د. يوسف زيدان: التاريخ الرسمى به الكثير من الغلط



الدكتور يوسف زيدان
لم يكتف الدكتور يوسف زيدان بكونه أحد أبرز الباحثين فى مجال المخطوطات التراثية وإنما أيضا أديب بارز ومتميز فى هذا المجال لتفوز روايته " عزازيل " بجائزة البوكر العربية ويثار حولها الخلاف والغضب والذى ما زالت أصداؤه تترد حتى الآن ، ولم يكتف بهذا فقط وإنما دلل على أنه يبحث عما يثرى التاريخ ويفيد الإنسانية جمعاء بغض النظر عما يمكن أن يصيبه شخصيا جراء هذا ليخرج لنا بكتابه اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى لتنقلب الدين عليه أكثر يهاجمه العديدون من رجال الدين لما ورد فى هذا الكتاب من مناقشته لأصول الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية، ولم تهدأ الأجواء بعد ليفاجئنا بأنه قريبا ستصدر له رواية جديدة بعنوان " النبطى " والتى تتحدث عن العشرون عاما السابقة للفتح الإسلامى لمصر . 


د. يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، وباحث ومفكر مصري متخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه،وله العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي ،ويتمثل إسهام يوسف زيدان النقدي بجلاء في مؤلفه "ملتقى البحرين" الذي يبسط فيه رؤيته النقدية لأعمال معاصريه من أمثال الروائي جمال الغيطاني،أما أعماله الأدبية فتتمثل فى روايتيه "ظل الأفعى" المنشورة في سلسلة روايات الهلال،و"عزازيل" التي فازت بجائزة البوكرلأفضل رواية عربية لعام 2009،وقد طبع من رواية عزازيل منذ وقت صدورها وحتى الآن 19 طبعة متتالية .

* ماذا عن روايتك الجديدة النبطى ، ماهى معالمها ؟

هى رواية تاريخية تلقى أضواء قوية على واقعنا المعاصر، تدور أحداثها فى العشرين سنة التى سبقت فتح مصر، وتحكى مقدمات (الفتح) من خلال سيرة حياة بطلة الرواية (مارية) التى تزوَّجها تاجر نبطى، وأقام بها فى مضارب الأنباط الواقعة اليوم بجنوب الأردن، فى الناحية المسماة البتراء الصغيرة ،وفى الرواية ثلاث شخوص فعلية من التاريخ، تظهر فى مشاهد قصيرة، هى شخصيات: حاطب بن أبى بلتعة، عمرو بن العاص، ريطة (رائطة) زوجة ابن العاص،أما بقية الشخصيات فهى خيالية، وإن كانت مطابقة فى ملامحها العامة لطبيعة أهل ذاك الزمان وأحوالهم.

* ما الذى يعنيه لفظ النبطى؟

الأنباط جماعة من العرب، عاشت فى المنطقة الممتدة بين جنوب العراق إلى دلتا النيل، وكانت لهم من قبل مجىء الإسلام بقرون ممالك قوية وملوك كبار مثل الحارث الثانى الذى بنى (البتراء) أو بالأحرى حفرها فى الجبال.
* العديد من الناس يعتقد أن عزازيل هى مخطوطة حقيقية عثرت عليها ومن ثم حولتها إلى رواية، فهل هى كذلك بالفعل أم أنها مجرد رواية أدبية من بنات أفكارك ؟

هى بالطبع رواية الذين اعتقدوا غير ذلك، كانوا ممن لا خبرة لهم بالأعمال الروائية التاريخية، التى يعتمد كثير منها على (الإيهام) لإدخال القارئ فى النص الأدبى بحيلة فنية معروفة. وهو ما نراه واضحاً فى أعمال روائية عالمية ذات شهرة واسعة، مثل رواية (دون كيشوت) لسربانتس، ورواية (اسم الوردة) لإمبرتو إكو، ورواية (الزينى بركات) لجمال الغيطانى.
* من يقرأ رواية عزازيل ومن بعدها كتاب اللاهوت العربى يشعر أنك تريد أن تقول إن الديانة المسيحية تأسست على العنف وليس السلام والمحبة كما يقول المسيحيون ؟

هناك فارق كبير بين الدين والتدين، فالأديان كلها تدعو إلى المحبة والسلام، ولكن بعض المستفيدين من الدين فى الدنيا، المستغلين إيمان البسطاء، يوجهون النص الدينى بحسب ما يوافق أهواءهم، ويزعمون أنهم الناطقون باسم الإله فى الأرض، فتدفعهم أطماعهم الدنيوية إلى ممارسة العنف المقدس، الذى أراه أعتى أنواع العنف الإنسانى.
* وهل كان كتاب اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى تبريراً لما جاء فى روايتك عزازيل ؟

ما معنى "تبرير" وما المقصود بذلك؟ عزازيل رواية تدور أحداثها فى الأربعين سنة الممتدة من عام 391 إلى العام 431 ميلادية، وهى تنطلق من نزعةٍ إنسانيةٍ تنتصر للوجود الإنسانى الضائع المفقود فى خضم الصراعات الدينية. ولأنها "رواية" ففيها عنايةٌ كبيرة باللغة (العربية طبعاً) وسعىٌ دءوب لنفض الغبار عن هذه اللغة وإعادة النصوع إليها.

أما "اللاهوت العربى" فهو بحث تاريخى موثق فى اتصال الأديان الثلاثة (اليهودية، المسيحية، الإسلام) التى أراها فى واقع الأمر ديناً واحداً اتخذ صفة "الرسالية" لكن الظروف الإنسانية المتعاقبة، المختلفة، أدت إلى تلوين كل دين وتأويل نصوصه وتوجيهها إلى وجهات تناسب أصحاب المصالح المؤقتة.
* "لم يوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة "ألا ترى أن هذه الإشارة التى بدأت بها كتابك (اللاهوت العربى) قد يجدها القارئ غريبة بعض الشىء؟

هى مجرد تنويه بأن الكتاب ليس مسلياً، بمعنى أنه لا يقدم للناس (حدوتة) أو تصورات جاهزة بل هو دعوة للتفكير، ومحاولة لإشراك القارئ مع المؤلف فى النظر إلى هذه الموضوعات التى تبدو للوهلة الأولى (نظرية) ومجردة، لكنه يكتشف فى أواخر الكتاب أنها (واقعية) جداً، وفاعلة فى الحاضر المعيش.
* ولماذا ترفض ما يسمى بعلم مقارنة الأديان؟

لأن الذى يقوم بمقارنة الأديان، يفعل ذلك عادة من واقع انتمائه الدينى، ويفترض أن الأديان (الثلاثة) مختلفة فيما بينها. فضلاً عن أن كثيراً ممن يقارنون بين الأديان لا يراعون (اللغة) التى كُتبت بها أصلاً النصوص الدينية، فيقرأون "التوراة" بغير العبرية، و"الإنجيل" بغير اللغة الآرامية التى كان السيد المسيح يتكلم بها.

* البعض يقول لماذا نتعب أنفسنا ونهتم بالماضى، أليس الأجدر بنا أن نهتم بالحاضر ونحاول أن نجد حلولاً لمشكلاتنا الكثيرة . ما رأيك ؟

لا يمكن فهم الحاضر والتعامل الرشيد معه، من دون الرجوع إلى الجذور والنظر فى تطوير الظواهر الاجتماعية والفكرية والعقائدية وإلا صار تعاملنا مع (الحاضر) تعاملاً ساذجاً.

* ذكرت أكثر من مرة أن دورك ينحصر فى ترميم الذاكرة. فهل تعنى بهذا أن ذاكرتنا شاخت وحدث بها العديد من الشروخ؛ الأمر الذى يتطلب ترميمها؟ وهل تاريخنا المكتوب فى معظمه مغلوط ؟

الذاكرة لا تشيخ، وإنما تضعف وتقوى بحسب حرصنا على الفهم، وفى التاريخ (الرسمى) كثير من النقاط المغلوطة التى تعوق فهم الماضى والحاضر، وبشكل عام فإن بحثى فى التاريخ ليس ترفاً ذهنياً بقدر ما هو إعمال للعقل فى الخبر التاريخى، عملاً بنصيحة ابن خلدون الشهيرة " ينبغى علينا إعمال العقل فى الخبر".
* وقلت إنك تحاول ترسيخ معالم منهج تفكيرى جديد، ماهى ملامح هذا المنهج ؟

أول ملمح هو (النقدية) وعدم قبول الأقوال على عهدة قائليها، والملمح الثانى هو (التدقيق) وعدم أخذ الوقائع على قاعدة الوهم والاستسهال، والملمح الثالث هو النظر إلى التاريخى والواقعى باعتبارهما متصلين، ولهذه الملامح العامة تفاصيل يضيق المقام هنا عن شرحها وبيانها بالتفصيل، ولكن المهم أن نشير إلى ضرورة التعامل مع (الماضى) باعتباره مقدمةً للحاضر ومؤشراً للمستقبل.

* تحدثت كثيرا عن أنه لا يمكن فصل الدين عن السياسة ورغم ذلك نجحت بعض الدول العلمانية فى هذا ؟

هذه الدول التى تشير إليها اتخذت موقفاً عدائياً من الدين، هى لم تفصل بين الدين والدولة، لكنها جعلت "الدولة" ضد "الدين" مثلما حدث فى تجربة الاتحاد السوفيتى، وتجربة العلمانية فى تركيا.، والرفض موقف، مثلما القبول موقف مضاد. وسواء كان ذلك الموقف أو ذاك هو الأساس الذى تقوم عليه العملية السياسية، فإنه يثبت فى النهاية أن الدين والدولة مرتبطان إيجاباً أو سلباً. لأن (الدين) لا يقوم ولا يستمر إلا فى إطار الجماعة، وكذلك (الدولة) ، ولذلك لا يمكن فصم أحدهما عن الآخر، إلا ذهنياً. أما فى الواقع الفعلى، فلا بد من وجود مواقف تفاعلية بينهما، سلباً أو إيجاباً.

* لديك اعتراض على العديد من المسميات كإطلاق صفة الفرعونية على مصر القديمة ، والهيروغليفية ، والقبطية وغيرها . لماذا ؟

لأنها تسميات غير دقيقة، فالفرعونية مشتقة من "الفرعون" الذى هو النطق العربى للكلمة المصرية القديمة (بر – عو) أى البيت الكبير، وقد سُمى الملوك القدماء فى مصر بذلك، لأنهم بالمعنى الفعلى يسكنون (البيت الكبير) وبالمعنى المجازى لأنهم يديرون البلاد التى هى (البيت الكبير) للمواطنين، وفى تاريخ مصر القديمة فترات طويلة تصل إلى عدة قرون، لم يكن هناك (فرعون) لأن البلاد كانت محتلة من الفرس، أو لأن هذه الأسرة الحاكمة انهارت ولم تقم بعد فى مكانها أسرة أخرى. فكيف نعمِّم الأمر على تاريخ شعب ونختصره فى تاريخ الملوك.

أما ما يسمى (اللغة القبطية) فهو حق يراد به باطل. لأن لفظ (القبطية) هو المقابل العربى للتسمية اليونانية لمصر (إجبتوس) وبالتالى، فالكلمة لا تشير إلى لغة معينة أو ديانة. وقد كان المصريون أنفسهم، قديماً، يسمون بلادهم (كيمى) وبالتالى، فلا معنى لاعتبار أن "القبطية" هى لغة أو مذهب دينى حسبما يحاول البعض اليوم أن يدلِّس بذلك على المعاصرين، سعياً لأغراضٍ هى على أفضل تقدير: أغراض دنيوية ،واللغة فى نهاية الأمر، ترسم العالم بالمفردات. فإذا لم ندقق فى الألفاظ والمفردات التى نستعملها، تكون صورة العالم فى أذهاننا غير دقيقة: وباطلة.


صدام كمال الدين
10 نوفمبر 2010
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق