الشكيبتان... تاريخ حافل بالفن والنجاح والمغامرات والمآسي

تنتميان لأسرة عسكرية من أصل شركسي وعاشتا في القصور




لم يكن لقب الشكيبتان, هو الشيء الوحيد الذي يجمع بين الفنانتين ميمي وزوزو شكيب بل أيضا كونهما أختين احترفتا التمثيل وأصبحتا من الفنانات المشهورات, كانتا منذ طفولتهما تذهبان الى دور السينما خلسة لمشاهدة العروض السينمائية آنذاك مبهورتين بهذه الآلة العجيبة.

ولدت الأختان ميمي وزوزو لأب ينحدر من أصل شركسي يعمل مأمورا لقسم بوليس حلوان, وجدهما كان ضابطا بالجيش في عهد الخديوي اسماعيل, وعاشتا في القصور والسرايات بما جعل لهما طابعاً خاصاً يميز الاسرة الارستقراطية وبعد ان انتقل الوالد الى العمل بالقاهرة حدث تضييق عليهما اكثر لدرجة المنع من الخروج من المنزل عدا التعليم بمدرسة " العائلة المقدسة " ما يؤكد أن مستقبل الفتاتين كان مغايرا تماما لما صارتا عليه.


وكما يقال تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد توفي الوالد وهما دون الثانية عشرة, وكما عادة الأسر المصرية في ذلك الوقت, أن يقوم بتربية أبناء المتوفى أحد أفراد أسرته واقترحت الاسرة لتربية أمينة "ميمي" وزينب "زوزو" عمتهن ولكن الأم رفضت تماما ما أدى لخلاف مع أسرة زوجها انتهى بحرمانها وبنتيها من الميراث, وتضطر للتنقل بين أكثر من عمل حتى تستطيع تربية الفتاتين, وفي هذه الظروف يتقدم فتى أنيق هو شريف باشا ابن شقيقة اسماعيل باشا صدقي لخطبة أمينة والتي توافق وتفرح بهذا الزواج ظنا أنه سيفتح أمامها أبواب الخروج والرحلات وأيضا الذهاب الى السينما, وأيضا الأم وضعت أملا أن هذا الزواج سيساعدها في تخفيف الاعباء عنها ان لم يكن عن طريق مساعدتها ماليا فربما سيجعل عدد أفراد العائلة أقل, وتم الزواج برغم أن شريف باشا يكبر أمينة بنحو 20 عاما.

وما لبثت أمينة أن اكتشفت أنها تزوجت من شخص يشبه والدها كثيرا, بل وأكثر تزمتا منه فحرمها من تحقيق أبسط أحلامها ومنعها من الخروج من المنزل, ليس هذا فقط بل بعد ثلاثة أشهر تزوج من أخرى, وهي حامل في طفلها الأول, ما أصابها بالشلل الموقت فانتقلت الى منزل والدتها حتى تشفى من مرضها, وتكتفي من تحكم الآخرين في حياتها وتصر على الطلاق وهو ما حدث, ومنذ هذه اللحظة تبدأ أمينة في الانطلاق بحياتها ليس لوحدها وانما أيضا معها أختها زوزو لبدء أولى الخطوات نحو طريق الفن والسينما والتي بدأت بالغرام والولع الشديد بارتياد دور العرض, وراحت تتجول بين الأستوديوهات والمراكز الثقافية كجماعة أنصار التمثيل والسينما, فانضمت لها وتدربت فيها على التمثيل.

وقد تعرفتا على المسرحي عمر وصفي الذي لمس موهبة أمينة وساعدها حتى أسست فرقة تمثيلية خاصة وعمل معها زكي رستم وأحمد علام, وكانت أول رواية قدمتها هي "فيوليت" الا أن الفرقة لم يكتب لها الاستمرار, فتوجهت لمسرح الريحاني, وكانت ميمي وأختها زوزو قمة في الدلع والاناقة والجمال, فما ان شاهدهما الرجال العاملون بالفرقة حتى بدأت علامات الاعجاب وعبارات الغزل تطاردهما أينما ذهبتا, وللشهرة بالطبع مذاقها الشهي تذوقته ميمي عندما أحاط بها المعجبون سواء ممن يعملون معها من الفنانين أو الجمهور وشعرت معه بسعادة بالغة.

لم تكن ميمي فقط من انضمت لمسرح الريحاني وانما أختها زوزو أيضا لأنهما كانتا متلازمتين خطوة بخطوة, وشاركت في العديد من المسرحيات منها "حكم قراقوش" و"قسمتي", ولارتباطهما ببعضهما حتى بعد تحقيق كل منهما شهرة كبيرة في مجال التمثيل اسستا شركة انتاج عام 1945 وكانت باكورة انتاجهما فيلم " قلوب دامية" من اخراج حسن عبدالوهاب, وأيضا اشتراكهما في فيلم " سي عمر " مع نجيب الريحاني, وتخصصهما في أدوار الشر في معظم الأفلام.

ارتباط :

زوزو

حياة زينب أو زوزو لم تكن صاخبة مثل أختها أمينة ربما لخلوها من المغامرات العاطفية أو لاهتمامها بأعمالها الفنية فقط, فنجد أنها منذ طفولتها ارتبطت بأختها وليس العكس, فذهابها الى السينما واتجاهها للتمثيل كان بتشجيع من ميمي.

ولدت زينب في 12 ابريل 1909 وبدأت حياتها الفنية على المسرح في دور صغير بمسرحية "الدكتور" ثم التحقت بفرقة الريحاني, وشاركت في العديد من المسرحيات منها "حكم قراقوش" و"قسمتي" كما التحقت فيما بعد بفرقة فؤاد المهندس وقدمت عددا من المسرحيات وكانت قد اشتركت في بروفات مسرحية "انها حقاً عائلة محترمة" ولكنها توفيت قبل أن تعرض ولعبت الدور بدلاً منها الفنانة أمينة رزق.

أما مشوارها السينمائي فبدأته زوزو بدور صغير في فيلم "مبروك" ثم في العام التالي شاركت في فيلم "أنا طبعي كده", لتنطلق وتتوالي بعد ذلك أعمالها السينمائية, وتميزت كما أختها ميمي بتقديم أدوار الشر, والى جانب أدوار المرأة الشريرة تنوعت أدوارها في السينما بين العانس, والحماة.

وربما كانت زوزو شكيب هي أول من قدم أدوار الاغراء في السينما المصرية حيث قالت في حوار لها بمجلة الكواكب عام 1963 : كنت أول ممثلة قامت بهذه الأدوار على الشاشة والواقع أن نجاحي في أدوار الاغراء على المسرح كان سببا في أن يهتم المخرجون السينمائيون بخلق هذه الشخصية في الفيلم العربي, وفي أدوار الاغراء التي مثلتها لم أعتمد على جمالي أو على الملابس المثيرة ان هذا اللون من الأدوار يحتاج الى موهبة في التمثيل ولكنه لا يحتاج مطلقا لاظهار مفاتن الجسم.

وبرغم أدوار الاغراء التي قدمتها الا أنه لم يعرف عنها العلاقات الغرامية وقالت عن زواجها : أنا أسعد زوجة في العالم منذ 22 عاما هي عمر زواجنا, لم تقع بيننا أنا وزوجي حتى الخلافات البسيطة لأننا اتفقنا منذ البداية على أن تقوم حياتنا على الثقة المتبادلة والهدوء والنظام, وكلانا يحرص على توفير أسباب السعادة للآخر وأهمها الحرص على الهدوء وتجنب المشكلات.

وبرغم هذا الزواج المثالي الا أنها كانت ترفض انجاب الأطفال تماما وربما لسبب مفاجأة ذكرته بنفسها في لقاء حيث قالت : أرفض انجاب الأطفال لأنني رقيقة القلب جدا, و لا أطيق رؤية كلبي مريضا فاذا أصابه شيء أطوف به على عيادات البيطريين وأنا أبكي فما بالك اذا كان المريض ابني.

شاركت زوزو شكيب في العديد من المسرحيات, كما التحقت بفرقة فؤاد المهندس وقدمت عددا من المسرحيات وكانت قد اشتركت في بروفات مسرحية "انها حقاً عائلة محترمة", ولكن في فجر يوم 3 مارس عام 1978 أدخلها فؤاد المهندس وشويكار مستشفي العجوزة وهي في حالة سيئة حيث اكتشف الأطباء ضرورة اجراء جراحة عاجلة لها لاستئصال ورم سرطاني, وتمت الجراحة ولكنها لم تشف تماماً.

وفي الساعة التاسعة مساء يوم 15 سبتمبر عام 1978 توفيت الفنانة زوزو شكيب بعد صراع مع المرض دام 8 شهور, وكانت صحتها قد تدهورت قبل الوفاة بثلاثة أيام ولم تكن تفيق من الغيبوبة التي أصابتها الا لطلب الماء أو قراءة بعض آيات القرآن الكريم.

النمرودة :

ميمى

تميزت حياة ميمي بالصخب بل والحظ الأوفر من الشهرة بخلاف أختها زوزو ربما بسبب تجربتها الأولى في الزواج والتي انتهت بالفشل والمرض وطفل وحيد. ولدت أمينة شكيب في 25 ديسمبر من عام 1913, وهي الأخت الصغرى للفنانة زوزو شكيب التي ولدت قبلها بنحو 4 سنوات, ومنذ طفولتها عرفت ميمي بأنها طفلة شقية ونمرودة لا تستجيب بسهولة لتعليمات المدرسين في كل المواد باستثناء الفرنسية والاسبانية, حيث أجادت التحدث باللغتين بفضل والدتها, وتقول عن هذا : كان بيتنا معهد الألسن, أمي تجيد الحديث بعدة لغات هي التركية والايطالية واليونانية والألمانية بالاضافة للاسبانية والفرنسية.

بعد وفاة والدها وزواجها من شريف باشا ثم طلاقها منه بعد أن انجبت ابنها الوحيد, انطلقت الى عالم الفن والمعجبين أيضا ما أدى الى دخولها في عدد من العلاقات العاطفية لعل أبرزها وهي في بداية مشوارها الفني, حين اعجب بها احمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي, وراح يتردد كثيرا على مسرح الريحاني, وهو ما لفت نظر الملكة نازلي والدة الملك فاروق والتي كانت على علاقة عاطفية بحسنين باشا, لذلك طلبت من الريحاني طرد ميمي من فرقته وهو ما نفذه فورا, وانقطعت علاقة الفنانة برئيس الديوان الملكي لأنها لا تستطيع منافسة الملكة على حبه, وكانت المشكلة الكبيرة أنها تعودت على حياة البذخ والاعجاب التي وفرها لها حسنين باشا, لذلك لم تلبث أن ارتبطت عاطفياً مع رجل الأعمال الشهير أحمد عبود باشا الذي أغرقها بالهدايا, لتنتقل من بعده أيضا بين عدد من العشاق لتصبح قصصها وعلاقاتها الغرامية حديث الصحف, ولم تتوقف هذه الأحاديث الا بزواجها الثاني من جمال عزت لكنه لم يستمر طويلا, حيث وقع الانفصال بسبب الغيرة.

وبعد أن اتجهت الى السينما وشاركت في فيلم "ابن الشعب" مع الفنان سراج منير, شعر نحوها بعاطفة شديدة صارحها بها وطلب منها الزواج ولكن أسرتها رفضت لأنها كانت تريد منها العودة لزوجها ووالد طفلها فافترقا سينمائيا وبعد فترة التقيا مرة أخرى في فيلم " الحل الأخير " عام 1937, وكرر سراج الذي لم يفقد الأمل طلبه للمرة الثانية, ولكن اسرته عارضت هذه المرة, فما كان منه الا أن استعان بصديق الأسرة نجيب الريحاني الذي تدخل بعد أن تأكد أن الطرفين مغرمان ببعضهما ولا سبيل الى تفريقهما.

وتزوج العاشقان في الخامس عشر من سبتمبر عام 1942, وعاشا معا 15 عاماً في منتهي السعادة, وجسدا في السينما معا الأدوار الثنائية كزوجين أو حبيبين في أكثر من عمل فني أشهرها, الحل الأخير عام 1937, بيومي أفندي عام 1949, نشالة هانم عام 1953, ابن ذوات, وكلمة الحق عام 1953, ورغم سعادتهما بهذا الزواج الا أن الفرح كما يقال عمره قصير, فتوفي منير بالسكتة القلبية عام 1957 وعمره 56 عاماً, فقررت عدم الارتباط من بعده وركزت بشكل كبير في عملها.

ميمى
ولكنها وجدت نفسها تفتقد الحب والاعجاب اللذين أحاطها بهما زوجها الأخير, فعادت للحياة الصاخبة مرة أخرى عن طريق الحفلات اليومية التي كانت تقيمها في منزلها ويحضرها العديد من الأثرياء المصريين والعرب وكبار المسؤولين بالدولة, بالاضافة لعدد كبير من الفنانات الشابات الجميلات.

واستمر حال الفنانة ميمي على هذا المنوال فترة طويلة, وفي احدى الأمسيات من عام 1974 تم القبض عليها ومن معها بتهمة ادارة منزلها للأعمال المنافية للآداب, وهي القضية التي عرفت باسم قضية " الرقيق الأبيض ", واستمرت التحقيقات معها 170 يوما قضت معظمها في السجن, ورغم برائتها بعد ذلك, الا أنها ظلت تعاني من هذه التهمة الى ما تبقي من حياتها فتوارت عن أضواء الفن, ما تسبب في دخولها مصحة نفسية بضعة أشهر وبعد فترة من ابتعادها عن الساحة الفنية حاول الفنان سمير صبري أن يعيدها الى السينما مرة أخرى عن طريق مشاركتها في فيلم »السلخانة« وكان هذا آخر فيلم لها.

نالت عن دورها في فيلم " دعاء الكروان " جائزة أفضل ممثلة دور ثاني, حيث لعبت دور المرأة التي أغوت هنادي بالذهاب الى المهندس الزراعي "أحمد مظهر " لتقع في الخطيئة, ويُعتبر فيلم الحموات الفاتنات هو أشهر أفلام ميمي شكيب, وبلغ عدد الأفلام التي شاركت بها نحو 160 فيلما سينمائيا, ابتداء بأول أفلامها "ابن الشعب" , ومرورا بسي عمر, ليلي بنت مدارس , شاطئ الغرام, الحموات الفاتنات , الفتوة, دعاء الكروان السمان والخريف, قصر الشوق, البحث عن المتاعب , وانتهاء بفيلم "السلخانة" عام 1982.

النهاية :

ارتبطت الأختان " الشكيبتان " منذ طفولتهما ببعضهما البعض وزاد من اكتئاب ميمي بعد قضية الدعارة التي اتهمت فيها, وفاة أختها زوزو بمرض السرطان حيث رحلت في هدوء وبعيدا عن الصخب.

وبنفس الطريقة التي توفيت بها الفنانة سعاد حسني, كانت وفاة الفنانة ميمي شكيب, حيث تم القاؤها من شرفة شقتها بوسط البلد حادث مأساوي وقع في يوم 20 مايو عام 1983, ولم يعرف القاتل حتى الآن.

 صدام كمال الدين
15/07/2013
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق