواء على المستوى الشخصى أو العملى عشت فيها وما زلت ، كل هذا ترك الطابع البائس ليس على الشخصيات فقط وانما على الحياة كلها ، والعمل الأدبى أو الفنى لا يقاس بشخصياته بل باحكام عمله أو طريقة أدائه ، وعندما أذكر العديد من الكتاب الذين استمتعنا بأعمالهم أمثال دستوفيسكى ، جوركى ، أو تشيكوف نجد أن أعمالهم تدور معظم أحداثها تحت ظلال هذه الغمامة الحزينة والبائسة بعض الشئ .

* تحدثت كثيرا عن أحمد أمين فى رواية " أطفال بلا دموع " ما مدى تأثيره فى حياتك ؟

هناك أثنين أدين لهم بالكثير من الجيل الذى سبقنا أمين الخولى ، وأحمد أمين لأنهما استطاعوا أن يقدموا لنا وسائل وأدوات تفكير سليمة وصحيحة وإنسانية فى ذات الوقت بدون تعصب وعلمونا المنطق والإسلام والعروبة ومصريتنا ، ولم يكونا ضيقى الأفق ، وخاصة أحمد أمين وكتاباته عن التاريخ الاسلامى والتى تعتبر من المعالم الأساسية لمن يريد الاطلاع على هذا التراث الاسلامى العظيم .

* دائما ما نجد شخصياتك يحاكمون أنفسهم ويدينونها ولا يدافعون عنها فى استسلام واضح ؟

التعميم هنا لا أوافق عليه وإنما محاكمة ومحسابة الذات ومراقبتها والتفكير فيها هى بداية الوجود الحقيقى ، والانسان الذى لا يحاسب نفسه ليس له وجود ، وهذه هى النقطة الأساسية التى تنطلق منها كل أعمالى .

* والنهاية التى أختارها فتحى فى القاهرة هل كانت طبيعية ولماذا لم تسير الحياة فى شكلها الطبيعى ؟

هذه الرواية كتبت فى ظل تأثرى ومعرفتى المبكرة بأدب ألبير كاميه ، ومن تحت ظلاله خرجت هذه الرواية ، والنهاية التى أختارها فتحى كانت طبيعية لأنه لا يريد أن يحمل الانسانية وزر حياة أخرى مشابهة لحياته ، وأظن أن هذا هو المعنى الذى يدور حوله النص .

* معظم أبطال رواياتك يتركون أنفسهم للحياة والظروف تحركهم كيف تشاء . فهل ظروف الحياة هى التى كسرتهم أم انهم أشخاص سلبيين منذ البداية ؟

ميزان الطبقة المتوسطة لم يكن ميزانا للشخصيات بقدر ما كان ميزانا كاملا للمجتمع كله والخريطة التى يتحرك خلالها الناس سواء مكان، تصرفات ، أو سلوك، ومنذ النكسة أصيب المجتمع المصرى بأكمله بحالة تدهور وأظن أن ما نعيشه الآن وما وصلنا إليه دليل على صحة ما تنبأنا به فى ذلك الوقت .

* تحدثت عن الشيوعية واليسارية فى أعمالك كثيرا وكأنهما حلم تحطم على جدران الواقع ؟

هذا حقيقى ، وما حطمها هو أخطاء البشر فى التطبيق والانتهازية ، فالخلل ليس فى المبادئ أوالأفكار .

* وهل كفرت بهما بعد النكسة ؟

المسألة ليست دين كى أكفر به ولكن هى معانى حقيقية لا تستطيع أن تعيش بدونها سواء اليسارية أو الشيوعية أو الاشتراكية بما تمثله من الحق والعدل والحرية وهؤلاء لا يتم تحطيمهم ولا تستطيع أن تكفر بهم لأنك لن تستطيع أن تحيى بدونهم .

* وماذا فعلت بك النكسة ؟

كما قلت فى كتاب وقفة قبل المنحدر أنها تركتنى ميتا ، وما تراه أمامك هو شخص آخر أعاد تكوين نفسه من الأشلاء المتناثرة حتى يستطيع أن يحتمل هذا الوجود ويحاول أن يرى الحياة بشكل مختلف وجديد ، وحرب عام 1973 لم تستطيع تطييب هذه الجراح ، برغم أنها بطولة للشعب المصرى الذى قاوم وعبر وصعد التل الترابى وأستشهد ، ولكن معنى الهزيمة لم يتغير والحلم العربى هزم أمام إسرائيل ، والكلام فى السياسة بالنسبة لى كأنه " ضرب فى الميت " لا يفيد وليس له نتيجة .

* فى كتاب " وقفة قبل المنحدر" قلت : كنت وحيدا وزاد موت عبد الناصر من وحدتى ، ألا ترى أنه برغم النكسة وما فعله عبد الناصر إلا ان معظم جيلكم يكن له نوعا خاص من الحب والإعجاب ؟

وقت موت عبد الناصر كنت فى الخارج حيث الغربة والوحدة ، وعلاقتنا بهذا الرجل لم تكن علاقة مواطنيين بزعيم أو رئيس بل كانت أكثر من ذلك حيث تشبه علاقة الأبوة ، لذلك اعتمدنا عليه فى صناعة مستقبل للأمة والمنطقة بحالها فكان يكفينا النظر إلى عينيه لنرى فيهما التحدى والإصرار ، وتأثيره كان ساحرا وخارقا وكبيرا، ولكن الواقع كان يقول بأن هناك شئ ما خطأ وتصاعد هذا الخطأ إلى أن حدثت النكسة.

* وماذا عن أيام الغربة ؟

تجربتى فى الغربة قصيرة جدا وكانت فى إحدى دول الخليج ، والخليج متنوع وملئ بالتناقضات والاحتمالات والإمكانيات والخليج بالنسبة لأهله غيره بالنسبة للأغراب ، فالنفط والثقافة والرأسمالية كل هذا تنويعات على لحن الخليج .

* لا يعرف شيئا عن الهيروين ربما لذلك يرتعد ويخاف ، يراه دخل مع الانفتاح مسحوق أبيض يرشه الأعداء لتصبح أجساد الأطفال الغضة جماجم وأشلاء . هل ترى أن الإنفتاح كان إحدى المصائب التى اصابت مصر فى عهد السادات ؟

بالطبع فالتداعيات التى صاحبت الانفتاح كانت طبيعية بسبب إنهيار الأشتراكية والقومية العربية أيضا نتيجة للتوجه الجديد الذى اتجهت اليه البلد فعندما تم وضع 99 % من أوراق اللعبة بيد أمريكا ترتب عليه بطبيعة الحال انفتاح " سداح مداح " وبالتالى ستفتح رأسك وأرضك وبلادك لأى عابث أو راغب فى الاستثمار ، وكل ما فى باطن الأرض من شرور وانحرافات يظهر ويصعد إلى السطح ، ومازلنا نعيش تداعيات هذا الانفتاح ويتمثل بشكل واضح فى التعليم اليوم وحالة الصحة العامة فى البلد والسلوك الاجتماعى السائد ، أما من ناحية المثقفين فأين هم الآن ؟! فالمثقفون مشغولون بأنفسهم ولا دور لهم ومعظمهم يعمل الآن موظف لدى الحكومة حيث تسود الشللسة فى الوسط الثقافي ، وبالتالى دورهم الاجتماعى غير موجود وغير محسوس بالمرة ، ولكن هناك عدد بسيط منهم يتمرد على هذا ويحاول الخروج من هذه الدائرة كى يكون له دور فعال ومحاولة إصلاح ما أفسده الآخرون ، لأن كل قاعدة ولها استثناء والتى تكون جميلة فى بعض الأوقات حيث توضح الفرق والاختلاف بين شيئين أحدهما جيد والاخر ردئ .

* فى رواية " أيام وردية " قلت : عندما تسأل أين القرية يقول أحدهم النسوان بطلت تخبز ، والرجالة واقفة فى طابور العيش . برأيك كيف وصلنا إلى هذا التناقض الرهيب ؟

من خلال الانفتاح والذى أوصلنا إلى هذا .

* وما الأسباب التى دفعتك إلى إعادة صيغة وترجمة كتاب " الطاو " للمرة الثانية ؟

ما زلت أعمل عليه إلى الآن وما دفعنى إلى هذا هو الإطلاع من خلال الانترنت على عدد غير محدود من الترجمات الإنجليزية له حيث وصل عدد هذه الترجمات لأكثر من 70 ترجمة ، وأيضا وجدت بحث حول المفاهيم التى تعرضت لها فى البداية أثناء ترجمتى أول مرة له وهذه الترجمة تحتمل إعادة صياغة وتقريب لذهن القارئ ، وأيضا وجدت ترجمات عربية كثيرة له سورية ومصرية ، وكأنها بحر من الترجمات المختلفة فأحببت أن أطلع عليها وأعيد ترجمته مرة أخرى .

* ما رأيك فى مسألة تقسيم الأدباء إلى أجيال ؟

لا أميل إلى هذه المسألة كثيرا وهو برأيئ إستسهال ليس أكثر ، ومن الأصوب أن يتم تقسيمهم إلى مدارس وتركيبات طبقية واتجاهات وأذواق وأصول مختلفة ، وهذا أفضل من التقسيم لأجيال ، لأن الأجيال متصلة ببعضها البعض ولا تنقطع .

* وهل تتابع إبداعات الكتاب الجدد ؟ وما رأيك فيها ؟

بقدر ما أستطيع ، وهناك من يرسل لى كتاباته ، وهى مليئة بالمفاجأت وبعضها عالى المستوى جدا ، واخرى لاتستحق أن تضيع وقتك فيها ، فهى مثل الواقع ، وهناك من يقول أنهم مغرقين فى الذاتية والجنس وأنا لا أرى ذلك ، ولكن المسألة أنه يجب منحهم قدر أكبر من الحرية لا ليقولوا كلاما بذيئا وإنما ليعيشوا ويطلعوا ويعبروا عن أنفسهم ويمارسوا حياتهم فيستطيعوا التعبير والكتابة عنها ، وأيضا يجب منحهم الحرية كى يتعلموا تعليميا حقيقيا فمستوى التعليم الآن انعكس على كل شئ بالسلب فقد تجد حاصلين على ليسانس أو بكالوريس ولا يجيدوا الكتابة ،ومن يدعى أنه لا توجد قضايا لدى الشباب ليناضل من أجلها كجيل الستينات أو السبعينات وغيره أقول له أن القضايا موجودة باستمرار فالانسان لديه قضية دائمة فقد تكون قضية علاقته بالكون أو بالاخرين أو بالله ، فكل هذه قضايا موجودة ولا تنتهى ، والقضايا الاجتماعية والسياسية تأخذ أشكال متعددة فى العالم كله .

* كتبت مع شادى عبد السلام حوار المومياء هل يمكنك ان تحدثنا عن هذه التجربة ؟ وألا ترى أن هناك تناقض بين لغة الحوار الفصحى وأجواء الصعيد التى تدور بها الأحداث ؟

برأيى أنها تجربة مهمة وممتعة فى الوقت ذاته ، ودورى كان ترجمة ما كتبه شادى لأنه كان يكتب باللغة الانجليزية ووضعه فى صيغة لغة عربية سليمة توافق التركيبة الفنية التى يحاول أن يعمل بها ، والعمل مع فنان بقيمة وأهمية شادى فى بداية حياتى شئ هام بالنسبة لى ، وللحكم على عمل فنى يجب أن تضع عناصره أمامك وترى تركيبته ، فشادى أراد أن يخلق عالما كاملا موازى لواقع قضية الآثار وسرقتها ، فصياغة اللغة الموجودة فى الحوار هى نفس صياغة المشهد الذى كان يقوم بتركيبه شادى ، وكنا نقوم معا برسم المشهد بالصوت والصورة وهذا ما أعطى للتجربة طعم مختلف وجعلها مميزة .

* حدثنا عن صديقك ابراهيم منصور ؟

كان من أقرب الأصدقاء لنفسى وأحبهم إلى قلبى واشتركنا فى السراء والضراء والعمل السياسى والتفكير والترجمة أيضا وكان صديقى لى ولأولادى وهو إنسان أكثر من نقى ومازلت أفتقده كصديق .


صدام كمال الدين

شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق