يرى الواقع أشد غرابة من خيال الأدباء
![]() |
حمدى الجزار |
تمتاز كتابات الروائى المصري حمدي الجزار بأنها تعبر عن أزمة جيل بحاله، تربى على الخوف من كل أشكال السلطة بداية من الأب وانتهاء بالحاكم، فأدى ذلك إلى بحثه عن مسكنات لهذا الخوف، والتي تظهر واضحة بشدة في كتابات جيل التسعينات، إلا أن الحل برأيه لم يكن في الخوف وإنما في مواجهة وتحدي هذا الخوف، وأدى هذا التحدي إلى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني .
للجزار روايتان سحر أسود، ولذات سرية، ونال جائزة مجلة الصدى للمبدعين الشباب في الرواية ،2004 وحصلت روايته الأولى سحر أسود على جائزة ساويرس للأدب المصري عام ،2005 وهو بصدد كتابة مجموعة قصصية تدور أحداثها في إطار ثورة 25 يناير المصرية .
* قلت في رواية سحر أسود كانت القاهرة تستقبل الألفية الثالثة بوجه عجوز، نحيلة، مريضة، هشة وفقيرة وبعد الثورة هل ما زالت كذلك؟
للجزار روايتان سحر أسود، ولذات سرية، ونال جائزة مجلة الصدى للمبدعين الشباب في الرواية ،2004 وحصلت روايته الأولى سحر أسود على جائزة ساويرس للأدب المصري عام ،2005 وهو بصدد كتابة مجموعة قصصية تدور أحداثها في إطار ثورة 25 يناير المصرية .
* قلت في رواية سحر أسود كانت القاهرة تستقبل الألفية الثالثة بوجه عجوز، نحيلة، مريضة، هشة وفقيرة وبعد الثورة هل ما زالت كذلك؟
التغير الجذري في مصر لم يحدث بعد، ولكن لا شك في أن مشهد القاهرة قبل 25 يناير مختلف تماماً عن المشهد الراهن، لأننا كنا في حالة أشبه بالموات، حيث هناك انهيار على جميع المستويات، وتدني الحالة المعنوية للناس من إحباط ويأس وبطالة وفساد وغيرها، وبعد الثورة حصلنا على قدر كبير من الأمل، وبرغم مرور ثمانية أشهر فقط على الثورة إلا أن المصريين عاشوا انفعالات تكفى لمدة 10 سنوات مقبلة، أما التغير الكبير الذي حدث هو فتح طاقة الأمل بمصر وهو مكسب رائع وكبير، ولدي إيمان كامل بأن الثورة ستنتصر انتصاراً شاملاً، وستحقق كل أهدافها لأن المصريين لن يعودوا إلى اليأس والإحباط مرة أخرى، فآفاق الأمل انفتحت أمامهم وهذا ما سيحدث تغيراً في الحياة كلها، وإن لم نلمسه الآن بشكل كبير إلا أنه موجود وراسخ ونتائجه ستتحقق على المدى الطويل .
* ما رأيك في مقولة إن الثورات تعطل الإنتاج الأدبي؟
الثورات تبدأ التاريخ الأدبي، فالأدب الذي كتب قبل 25 يناير سوف يعاد قراءته من منظور ما حدث في 25 يناير، وما كتب وسيكتب بعد الثورة سيفتح عهداً أدبياً جديداً، لأن الدراسات الأدبية سيكون بها ما قبل 25 يناير وما بعدها، وبرأيي أن الثورة المصرية هي ميلاد لعهد أدبي وفكري جديد، فهناك الكثير من المقولات والمواقف قد سقطت، كما أن هناك العديد من الكتاب الذين سيذهبون إلى مزبلة التاريخ لأنهم لم يكونوا معبرين عن الواقع المصري وحياة الناس الحقيقية، ليس هذا وحسب وإنما سيصعد نجوم آخرون، وسيكون لدينا فكر وتاريخ جديد .
* وبرأيك أي الأشكال الأدبية ستكون معبرة أكثر عن الثورة؟
ثمانية أشهر في تاريخ أمة فترة قليلة جداً لا تساوي في حياة الإنسان مجموعة دقائق أو ثوان، فالتعبير الأدبي عن الثورة لن ينضج قبل مرور مزيد من الوقت، ولكن خلال الفترة الماضية أهم شكل أدبي استطاع أن يعبر عن روح الثورة المصرية هو الشهادة سواء الشفاهية، وما كتب على الفيس بوك والمدونات، وما كتبه بعض الأدباء في كتب كإبراهيم عبدالمجيد في كتابه لكل أرض ميلاد، أو الكتب التي ترصد مجموعة الأحداث التي حدثت خلال فترة ال18 يوماً الأولى من الثورة، ولا تعتبر هذه الكتابات أدباً وإنما مجرد توثيق، وأيضاً القصيدة كشعر حسن طلب، وأحمد عبدالمعطي حجازي، أما التعبير الأكبر فلم يأت بعد، لذلك كتبت مجموعة من القصص القصيرة بعنوان ثورتنا وهي في حجم الكفين ونشر منها العديد في الدوريات الأدبية، وكنت بدأت كتابتها يوم 29يناير، وأطمح أن يكون هذا التعبير الأدبي الأول عن الثورة .
* ولكن البعض يقول إن ما كتب بعد الثورة مباشرة ليس بأدب وإنما هو مجرد انفعالات؟
الاختلاف في القيمة الأدبية وارد جداً، فإبداعية الكاتب ليست في اختياره للموضوع، وإنما في طريقة معالجته له والصيغة الأدبية التي استخدمها، والشكل الفني الذي اختاره وقدرته على التعبير، ومميزاته الخاصة التي يستخدمها ويعبر عنها، ولكن لا شك في أن الثورة موضوع الساعة وسيظل لعقود مقبلة موضوعاً أدبياً شديد الجاذبية يحتاج إلى التأمل والإبداع، وسيصنع فنانين عظاماً وكتاباً كباراً .
* نلاحظ أن أشخاص الروايتين لديك قليلون لماذا؟
كلما كان عدد شخصيات الكاتب على قدر الموضوع والحبكة الفنية كان لديك فرصة أكبر للتوصل إلى أعماق شخصياتك وتقديم معنى عميق للعمل، فرواية لذات سرية تعتبر رواية ملحمية بعدد شخصياتها الكثيرة، فهي تكاد تكون سيرة جيل بحاله .
* شخصية جمعة في رواية سحر أسود ألا ترى أن قتله لرجل لا يعرفه غريب بعض الشيء، والأجدر به أن يقتل صاحب العمل الذي سخر منه؟
الحقيقة أن ما يحدث في الواقع هو أشد غرابة من خيال الأديب، وما حدث لجمعة تحديداً استلهمته من حادثة، وهو شاب حقيقي كان يعيش في منطقة السيدة زينب في القاهرة، ويعمل في محل كشري وتخرج في كلية العلوم، وقتل رجلاً عجوزاً لا يعرفه، فلماذا ظهرت في الرواية وكأن هذا حدث غريب عن الواقع؟ الواقع وشخصياته هي مصدر الإلهام الحقيقي لي ككاتب وأديب .
* استخدمت في رواية لذات سرية ما يشبه بناء المتتالية في بعض الفصول لماذا؟
لذات سرية مقسمة إلى أربعة أقسام، الأول تطور يكاد يكون في خط زمن واضح يبدأ من المغرب، وينتهي صباح اليوم التالي، والجزء الثاني يعتبر فلاش باك لما حدث في أوائل حياة البطل منذ أن كان طالباً في الثانوية العامة، أما في الجزء الثالث فأعود لأبدأ من حيث انتهيت مع إفاقة البطل من غيبوبته، ثم الخاتمة القصيرة، وزمن الرواية لا يتجاوز سبعة أيام، والرواية تعمل على مفهوم الزمن وكيف يتعامل الروائي مع الزمن بوصفه مفهوماً روائياً .
* ولماذا يسيطر الخوف على أبطال رواياتك؟
الخوف هو الموضوع الأساسي لرواية لذات سرية، وهو ذلك الخوف الرابض الذي تعلمناه منذ أن كنا أطفالاً، والخوف من الأب والأم والمدرس، والخوف من السلطة الاجتماعية والجامعة والحاكم، وبها تكثيف شديد للسلطة في مختلف أشكالها ومظاهرها .
عملت على هذه الرواية لمدة ثلاث سنوات، وأعتبر أنها حررتني شخصياً من الخوف، وثورة 25 يناير حدثت لأن الناس تحررت من الخوف، وبالنسبة إلي كان من المهم تناول هذا الموضوع في ذلك الوقت عام ،2008 على المستويين الشخصي والعام، وبرأيي أن هذا المجتمع تم تخريبه عبر إساءة استخدام السلطة وترويع الناس، ليعيشوا خائفين طوال الوقت، وحاولت أن أخلص نفسي بشكل فردى، وأيضاً أخلص القارئ والآخرين منه، وأنا الآن فخور بأنه كان لدي الحق في تناول هذا الموضوع .
* وهل لذلك تركز على الشخصيات المشوهة داخلياً؟
ليست مشوهة داخلياً، فلو لاحظت في الرواية هناك حلول كثيرة كانت مطروحة للشخصيات، حيث تبدو في ربيع الحاج واختياراته، وحارث واختياره الهجرة، وحسين الذي يلجأ للتطرف الديني برغم أن حياته كانت مختلفة في البداية، فهي رحلة جيل عن طريق شخصيات مختلفة، وكل منهم يحاول الخلاص بنفسه وذاته بطريقة أو أخرى، لذلك نجد أن كل الحلول لم تحقق لأي منهم تحققه الذاتي أو إشباعه، لأن الخراب في الواقع ذاته وليس فيهم .
* ما رأيك في مقولة إن الثورات تعطل الإنتاج الأدبي؟
الثورات تبدأ التاريخ الأدبي، فالأدب الذي كتب قبل 25 يناير سوف يعاد قراءته من منظور ما حدث في 25 يناير، وما كتب وسيكتب بعد الثورة سيفتح عهداً أدبياً جديداً، لأن الدراسات الأدبية سيكون بها ما قبل 25 يناير وما بعدها، وبرأيي أن الثورة المصرية هي ميلاد لعهد أدبي وفكري جديد، فهناك الكثير من المقولات والمواقف قد سقطت، كما أن هناك العديد من الكتاب الذين سيذهبون إلى مزبلة التاريخ لأنهم لم يكونوا معبرين عن الواقع المصري وحياة الناس الحقيقية، ليس هذا وحسب وإنما سيصعد نجوم آخرون، وسيكون لدينا فكر وتاريخ جديد .
* وبرأيك أي الأشكال الأدبية ستكون معبرة أكثر عن الثورة؟
ثمانية أشهر في تاريخ أمة فترة قليلة جداً لا تساوي في حياة الإنسان مجموعة دقائق أو ثوان، فالتعبير الأدبي عن الثورة لن ينضج قبل مرور مزيد من الوقت، ولكن خلال الفترة الماضية أهم شكل أدبي استطاع أن يعبر عن روح الثورة المصرية هو الشهادة سواء الشفاهية، وما كتب على الفيس بوك والمدونات، وما كتبه بعض الأدباء في كتب كإبراهيم عبدالمجيد في كتابه لكل أرض ميلاد، أو الكتب التي ترصد مجموعة الأحداث التي حدثت خلال فترة ال18 يوماً الأولى من الثورة، ولا تعتبر هذه الكتابات أدباً وإنما مجرد توثيق، وأيضاً القصيدة كشعر حسن طلب، وأحمد عبدالمعطي حجازي، أما التعبير الأكبر فلم يأت بعد، لذلك كتبت مجموعة من القصص القصيرة بعنوان ثورتنا وهي في حجم الكفين ونشر منها العديد في الدوريات الأدبية، وكنت بدأت كتابتها يوم 29يناير، وأطمح أن يكون هذا التعبير الأدبي الأول عن الثورة .
* ولكن البعض يقول إن ما كتب بعد الثورة مباشرة ليس بأدب وإنما هو مجرد انفعالات؟
الاختلاف في القيمة الأدبية وارد جداً، فإبداعية الكاتب ليست في اختياره للموضوع، وإنما في طريقة معالجته له والصيغة الأدبية التي استخدمها، والشكل الفني الذي اختاره وقدرته على التعبير، ومميزاته الخاصة التي يستخدمها ويعبر عنها، ولكن لا شك في أن الثورة موضوع الساعة وسيظل لعقود مقبلة موضوعاً أدبياً شديد الجاذبية يحتاج إلى التأمل والإبداع، وسيصنع فنانين عظاماً وكتاباً كباراً .
* نلاحظ أن أشخاص الروايتين لديك قليلون لماذا؟
كلما كان عدد شخصيات الكاتب على قدر الموضوع والحبكة الفنية كان لديك فرصة أكبر للتوصل إلى أعماق شخصياتك وتقديم معنى عميق للعمل، فرواية لذات سرية تعتبر رواية ملحمية بعدد شخصياتها الكثيرة، فهي تكاد تكون سيرة جيل بحاله .
* شخصية جمعة في رواية سحر أسود ألا ترى أن قتله لرجل لا يعرفه غريب بعض الشيء، والأجدر به أن يقتل صاحب العمل الذي سخر منه؟
الحقيقة أن ما يحدث في الواقع هو أشد غرابة من خيال الأديب، وما حدث لجمعة تحديداً استلهمته من حادثة، وهو شاب حقيقي كان يعيش في منطقة السيدة زينب في القاهرة، ويعمل في محل كشري وتخرج في كلية العلوم، وقتل رجلاً عجوزاً لا يعرفه، فلماذا ظهرت في الرواية وكأن هذا حدث غريب عن الواقع؟ الواقع وشخصياته هي مصدر الإلهام الحقيقي لي ككاتب وأديب .
* استخدمت في رواية لذات سرية ما يشبه بناء المتتالية في بعض الفصول لماذا؟
لذات سرية مقسمة إلى أربعة أقسام، الأول تطور يكاد يكون في خط زمن واضح يبدأ من المغرب، وينتهي صباح اليوم التالي، والجزء الثاني يعتبر فلاش باك لما حدث في أوائل حياة البطل منذ أن كان طالباً في الثانوية العامة، أما في الجزء الثالث فأعود لأبدأ من حيث انتهيت مع إفاقة البطل من غيبوبته، ثم الخاتمة القصيرة، وزمن الرواية لا يتجاوز سبعة أيام، والرواية تعمل على مفهوم الزمن وكيف يتعامل الروائي مع الزمن بوصفه مفهوماً روائياً .
* ولماذا يسيطر الخوف على أبطال رواياتك؟
الخوف هو الموضوع الأساسي لرواية لذات سرية، وهو ذلك الخوف الرابض الذي تعلمناه منذ أن كنا أطفالاً، والخوف من الأب والأم والمدرس، والخوف من السلطة الاجتماعية والجامعة والحاكم، وبها تكثيف شديد للسلطة في مختلف أشكالها ومظاهرها .
عملت على هذه الرواية لمدة ثلاث سنوات، وأعتبر أنها حررتني شخصياً من الخوف، وثورة 25 يناير حدثت لأن الناس تحررت من الخوف، وبالنسبة إلي كان من المهم تناول هذا الموضوع في ذلك الوقت عام ،2008 على المستويين الشخصي والعام، وبرأيي أن هذا المجتمع تم تخريبه عبر إساءة استخدام السلطة وترويع الناس، ليعيشوا خائفين طوال الوقت، وحاولت أن أخلص نفسي بشكل فردى، وأيضاً أخلص القارئ والآخرين منه، وأنا الآن فخور بأنه كان لدي الحق في تناول هذا الموضوع .
* وهل لذلك تركز على الشخصيات المشوهة داخلياً؟
ليست مشوهة داخلياً، فلو لاحظت في الرواية هناك حلول كثيرة كانت مطروحة للشخصيات، حيث تبدو في ربيع الحاج واختياراته، وحارث واختياره الهجرة، وحسين الذي يلجأ للتطرف الديني برغم أن حياته كانت مختلفة في البداية، فهي رحلة جيل عن طريق شخصيات مختلفة، وكل منهم يحاول الخلاص بنفسه وذاته بطريقة أو أخرى، لذلك نجد أن كل الحلول لم تحقق لأي منهم تحققه الذاتي أو إشباعه، لأن الخراب في الواقع ذاته وليس فيهم .
صدام كمال الدين
28/10/2011
0 التعليقات:
إرسال تعليق