أنشأنا أول دبلومة فى العالم لعلوم الموسيقى الفرعونية
![]() |
الدكتور خيرى الملط |
ورغم ندرة الأبحاث والدراسات العلمية عن بالموسيقى الفرعونية إلا أن الدكتور خيرى الملط استطاع تأسيس مشروع قومى وقسم خاص بالموسيقى الفرعونية بكلية التربية الموسيقية ، ولم يكن المشوار سهلا فواجهته والمشاركين معه بالمشروع من خريجى " دبلومة " الموسيقى الفرعونية صعوبات عديدة لعل أخطرها العراقيل الصهيونية فى الخارج اثناء عرض المشروع بالدول الأوربية إلا أنه استطاع قهرها وتخطيها والخروج بالمشروع إلى النور .
بداية سألناه عن رحلة إستنساخ وتصنيع الآلات الموسيقية الفرعونية فقال: رحلة استنساخ الالات الموسيقية المصرية القديمة الموجودة بالمتاحف كانت طويلة وشاقة جدا لاننا كنا نبحث عن المجهول ، فالمشروع لا يقوم على الموسيقى فقط بل سبعة تخصصات أخرى منها الاجتماع والانثروبولوجيا ، والتصميم الصناعى لتصنيع الآلة ، فكر المجتمع ووضع الموسيقى فى المجتمع أنذاك ، ومواد فلسفة ، وموسيقى العصور القديمة ومدى تأثير والحضارات الاخرى مثل الرومان والاغريق والفرس والنوبيين والليبيين على الموسيقى الفرعونية ،ورغم هذا الاحتكاك إلا أن الكهنة استطاعوا الحفاظ على لون وطابع الجملة الموسيقية المصرية القديمة لأنها لم تكن موسيقى طربية بل كانت موسيقى طقسية لخدمة العقيدة.
وبدأت التفكير فى تصنيع آلة عندما رأيت فى متحف برلين عام 2000 نموذجين أصليين من العود الكمثرى بحجمين مختلفين وأخذنا المقاسات مع الدكتور الالمانى ريكاردو وبدأنا محاولات التصنيع ، أما نوع الخشب فكان موجانى أو مهاجونى والتصنيع تم بمصر حيث أتينا بصانع عود مصرى عادى وأفهمته ماذا أريد منه أن يفعل وجلبنا الصندوق الرنان للعود الكمثرى قطعة واحدة ووضعنا عليه بترونات بعد أن ألصقناها بالخشب وبدأنا الحفر لعمل تقعر العود أو الصندوق الرنان ،ولكن حدث شئ غريب ففى المتحف كنت قد رأيت رقبة العود " معوجة " وكنوع من السذاجة تصورت أنها أصلا هكذا ولكن بعد التصنيع رأيت أنها أعوجت بفعل عوامل الزمن ،فأضطررنا إلى إعادة صنعها من جديد، أما الجلد والأوتار والتى كانت من أمعاء الحيوانات من المانيا وكانت هدية من ريكاردوا الذى ارسل لنا أيضا مجموعة من الاوتار بأحجام مختلفة للعود ، وبعد عدة محاولات لضبط صوت العود توصلنا إلى صوت العود الكمثرى ومن خلال منظر العود على الجدارية نستطيع تحديد عدد أوتار العود من الشراشيب ، واستطعنا أن نضع الحان لنص هيروغليفى عمره ثلاثة آلاف عام .
* وماذا عن عمرو سلامة ، وفتحى صالح ،وعبد الحليم نور الدين والراحل محمود عفت ؟
عندما طرقت باب الدكتور عبد الحليم لم يكن أحد سمع عنى أو عن مشروعى ورغم ذلك وقف بجانبى وساندنى ، وقال لى " أهلا بك لنكسر الجمود الذى يسود الجامعة بظهور فرع جديد من الآثار المصرية القديمة " وواجه الاداريين فى الجامعة مواجهة شرسة لتأخيرهم البدأ فى العمل بالمشروع، وأثناء المؤتمر الذى شاركت به فى جامعة القاهرة ذكرت أننى أحتاج لشباب يشارك معى فى المشروع ويكون تخصصهم فى الآثار والانثروبولوجيا وبمجرد أن أنتهى المؤتمر فوجئت بالكثيرين يطلبوا منى الانضمام للمشروع منهم على حسب ما أذكر سعد بركة مدير معهد الدراسات الافريقية ، والدكتور صلاح الخولى ،وسهير المرشدى .
أما محمود عفت فللاسف الشديد كان قد توفى فى ذلك الوقت فأحتميت بالدكتور فتحى صالح والذى شارك معنا فى المؤتمر ببحثه ، وأيضا كنت أعتمد على جزئية بداخل الدكتور عمرو سلامة فوالدته أستاذ إيجيبوكولوجى فى الكونسفتيلوجى وهذا بمثابة المرجع العلمى وبالفعل وجدته واقفا معى قلبا وقالبا وأثناءها كان نائب رئيس ا لجامعة .
* وماذا عن دبلومة الموسيقى الفرعونية ؟
تم انشاء أول دبلومة فى العالم فى علوم الموسيقى الفرعونية ، وهذه السنة الرابعة لنا ويدرس بها 9 طلاب ،وليس لدينا شروط للالتحاق بالقسم ونقبل كل التخصصات من جميع المجالات وكل من هو حاصل على درجة البكالوريوس أوالليسانس ، ومن ضمن المواد التى يتم تدريسها للطلبة اللغة المصرية القديمة ، والتأليف الموسيقى المستلهم ، وبعد دراسة عادات وتقاليد الشخصية المصرية لأن الفنون انعكاس لطبائع الشعوب ، من هذا المنطلق احاول ان اجعل الطلاب يدرسوا المجتمع وطبيعته وشخصيته والهوية المصرية لأنها ممتدة فى حياتنا اليومية ،وفى اكثر من مظهر ومجال نجد هذا التواصل ، ثم يدرس ما توصلنا اليه من سلالم موسيقية من خلال الألات التى صنعناها والنصوص التى أخذناها من اللغة المصرية القديمة ، فالتراث الادبى فى مصر القديمة غنى جدا بالنصوص الدينية والغزل العفيف والصريح ،والمدرسين ينطقوا الكلمات والطلاب يسجلوها كى يعيشوا الصوت وحركات نطق الحروف الساكنة والمتحركة ، وبعد التعود على القراءة بطريقة جيدة نحاول أن نجعل الدارس يضع لحن للكلمات ثم نعدل ونضيف اليه وفى النهاية نقول ان هذا لحن فلان ، ومن خلال تجاربى طوال السنوات الخمس الماضية وجدت طلاب غير خريجى التربية الموسيقية أو الموسيقى عامة كانوا نابغة كباحثين وكدارسين ، ومنهم خريج حقوق عمل أبحاث عظيمة جدا ويشارك بفاعلية كعازف ومنشد اغانى نوبية مبنية على السلم الخماسى وهو اصلا من اسوان ويعزف على الطنبورة المصرية القديمة ، واخر مهندس كمبيوتر مؤلف وملحن وموزع وعازف ومنشد هيروغليفى ، ومن الاسكندرية خريج تجارة ايضا ، ومدة الدراس سنة " فصلين دراسيين " ونحضر لمرحلة الماجستير لكل المجموعة التى تخرجت منذ عام 2007 وحتى الان ، وبمجرد اعتماد لائحة الماجستير سينضموا جميعم ويدخلوا هذه المرحلة .
* وما الألات الجديدة التى قمتم بتصنيعها ؟
قمنا بتصنيع الة هارب جديدة وادخلنا عليها بعض التعديلات ، ونصنع من كل الة نسختين احداهما تشبه الاصل من اجل المتحف ، والاخرى ادخل عليها بعض التعديلات الطفيفة جدا لتساعدنى كألة تؤدى دور فى الفرقة الموسيقية وخاصة الآلات التى ليس لها مفاتيح ضبط للاوتار ، وايضا الة "السيستروم" ، و "المنت " وهى تشبه العقد وقديما كانت المرأة تتحلى به كعقد وتمسكها بأيديها كشخليلة ، و" الصاجات النحاسية " وبداية تصنيعهم كانت فى المرحلة الاخيرة من مصر القديمة إبان الأسرة 30 ، وموجودين حاليا بالمتحف القبطى بالقاهرة .
* وكيف يمكن لهذه التجربة أن تستمر ؟
اتمنى من الجامعة أن ترعى هذا الجيل وتعمل على الإهتمام بالمشروع كى يستمر ولا يتوقف حتى لا يذهب كل ما قمنا به والعقبات التى تخطيناها أدراج الرياح ،ونهتم حاليا بالعمل على تبسيط وتوصيل الموسيقى الفرعونية للمجتمع المصرى وخاصة فى المسارح ذات الصبغة الثقافية فعرضت على المهندس محمد الصاوى عمل عرض لعزف الموسيقى الفرعونية داخل الساقية فوافق ،وكان اخر هذه العروض مارس 2009 ، ووجدت أن العديد من الناس أصبحت تتابع عروضنا لدرجة أن لفظ " احفاد الفراعنة " انتشر بين الناس والقاعة التى نعزف بها الموسيقى كانت تمتلئ عن اخرها .
وأقوم الان بإعداد دراسة لاقامة متحف للالات الموسيقية الفرعونية ملحق بالمتحف الكبير والذى يتم انشاؤه هذا العام لأعرضها على المسئولين، ولكى نمد ادارة المتحف بكل مايخص الالة بالاضافة الى نغمة او لحن مدته 20 ثانية لصوت هذه الالة ، بمعنى ان كل زائر يمكنه عن طريق الضغط على اسم الالة أن يسمع صوتها فى لحن فرعونى قديم مستلهم ، كما يمكن أن ننشأ فرقة دولية من مصريين وأجانب سواء مؤلفين أو عازفين أو راقصين، يمكن من خلالها تحقيق حلم إحياء الموسيقى الفرعونية .
* هناك دعاوى اسرائيلية نشرت فى الصحف والمواقع الاليكترونية الاسرائيلية تنسب هذه الموسيقى لنفسها ؟
منذ ان ظهر المشروع القومى للموسيقى الفرعونية للنور أواجه العديد من العقبات التى يضعها أمامى اليهود للقضاء عليه ،وريكاردو آيشمن الذى قام بتصنيع الالات فى برلين صنعها وتركها منذ 13 عاما ومنذ ذلك الوقت لم تتحرك التجربة من مكانها لتخرج إلى النور وتصل إلى العالم ، وبعد أن بدأت العمل وجمع التخصصات من أساتذة مصريين متحمسين ، ومنهم عدد رائع وأسماء مشهورة تعاونت معى سواء فلاسفة أو علماء آثار أو لغة ،وأثناء المؤتمر الذى عقد بإحدى الجامعات الاوربية وجدت عدد من الصهاينة ومعهم اسطوانات يبيعونها فى جميع أنحاء العالم ، ويوجد منها نسخ بمتحف اللوفر بباريس ومكتوب عليها أن هذه الموسيقى صممت فى مايو 2001 أى بعد ظهور مشروعى بعام وخلال هذه السنة قاموا بعمل هذه الاسطوانات ، والأمر لم يقتصر على الاسطوانات فقط بل وجدنا عدة مواقع على شبكة الانترنت تعرض صورا لبعض الالات الموسيقية مكتوب عليها موسيقى من عصر الأهرامات ،وأنها آلات يهودية الاصل وأن المصريين القدماء اقتبسوها عنهم .
* والى أين وصل مشروع إحياء الموسيقى الفرعونية ؟
مازال العمل مستمرا كأحد الاهداف الاساسية لمشروع احياء الموسيقى الفرعونية ، ونعمل على الانتشار الثقافى فى الداخل والخارج ، واخر لقاء مع المجتمعات الاوربية كان فى المانيا فى الاولى كان المؤتمر السادس للاثار الموسيقية وشاركت به كباحث وعرضت فيه تصورى للائحة جديدة للماجستير فى علوم الموسيقى الفرعونية وشارك معى ثلاثة من خريجى الدبلومة بأبحاث متنوعة ،أما المرة الثانية فكانت عبارة عن تكليف من وزارة الثقافة للعمل على نشر الموسيقى الفرعونية فى برلين والذى قام بالاعداد لها سفارة مصر فى برلين اعداد طيب جدا سواء فى اختيار المكان أو دعوة العلماء الالمان المتخصصين ، وكان عنوان الندوة "عزف الموسيقى المصرية القديمة مرة اخرى" .
وأيضا كان لنا لقاء مع بعض الطلاب المشاركين فى المشروع القومى لاحياء الموسيقى الفرعونية منهم :
* هالة سمير ليسانس آداب قسم آثار دارسة بدبلومة الموسيقى الفرعونية تقول : أقمنا ورشة عمل و كان معنا عالم الآثار الألمانى ريكاردو، وبدأنا بتحديد الآلة التى نريد تصنيعها بعد أن عرفنا عدد أوتارها وكان أقرب شئ للصندوق الرنان للعود هو السلحفاة ، فبدأنا بتجهيزها والعمل عليها بتحديد عدد الأوتار وتثبيت كل وتر فى مكانه ،وورشة العمل امتدت لمدة ستة أيام وكنا عبارة عن مجموعات تعمل كل مجموعة على تصنيع آلة معينة، ومجموعتنا أختصت بالعمل على تصنيع آلة العود ظهر السلحفاة .
* محمد ماجد خريج حاسبات ونظم معلومات وخريج الدفعة الاولى للموسيقى الفرعونية لعام 2006/2007 يقول: المشكلة التى تواجهنا الان هى استكمال رسالة الماجستير ، وأيضا التمويل الذى يساعدنا على إقامة المشاريع وتصنيع الآلات والزيارات الميدانية للمقابر،وفى الورشة الدولية قمنا بتصنيع ثلاثة نماذج من الأعواد المصرية القديمة "ذات ظهر السلحفاة " كما يطلق عليها فى اللغة الهيروغليفية ، و كما رأيناها فى المتحف المصرى بنفس الشكل ، و صنعنا العود المصرى القديم ، وكان معنا بعض الخبراء الأجانب مثل دارثمان مدير معهد الاثار الألمانى قسم شرقيات وأيضا د . جون ماتشر وايضا دكتورة من جامعة الصين ،و يمرمشروع التخرج بثلاثة مراحل مختلفة أولها كيفية قياس تردد الصوت الخارج من الآلات التى استنسخناها ،والثانية تحويل اصوات الآلات إلى نوت وقمت بدمج الآلات التى قمنا بتصنيعها فى آلة واحدة هى الأورج حتى يستطيع أى مؤلف أن يستخدمها .
* دعاء إبراهيم خريجة تربية نوعية شعبة تربية موسيقية جامعة جنوب الوادى بقنا و دارسة بدبلومة الموسيقى الفرعونية تقول : قمت بتجربة إستلهام عبارة عن نص من النصوص الهيروغليفية التى قمنا بدراستها وحاولت تطبيقها على استخدام السلالم الموسيقية المستخدمة بحيث يكون نص هيروغليفى ملحن ،وبما أن تخصصى فى الموسيقى فعزفت على الكثير من الآلات الحديثة المستخدمة اليوم ولكن تجربة العزف على آلة موسيقية عمرها خمسة آلاف عام فى اعتقادى اكثر من رائعة إلى جانب استكشاف طبيعة حياتهم واحساسهم بالموسيقى ، كما هو موضح على جداريات المعابد.
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق