![]() |
الدكتورة بسمة عبد العزيز |
ترى بسمة عبد العزيز أن ما كتب بعد الثورة من أدب يتسم بالسطحية وهو فى معظمه أعمال تجارية ، كما أن العديد من الأدباء والفنانيين التشكليين استعجلوا فى احتفالهم وكأنهم يحاولون جنى ثمار الثورة قبل غيرهم ، فالثورة لم تكتمل بعد ، بل مازالت فى بدايتها وأمامنا وقت طويل حتى نعبر بمصر إلى بر الأمان .
بسمة طبيبة ،أديبة، وفنانة تشكيلية..حصلت على ماجستير الأمراض النفسية والعصبية عام 2005 ودبلومة علم الاجتماع عام 2010 ، ولها مجموعتان قصصيتان،ودراسة نفسية،وأقامت عددا من معارض الفن التشكيلي (نحت وتصوير) ، وفازت بعدة جوائز أدبية منها جائزة ساويرس للأدب المصري عام 2008 ، وفاز بحثها عن الشرطة بجائزة مؤسسة أحمد بهاء الدين والذى حمل عنوان " إرهاب الشرطة وإغراء السلطة المطلقة" والذى تناولت من خلاله بالتحليل والتوضيح تاريخ جهاز الشرطة المصرى،لتستنتج أن ما حدث فى السبعينات وأدى إلى انتفاضة 1977 سيتكرر فى عهد مبارك،وهو ما حدث بالفعل حيث قامت ثورة 25 يناير.
* كيف ترين المشهد فى مصر بعد الثورة ؟
أرى أن الثورة لم تنته بعد،وإن اعتبرنا أنها انتهت فلن تكون ثورة بل مجرد مظاهرة كبيرة أسقطت رأس النظام فقط مع استمرار هذا النظام،وأتمنى فى الأيام القادمة أن تكتمل وتحقق أهدافها،أما من ناحية المشهد الثقافى فهناك كتاب وفنانون استعدوا لفرحة الانتصار حيث تصوروا أن الثورة نجحت وأدت ما خرجت من أجله،فخرجوا علينا بكتابات تمجد مشاركاتهم فى الثورة وأحداثها،وكأنه حان وقت جنى الثمار،فالكتابات التى تلت الثورة هى مجرد انفعالات باللحظة الثورية والتى من الممكن أن نطلق تأريخ أو تحليل لأنها تختلف عن كتابة الأدب والذى يستوجب أن يرى المبدع المشهد جيدا مما يلزم أيضا أن يبتعد ويخرج من دائرة هذا المشهد حتى لا يصبح متورطا به بمشاعره فقط .
* هل يعنى هذا أن ما كتب بعد الثورة هو مجرد انفعالات ؟
الأدب عامة هو انفعال فى المقام الأول،بعكس كتابة التاريخ والتى هى مجرد بحث عن المعلومة والحصول عليها وصياغتها،والأدب بدون انفعال يصبح كتابة غير صادقة وكأنها بلا روح لذلك لا تصل إلى الناس،ولكننى لست مع كم الكتب الهائل الذى صدر بعد الثورة لأنه فى معظمه تجاري وكأنه " سبوبة "،فهو سطحى لا يرقى لمستوى الكتب التى نحتفظ بها فى مكتباتنا.
* وبرغم أن المرأة كانت مشارك أساسى بالثورة إلا أننا لم نرى كتابتات نسائية تعبر عن هذه المشاركة ؟
هى قليلة ولكنها ليست معدومة فعلى سبيل المثال شاركت أنا فى كتاب" الخروج فى النور" والصادر عن مركز دراسات نسوية ،وفى مجمله يتحدث عن مشاركة النساء بالثورة حيث يروين شهادتهن قت الثورة فكتبت كل منهن قصتها أو انطباعها،ويضم أيضا مقالات بأقلام نساء عن القضية النسوية يوم 11 نوفبر،كما كان هناك كتابات من رجال عن دور المرأة والذى وجدوه يختلف عما كانوا يتوقعونه منها قبل الثورة،وربما هذا نتيجة لأن المرأة ترى الحدث ثم تتأمله جيدا لتعبر عنه بعد ذلك،وأتوقع فى الأيام القادمة أن يكون هناك العديد من كتابات المرأة التى ستعبر عن مشاركتها بالثورة وأحداثها وأيضا أحلامها وطموحاتها بعد الثورة .
* قلت فى كتاب "إرهاب الشرطة" : الفرض المثالى هو أن يكون لجهاز الشرطة دور الحامى لكل حق والمنتصر لكل مظلوم . وبرأيك لماذا انحرف جهاز الشرطة المصرى عن هذا الطريق ؟
هنال العديد من الأسباب،أهمها السلطة المطلقة التى كانت لدى هذا الجهاز،فعندم يظن رجل الشرطة أنه فوق المحاسبة والقانون ولا تتم معاقبته يجعله هذا يتصرف بعنف حيث لا تحده ضوابط ،أو دستور،أو حقوق إنسان،أو معايير أخلاقية،كما أن أساليب دراسة طالب كلية الشرطة تحضه على العنف طوال الوقت،بداية من السباب وانتهاء بالعنف البدنى،وبعد أن ينتهى من دراسته الأكاديمية يتم تدريبه بأحد أقسام الشرطة حيث يشاهد أمامه تعذيب المساجين دونما سبب اقترفوه،ويترتب على هذا أن ينتهج هو نفس النهج فيمارس تعذيب المتهمين ليصل فى النهاية لدرجة الاستمتاع به،وأيضا أسلوب العمل نفسه سئ حيث يكون مطلوب من كل ضابط مسئول فى آخر العام أن يكون لديه عدد معين من القضايا التى تم الانتهاء منها والقبض على المتهمين بها،وكأنهم فى كلية الشرطة لا يدرسون كيفية عمل تحريات جيدة وضبط المتهمين عن طريق الأدلة مما يضطرهم للقبض على عدد من الأشخاص الأبرياء ووضع أسماءهم على قضايا لم يرتكبوها،ويحصلوا على اعترافهم عن طريق التعذيب الشديد والذى يصل لدرجة قتل المتهم والتخلص منه بالقاءه أمام مركز الشرطة،هذا إلى جانب أن النظام السابق كان يؤيد فكرة العنف والتعذيب حتى يستمر فى موقعه عن طريق قمع الشعب .
* ما ذكرته جيد ، ولكن لا ننكر أن هناك تراكمات منذ الأنظمة السابقة والتى ألقت بظلالها على جميع من يعمل بجهاز الشرطة ؟
أعلم أنه ليس من السهولة تجاوزها أو تخطيها،لذلك يجب أن تكون البداية بكيفية اختيار طالب الشرطة،والمواد التى سيدرسها،وكان هناك اقتراح خلال الأيام الماضية بترشيح خريجى كلية الحقوق ليدرسوا بكلية الشرطة،فهم درسوا المواد الحقوقية ويمكنهم التفرغ لدراسة العلوم الشرطية،البحث الجنائى،جمع الأدلة،وتطبيق مواد حقوق الانسان التى يدرسها الطالب فى كلية الشرطة والتى تتنافى مع التطبيق على أرض الواقع حيث يتم فض الشغب بكل أشكاله ومن بينها التظاهرات والوقفات السلمية وهى ضد حقوق الانسان وحرية الرأى .
* الكتاب صدر مع أولى أيام الثورة، ألم تخش من بطش الشرطة فى ذلك الوقت ؟
صدر الكتاب يوم 27 يناير،وكان من المفترض أن يلحق بمعرض القاهرة للكتاب،وهو عبارة عن بحث فاز بجائزة مؤسسة أحمد بهاء الدين حيث من المفترض أن يطبع على حساب المؤسسة،ولكنه لم يحدث،ومما اضطرنى لعرضه على العديد من دور النشر الخاصة ولكنهم اعتذروا خوفا من النظام الحاكم وقتها،ونصحنى البعض بالذهاب إلى دار صفصافة "وبالفعل طبعته هذه الدار ولحظنا الجيد نحن الاثنان قيام الثورة،ومن شدةخوفى فى أيام الثورة الأولى وتحديدا يوم 27 يناير حرصت على عدم توزيع الكتاب لأننى لم أكن أعرف ما الذى سيحدث بعد ذلك،وفى خاتمة الكتاب قلت أننا نشهد انتفاضة تشبه ما حدث عام 1977 فهل ستتكرر نفس الأحداث مرة أخرى .
* بعد مجموعتين قصصيتين توقفتى عن كتابة القصة . لماذا ؟
لم أتوقف عن كتابة الأدب،حيث أكتب قصص منفردة فى بعض الدوريات الأدبية،ولم أجمعها بعد فى مجموعة واحدة ، واخر مجموعة صدرت لى أواخر عام 2009 ،ومنذ تلك الفترة كنت أعمل على كتاب ارهاب الشرطة .
* فى المجموعتين هناك استغراق منك بتفاصيل الشخصيات . لماذا ؟
ربما يعود هذا لاهتمامى بعلمى النفس والاجتماع ،فنحن لا نستطيع أن نفهم الظواهر الكلية بدون معرفة الظواهر الدقيقة وتفاصيلها،وهو ما ساعدنى فى الوصول للنتائج التى ذكرتها فى كتاب ارهاب الشرطة،كما أن هذه التفاصيل تعطى للموضوع عمقا أكثر .
* فى مجموعة "علشان ربنا يسهل" هناك تركيز شديد منك على الحالات الإنسانية . لماذا ؟
الكتابة لدى تسبق عملى كطبيبة نفسية ودراستى للطب جاءت نتيجة لحبى للفن وكتابة الأدب،ولا أؤيد فكرة الشمولية لأننى أرى أن كل شخصية حالة قائمة بذاتها .
* ما مدى استفادتك أدبيا من دراستك للطب النفسى ؟
استفدت من دراسة علم النفس والذى يوضح لنا كيف تكون النفس البشرية بدون أمراض،وتصرفاتها،وردود فعلها الدفاعية ،وهى تساعدنى على أن أفهم جيدا لأكتب أحسن،وتكون كتاباتى مقنعة أكثر .
* طبيبة ، فنانة تشكيلية ، وأديبة . ألا تجدى أن هذا مرهق بعض الشئ بالنسبة لك ؟
هو مرهق جدا،ولذلك انعكس على انتاجى الأدبى حيث لم يصدر لى مجموعة قصصية منذ عامين،وخلال عملى على كتاب ارهاب الشرطة أقمت معرضين،ولكن كان من الصعب جدا العمل على كتابة أدب لأنه يحتاج لتفرغ بعض الشئ .
لا أفهم معناه،لأننى أرى أننى ناشطة حقوقية ليس أكثر ، كما أننى أرى أن كل الناس بنى أدمين بغض النظر عن اختلافهم النوعى ، فهناك العديد من الرجال كتبوا عن المرأة بوصف عميق ودقيق،وايضا هناك نساء كتبن بضمير الرجل بنفس الدرجة من العمق والدقة .
* لماذا توقفت عن نحت الخشب ؟
بسبب مشكلة صحية حدثت لى بسبب نحت الخشب وهى عبارة عن حساسية شديدة ، وأتمنى أن تزول قريبا ، حيث أعالج منها هذا منذ ما يقارب العام ونصف العام .
* وهل ترى أن الفن التشكيلى صاحب رسالة محددة ؟
لا يوجد شك أنه بداخل أى منتج إبداعى رسالة ما،ولكننى أختلف مع من يدعى أنه قصد تضمين لوحته رسالة معينة حيث قام بتشكيل هذه اللوحة على أساس رسالته،وهى برأى شئ مفتعل،فكل فنان لديه ثقافته ومشروعه الفكرى،ورسالته ستظهر تلقائيا داخل منتجه الفنى لأنها تنبع من داخله كإنسان وليس من خارجه .
* البعض يتساءل ما فائدة المعارض التشكيلية والتى يذهب إليها هم فنانون تشكيليون أو من النخبة ؟
لا توجد فائدة لأن نفس الوجوه تتكرر فى كل المعارض،وكأننا نشاهد أنفسنا فقط،وهى جزء من إنعدام الثقافة الفنية للإنسان المصرى،وحلها أن يتم تربية المتلقى منذ الطفولة على الإحساس بالفن التشكيلى وتذوق الجمال .
* ماذا تكتبين الان ؟
أعمل على مشروع رواية،ولكننى توقفت عنه مؤقتا بسبب الظروف التى تمر بها مصر،فالرواية تختلف عن القصة لأننى يجب أن أعيش ككاتبة فى جوها وأندمج مع أبطالها ، وأتمنى أن أنتهى من كتابتها قريبا .
صدام كمال الدين
18 يناير 2012
0 التعليقات:
إرسال تعليق