محمد أبو زيد: أحلام جيلنا تهاوت في أعقاب احتلال العراق

روايته " أثر النبي " تتناول بمرارة الواقع المحبط



محمد أبو زيد
جيل بأكمله أصابه الإحباط لأنه لم يجد له علامة يهتدي بها في خضم الأحداث المؤسفة المتتالية التي يمر بها الوطن العربي الآن، هذا ما أراد الشاعر محمد أبوزيد أن يعبر عنه في أولى رواياته “أثر النبي” والتي جاءت عفوية حسبما يقول، وخلال أحداثها المتعاقبة يطرق البطل العديد من الأبواب عله يجد حلمه الذي يبحث عنه والمتمثل في القومية العربية التي يكتشف في النهاية أنه تم القضاء عليها بمجرد احتلال العراق للكويت، ليصحو الجيل الحالي على هذه الصدمة التي تجعله يتخبط في العديد من الطرق ويبحث لنفسه عن علامة يتبعها أو أثر يتركه لمن يأتي من بعده .

يعمل أبوزيد في مجال الصحافة، وصدر له من قبل خمسة دواوين شعرية هي “ثقب في الهواء بطول قامتي” عام ،2004 و”قوم جلوس حولهم ماء” عام ،2005 “نعناعة مريم” عام 2006 وهو ديوان للأطفال، و”مديح الغابة” عام ،2007 “وطاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء” عام 2008 .

* بداية عّما تعبر فكرة الأثر في الرواية ؟

لبعض يظن أن هذه الفكرة مقصود بها المكان وهو منطقة “أثر النبي”، ولكن ما قصدته هو ما ذكره أحد مشايخ الطرق الصوفية لبطل الرواية بأن الحياة مجرد علامات وأثر، لذلك يجب على الإنسان أن يتبع علامات الذين سبقوه ويمشي على خطاهم، أما الأثر فهو ما يتركه الإنسان لمن يأتي من بعده، بطل الرواية إنسان مهزوم لأنه لم يجد علامات يتبعها، وهي تعبر عن جيلنا الحالي الذي لا يستطيع أن يغير شيئا من واقعه البائس .

* لماذا بدأت الرواية بحدث عصيب وهو غزو العراق للكويت ؟

لأنه حدث محوري ليس في الرواية وحسب بل في حياتنا وتاريخنا الحديث، فغزو العراق للكويت غيّر مجرى الأحداث بالنسبة للمنطقة العربية بأكملها، بل وبالنسبة لهوية الشباب العربي ذاته، فنحن نشأنا، قرأنا، كتبنا، وحلمنا بفكرة الوحدة العربية التي تبلورت مع عبدالناصر عندما حدثت الوحدة، وبرغم أن الانفصال حدث بعد ذلك إلا أن الحلم كان مازال باقياً في ذلك الوقت حتى يأتي يوم من الأيام يمكن أن يتحقق فيه هذا الحلم، ولكن ما حدث بعد ذلك من احتلال للكويت كان بداية الانقسام والشرخ النهائي لكل هذه الأحلام، ولتكتمل المأساة جاءت الطامة الكبرى بعد ذلك من احتلال أمريكا للعراق، وماذا فعلنا نحن؟ جلسنا نشاهد ما يحدث وكأنه يحدث على كوكب آخر أو على شاشة عرض سينمائي، وهنا انتهى حلم القومية العربية .

* استغرقت كتابة الرواية منك 7 سنوات ، لماذا ؟

لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أن أكتب رواية لأنني شاعر وأحب كتاباتي الشعرية، وأستطيع أن أقول شيئا مختلفا من خلال التجربة الشعرية، لكن الرواية جاءت عفوية بعد احتلال أمريكا للعراق، لأنه كان بداخلي العديد من الأشياء التي أردت التعبير عنها خاصة عندما أرى كل هذا الصمت المهين من الأمة العربية وحكامها، كما أن المظاهرات والوقفات الاحتجاجية ليست ذات جدوى فلم يكن أمامي سوى الكتابة وربما بعض أحداث الرواية تدل على هذا .

* ألاحظ أن اللغة التي تكتب بها الرواية هي أقرب للشعر خاصة في الفصل الثاني . هل يعود ذلك إلى كونك شاعرا في الأصل ؟

تجربتي الأساسية شعرية وأبنيها ديوانا وراء الآخر، لذلك تجدها متداخلة تقريباً فبعض شخصيات الرواية مأخوذة من دواويني الشعرية كشخصية أحمد عبدالتواب، وعائشة من ديواني الأول، فبناء هذا العالم بالنسبة لي واحد ومتراكم وبالتالي ألجأ للغة التي أجد أنها أصلح للكتابة .

* قلت في الرواية “البكاء هو الحل الوحيد، أن نغلق على أنفسنا أبوابنا ونبكي” . برأيك هل هذا هو الحل لكل مشكلاتنا ؟

هو ليس حلاً، ولكنه كان كذلك بالنسبة للبطل المهزوم والذي لم يكن أمامه شيء آخر يفعله، فالمظاهرات لا تفيد بشيء وكذلك الإضرابات لا تحرك ساكناً، والاعتصامات ليست ذات جدوى، فماذا يمكن أن يفعل الشعب العربي، سوى أن يغلق على نفسه بابه حتى يموت أو تموت الأسباب الخارجة عن إرادته .

* تستعين كثيراً بمقاطع من السير الشعبية وقصائد المديح في بداية كل فصل . ما دلالتها لديك ؟

هي مدخل لكل فصل جديد لتعريف القارئ به ويمكن أن نعتبرها بديلا للعنوان وهي خروجات مؤقتة للبطل من الحالة التي تسيطر عليه، فهو مكبل بما يحدث حوله، كحالة الصوفية التي تسيطر على البطل لفترة من الوقت ويجد أنها تساعده للهروب من واقعه حيث تتكرر العديد من هذه الأبيات، ولكنه ما يلبث أن يدرك أنها حل مؤقت، فيبحث عن غيرها وهكذا .
* يتداخل لديك الهم الذاتي بالعام فهل ترى أن الاثنين في الأصل متداخلان أو مرتبطان ؟

نعم فأنا جزء من هذا العالم، لذلك لا يوجد ما يسمى بكتابة القصيدة الذاتية التي ينفصل فيها الشاعر عن العالم، وحتى وإن خيل إلينا هذا ما نلبث أن نكتشف أننا بشكل أو بآخر مرتبطون بما حولنا، فعندما تواجهني مشكلة أو أشكو من البطالة فهذا ليس هماً فرديا وإنما هو هم عام ولكنه يبدأ من الخاص .
* البعض يقول إن الرواية هي أقرب للسيرة الذاتية . ما رأيك ؟

أن هذه التجربة مررنا بها جميعا وأعتقد أن كل من سيقرأ الرواية سيشعر بأن هناك بعضا مما يحدث شاهده أو رآه بعينه، أو أن يكون قد مر به في المرحلة الجامعية، فهناك حالة مسيطرة على جيلنا وهي الحنين إلى الماضي كأفلام السبعينيات والثمانينيات، لذلك حاولت أن أعيد صياغة كل هذا وأضعه في الرواية، وربما أيضا لأن الرواية تسرد على لسان الكاتب، ولكني أؤكد أنها بعيدة تماما عن أن تكون مجرد سيرة ذاتية لي .
* تحدثت كثيراً عن الإخوان المسلمين في بداية الرواية لكنك ما لبثت أن تحولت عنهم إلى قضايا أخرى . لماذا ؟

البطل خلال مشواره وطريقه كان يحاول أن يقتص الأثر أو العلامات التي تركها الآخرون حتى يترك أثره في النهاية لمن يأتي من بعده كما فعل الجيل الذي سبقنا، لذلك انضم إلى جماعة “الإخوان المسلمين” وفي نهاية الرواية قابل شخصا من الجماعات الإسلامية الذي أخذ يحدثه عنها، وذهب إلى حلقات الصوفية، ومنها انطلق إلى عالم المثقفين واليسار، لكنه في النهاية لم يجد ذاته في كل ذلك، وهذا انعكاس للواقع وخاصة المشهد السياسي فكله غير حقيقي وعبث وتزييف، فكل الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية الآن هي أبعد ما تكون عن مبادئها الأساسية .
* هل ترى أن كتابة الشعر أصعب من كتابة الرواية أو أنها تحتاج إلى مواصفات خاصة بعكس الرواية ؟

الشعر أصعب في كتابته من الرواية خاصة في هذا الوقت الذي يتجه فيه الجميع إلى الرواية، فلكي تكتب قصيدة تحتل مساحة صفحة عليك أن تصفي اللغة وتختصر فيها طوال الوقت وعليك أن تركز الفكرة التي تريد أن تقولها حتى تصل إلى القارئ .
* ولماذا يظهر أبطال الرواية وكأنهم جيل محبط ؟

لأن هذا هو الواقع وربما تحويله إلى عالم فني يبدو صعباً، لأن بعض الناس سيقولون إن هذا غير حقيقي ولا يوجد جيل بأكمله محبط، ولكن لو تأملنا وجوه الناس في الشارع أو الجالسين على المقاهي، والذين يموتون غرقاً في العبارات هروباً من الفقر والجوع والبطالة فهذا هو حال الجيل، فجيل الستينيات كانت تمر به نكسة سياسية لكنهم كانوا في النهاية يتحلقون حول شخصية الزعيم عبدالناصر، لكن هذا الجيل لا يجد ما يتحلق حوله .

* وهل ترى أن الرواية والشعر لديك هما مشروع واحد يكمل أحدهما الآخر ؟

مشروعي الأساسي هو الشعر لكنني أؤمن بفكرة الكتابة الشاملة، وضد تصنيف الأدباء إلى شاعر وروائي وقاص وغيرها من التصنيفات الأخرى فتاريخنا يشهد بأن الأديب متنوع الإنتاج، فالعقاد على سبيل المثال كان شاعرا وروائيا وناقدا، وكذلك عبدالرحمن الشرقاوي الذي كتب للمسرح والرواية والشعر وغيرهما العديد، والفيصل في هذا يجب أن يكون هل هو جيد أم لا؟


صدام كمال الدين
12/02/2011
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

1 التعليقات: