خيرى الملط : الإسرائيليون يسعون للقضاء على المشروع و «الآثار» تتجاهلنى

مؤسس مشروع إحياء الموسيقى الفرعونية


حذر الدكتور خيرى الملط، الأستاذ بكلية التربية الموسيقية، مؤسس المشروع القومى لإحياء الموسيقى الفرعونية، من الحملات الصهيونية، التى تستهدف المشروع، ووصف التحديات التى واجهها للخروج به إلى النور بأنها «معركة شرسة» .

وقال إن هناك مخططات تستهدف القضاء على المشروع، لسحب البساط من تحت أقدام مصر فى هذا المجال، لافتاً إلى تجاهل الجهات المعنية النتائج المهمة التى توصل إليها فى أبحاثه، وأوضح أن عدة جهات أجنبية رحبت بسفره إلى الخارج لإكمال مشروعه، مؤكداً صعوبة نشر الموسيقى الفرعونية وسط مناخ وصفه بالـ «منحط».


استطاع الملط طوال ١٧ عاماً من الإصرار والتحدى والبحث العلمى إنشاء قسم خاص بالموسيقى الفرعونية، بكلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان، وورشة دولية لإعادة تصنيع الآلات الموسيقية الفرعونية، إلى جانب وضع ألحان لنصوص هيروغليفية عمرها ٣ آلاف عام، وهذه تفاصيل الندوة.

* ما ملابسات فكرة البحث عن الموسيقى الفرعونية؟

فكرة إحياء الموسيقى الفرعونية والاهتمام بمشاكل الموسيقى الفرعونية عامة بدأت عام ١٩٩٠ حيث كنت أعمل رئيساً لقسم الموسيقى بكلية التربية النوعية بقنا، وكانت أول مرة أذهب فيها للجنوب، وفى البداية كنت رافضاً الفكرة تماماً ومكثت ١٠ سنوات بقنا، واستمتعت جداً بمناظر المعابد، ومن مبدأ حب الاستطلاع بدأت أذهب لزيارة المعابد وانبهرت جداً بهذه الحضارة العظيمة، وبدأت أبحث عن مناظر الحياة الموسيقية عند قدماء المصريين الموجودة بالمعابد.

ومن ثم بدأت أوجه كل اهتماماتى العلمية وأركزها فى البحث حول الموسيقى الفرعونية، وخرجت بأول بحث لى عن انثروبولوجى مصر فى عام ١٩٩٥ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وبحثى الثانى عام ١٩٩٨ بنفس الكلية، وبعد ذلك تفتحت شهيتى تماماً لهذا الموضوع، وبدأت جمع المادة العلمية، وفى يونيو ٢٠٠٠ خرجت بالمشروع القومى لإحياء الموسيقى الفرعونية بشقيه الأكاديمى التعليمى والثقافى، وهدفه جمع المادة العلمية ومحاولة نشرها فى جميع أنحاء العالم.

* من كان أول من بحث فى هذا المجال؟

عالم ألمانى ظل يبحث طوال عشرين عاماً منذ منتصف العشرينيات وحتى نهاية الأربعينيات.. زار المقابر والمعابد والنجوع والقرى وخرج بمجموعة من الجداريات، حيث جمعها فى كتاب مهم جداً اسمه «الموسيقى عند قدماء المصريين من خلال المناظر» وضع فيه حوالى ٨٠٪ من جداريات الحياة الموسيقية عند الفراعنة، وللأسف من بعده لم يهتم أحد بالموضوع أو يواصل البحث فيه.

ثم بدأنا تصنيع الآلات الموسيقية، وكانت هذه نقطة الانطلاق.. والبحث الوحيد فى الموسيقى الفرعونية، الذى نشر فى العالم كان عن آلة الناى الموجودة بالمتحف، وهذه الآلة تعتبر بداية التعرف على السلالم الموسيقية، التى كان يستخدمها المصرييون القدماء.

* ولماذا كانت البداية بآلة الناى؟

لأن من سبقونى وحاولوا القيام باستنساخ آلة الناى الفرعونية، فكروا فى سماع صوت الناى فقط، ولم تتبع ذلك أبحاث فى مجال السلالم الموسيقية تتناول هذا الموضوع أو تستكمل البحث فيه، بالرغم من النتائج العظيمة التى توصل إليها هذا البحث، وبعد الإعلان عن خروج المشروع القومى لإحياء الموسيقى الفرعونية للنور، تلقيت اتصالاً من رجل ألمانى يدعونى للذهاب إلى برلين، وعندما ذهبت فوجئت بأنه نفذ جزءاً من مشروعى عام ١٩٨٧، أى قبل أن أفكر حتى فى هذا المشروع.

* ماذا عن المؤتمرات؟
بعد المؤتمر الأول تعرضت لهجوم شديد جداً، خاصة من مصريين، ولكن لأننى مؤمن بهذا العمل، اعتبرت كل ما حدث مجرد «خزعبلات»، ومن لديه إثبات علمى يثبت أننى أخطأت فليأت ويواجهنى به ويناقشنى، أما الأجانب فكانوا على النقيض تماماً، فبعد المؤتمر الأول أنشأت أول جمعية دولية لإحياء الآثار الموسيقية.

* ما طبيعة التحديات التى واجهتكم؟ وهل التمويل من بينها؟

التحديات التى واجهتنا كانت كبيرة جداً، ولكن ما هون منها، وقوف الجامعة معى فى هذه المعركة الشرسة، وتعتبر هذه الخطوة الأولى على التواصل فالدعم المعنوى والمادى من جامعة، حلوان فى وجود الدكتور عمرو سلام كنائب لرئيس الجامعة ثم رئيساً لها بعد ذلك، ولأنه يعلم من البداية كل تفاصيل المشروع وكلمته فى مؤتمر أول دفعة من خريجى دبلومة الموسيقى الفرعونية كانت مشجعة جداً، ولكن للأسف بعد المؤتمر حدث نوع من الفتور، والبعض قال إننا يجب أن نبحث عن مصدر، للتمويل، وبالفعل بدأت البحث عن هذا المصدر وحاولت أن أشرك معى جهتين الأولى الاتحاد الأوروبى، التى كان بها العديد من المعوقات، منها أنه يجب أن يكون معى اثنان من دولتين مختلفتين داخل الاتحاد الأوروبى، وأن يكون أحدهما شريكاً لى وبالطبع وافقت لأننى كنت أحتاج جهة تمويل والمشكلة الثانية أن ٩٩% من العاملين بمجال الآثار من اليهود فبدأت عملية التحجيم لمنعى من الانتشار، مدعين أن هذا التراث ملك لهم، وفى عام ٢٠٠٨ عندما علموا بأننا ذاهبون إلى أوروبا بفرقة موسيقية بعازفين وآلات مصرية بدأوا يدعون أننا إذا نجحنا فإننا نكون نجحنا بأموالهم وتراثهم وآلاتهم.

وعندما أحكم اليهود قبضتهم على، فتح الله لنا طريقاً آخر مع البنك الدولى وتم التعاقد فى ١٦/٢/٢٠٠٥ بين جامعة حلوان والبنك الدولى وخيرى الملط، ومن ثم بدأت إنشاء أول دبلومة فى العالم لإنشاء هذا الفريق، لأنهم الجيل الذى سيسلم المسؤولية من بعدى حتى لا يذهب كل ما فعلته هباء، وكان يتم تمويل المشروع بسخاء، ولدينا مجموعة من التخصصات التى تعكس فكر المشروع: أساتذة فى علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، الفلسفة، المصريات، الرقص الفرعونى، التصنيع، وفى كل البنود التى يشتمل عليها المشروع.

* هل تجد صعوبات فى نشر الموسيقى الفرعونية وسط هذا المناخ المتردى الذى شمل الذوق العام؟

ليست مجرد صعوبات، بل عدم تعايش، خاصة مع هذه الأخلاقيات، وهذا المستوى، إلى جانب أن مستوى ثقافة المجتمع منحط، وأذكر أننى عرضت على أحد الخبراء الألمان، من المتعاونين معى فى الفرقة الدولية، أن أترك مصر وأكمل ما بدأتة فى ألمانيا وأتانى الرد سريعاً ورحبوا بى بشدة هناك.

* هناك دعاوى إسرائيلية نشرت فى الصحف والمواقع الإلكترونية الإسرائيلية تنسب هذه الموسيقى لنفسها؟

منذ أن ظهر المشروع القومى للموسيقى الفرعونية للنور أواجه العديد من العقبات التى يضعها أمامى اليهود للقضاء عليه، وكمثال عندما كنت أقدم المشروع للاتحاد الأوروبى فأستاذ جامعى ذو مكانة علمية فى جامعة أوروبية يطلب منك موافقة من الجامعة التى تعمل بها وآخر يوم للتقديم ١٥/١٢، ومنذ بداية شهر ١١ أبدأ فى إرسال خطابات ليرسلوا لى الموافقة، وبالطبع لا يحدث هذا حتى تنتهى المهلة وحدث معى هذا مرتين.

ريكاردوا آيشمن، الذى قام بتصنيع الآلات فى برلين، صنعها وتركها منذ ١٣ عاماً ومنذ ذلك الوقت لم تتحرك التجربة من مكانها لتخرج إلى النور وتصل إلى العالم، وبدأت العمل وجمع التخصصات من أساتذة مصريين متحمسين، ومنهم عدد رائع وأسماء مشهورة تعاونت معى سواء فلاسفة أو علماء آثار أو لغة..

وكل هذه التخصصات تعاملت معى بكل الحب، وكنا نحفر فى الصخر، ولأنه لا توجد مادة موسيقية بدأنا ورشة عمل لمدة ١٨ شهراً، وكل أسبوع نعمل من ثلاثة إلى أربعة وفى اليوم أربع ساعات نقضيها كلها فى مناقشات، وبعد هذه الفترة توصلنا إلى رؤية متكاملة عن المقرر الدراسى لكل مادة وأرسلت إلى ألمانيا أعرض عليهم ما توصلت إليه من فكرة ومواد دراسية ليرشدونى إلى ما يناسب هذه الدراسة وما لا يناسبها،

وأثناء المؤتمر الذى عقد بعد ذلك هناك كان يوجد به عدد من الصهاينة وكان معهم أسطوانات يبيعونها فى جميع أنحاء العالم، وأيضاً كان عدد منها موجوداً بمتحف اللوفر بباريس، ومكتوباً عليها أن هذه الموسيقى صممت فى مايو ٢٠٠١، أى بعد ظهور مشروعى بعام وخلال هذه السنة قاموا بعمل هذه الأسطوانات، وخلال هذه الفترة كان يتم اضطهادى ومحاولة عرقلتى.

وبعد أن عرف المشروع بدأوا لإعداد الخطط لمواجهته ومحاولة القضاء عليه، وأخبرت المسؤولين فى مصر حتى رئيس الجمهورية، عن هذه الأسطوانات وحذرتهم من محاولة سحب البساط من تحت أرجلنا ولكن إلى الآن لم يتصل بى أى مسؤول لمناقشة الموضوع معى، والأمر لم يقتصر على الأسطوانات فقط بل وجدنا عدة مواقع على شبكة الإنترنت تعرض صوراً لبعض الآلات الموسيقية مكتوباً عليها أنها آلات يهودية الأصل، وأن المصريين القدماء اقتبسوها عنهم، والأسطوانات مكتوب عليها موسيقى من عصر الأهرامات.

* بالتأكيد توصلتم لنتائج إيجابية ومهمة فكيف تم تفعيل هذه النتائج وتوثيقها بما يحفظ الحق الأدبى لمصر؟

ننتظر التوثيق بداية من وزير الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، ومن المفترض أن الدولة لديها أجهزة تتبع وزارة الخارجية ووزارة الثقافة والعلاقات الدولية واليونسكو تستطيع من خلالها التحدث عن هذا الموضوع.

* أليس من الطبيعى أن تتعاون معكم الجهات المعنية من هيئة الآثار كملمح تأكيدى على صحة الأبحاث التى أجريتموها؟

ليس لديهم هذا الاهتمام إطلاقاً، والمكان الوحيد الذى من المفترض أن يكون لديه هذا الاهتمام، هو المؤسسات العلمية الموسيقية، وهذه المؤسسات منذ ٧٠ عاماً لم تفكر فى هذا الموضوع فأعتقد أنها لن تأتى اليوم وتفكر فيه، وهذه المؤسسات لم تضع فى خطتها كيف تدرس هذا التراث وتحققه وتنفذه، وعندما خرج زميل من نفس الكلية ليقوم بهذا العمل ووجه بعقبات كثيرة جداً، وأريد التأكيد على مسؤولية الدولة عن هذا التطاول.

* زرت مؤخراً ألمانيا وتعد المرة الثانية لك فماذا عن هذه الزيارة؟

ذهبت لحضور ندوة عن الموسيقى المصرية القديمة فى برلين بتكليف من قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة، وقام المكتب الثقافى بسفارة مصر ببرلين بتنظيم ندوة عن الموسيقى المصرية القديمة بالاشتراك مع متحف الآلات الموسيقية هناك وتناولت هذه الأمسيات الكثير من مظاهر تواصل الحياة الموسيقية فى المجتمع المصرى القديم والحديث، مدعومة ببعض الأمثلة الموسيقية والغنائية من الفرقة الموسيقية المصرية بآلاتها الفرعونية التى تم استنساخها عن نماذج مصرية أصيلة.

* وهل هذه الزيارة تمثل شيئاً لكم؟

تمثل الكثير بالنسبة لى، أولها أنها بمثابة رد اعتبار على كل من شكك فى نجاح هذا المشروع القومى، وأولهم إدارة جامعة حلوان الحالية التى تحاربنى بشتى الطرق وتشكك فى خريجى دبلومة المشروع، الذين يتفوقون على خريجى كلية التربية الموسيقية من الجامعة ذاتها، على الرغم من أن الدبلومة لا تشترط الحصول على مؤهل بعينه، لكن تستقبل جميع الخريجين الحاصلين على الليسانس أو البكالوريوس.


صدام كمال الدين
٣١/ ١٠/ ٢٠٠٨

شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق