الفنانون التشكيليون لوحاتهم للزينة فقط

الفنان فرغلى عبد الحفيظ
الفنان التشكيلى فرغلى عبد الحفيظ مغرم بالأماكن والتى لها مكانة مميزة فى ذاكرته ووجدانه وتجربته الفنية ، وتنقيبه عن الأماكن ما هو إلا بحث عن الروحانيات كما يقول وحمايتها من التكنولوجيا الدخيلة عليها وعلى الفن فهو مغرم بالطبيعة وكل ما يمس الروحانيات بصلة حيث يقول يحركني ويثير انفعالي مجموعة من الأشياء تتبادل مواقعها من حيث الأهمية هذه الأشياء هي الطبيعية ، ولهذا فأنا اعشق النخيل ، والزرقة ، والوردية . . أعشق لون الصحراء ، أبو الهول والأهرامات والمعابد المصرية القديمة ، وأيضا أهل الريف عند الذهاب أو العودة من الحقل صباحاً وفى أخر النهار،وأشكال النجوم في الليالي غير المقمرة .
ويواصل عبد الحفيظ تجربته الثرية في تأمل المدن ورصد ملامحها بالألوان والفرشاة ليحولها من مجرد مجموعة من الأحجار إلى لوحات نابضة بالرموز والحياة حيث له العديد من التجارب والمعارض بأسماء هذه المدن والتى أثرت فى تكوينه فنيا وتاريخيا من إسوان إلى لندن مرورا باسطنبول وغيرها .
* بداية ما سر احتفاءك الشديد بالمكان والذى يظهر فى العديد من أعمالك ؟
نحن مجرد كائنات موجودة في كون ضخم جدا ، ويأخذ هذا الكون فى الصغر إلى أن يصير المكان الذي نوجد به وننطلق منه إلى هذا الكون ، ولذلك المكان جزء أساسي من تكويننا وثقافتنا وفكرنا وتاريخنا وهو جزء هام جدا في تاريخ الإنسان لذلك أتعامل معه من خلال من هذه الأهمية .
* وقبل البدء في الإعداد لمعرض عن مدينة ما هل تسبقه إعدادات خاصة عن هذه المدينة ؟
نعم تسبقه زيارات وقراءات واحتكاك مع تاريخ المدن لتحديد إحساسي تجاه المكان وموقفي من هذه المدينة ، وأيضا أطلع على معلومات ورؤى بصرية .
* وما هي أبرز التفاصيل التى تتأثر بها فترصدها فى لوحة تشكيلية ؟
التفاصيل الخاصة بالمكان ماضيه ومستقبله لأني أحرص على الجمع بين عدة أزمنة مختلفة كالماضي والحاضر ورؤيتي للمستقبل ، وعندما تجتمع هذه الأحوال مع بعضها البعض أستطيع أن أخرج من هذا المكان بعمل يجسد رؤيتي له.
* وما سر إهتمامك بالروحانيات فى أعمالك ؟
لأن العصر الذي نعيش فيه الآن أصبح عبارة عن ماديات محضة والتي أقابلها بتعزيز مكانة الروحانيات ، والإنسان المعاصر الجزء الروحانى لديه ضعيف بشكل عام فتصبح الإشكاليات الخاصة بتحركاته ومصالحه وأغراضه الشخصية كثيرة ، لذلك على الفن أن يعوض هذا بأن يزود الجزئية الخاصة بالروحانيات .
* وكيف كانت علاقتك بنهر النيل خاصة وأنه كان موضوع فنى خصصت له أحد أهم معاضك ؟
النيل حياة وبرغم ارتباطه بأماكن كثيرة إلا أنه فى مصر له مكانته الخاصة التاريخية والسيكولوجية والحياتية أيضا، وهو عامل مؤثر جدا في التاريخ عامة لأنه صنع حضارة ضخمة لها فضلها وحظها الوافر من تقدم البشرية وما وصلت إليه الآن ،أما صلتي بالنيل فقد بدأت منذ مولدي لأنني ولدت في إحدى مدن الصعيد والتي تمتاز بوجود العديد من الترع بها ، وأعيش الآن بالقاهرة حيث أخصص يوميا تقريبا ساعة كاملة لمناجاة النيل.
* أسماء كثيرة استلهمتها ووسمت معارضك بأسمائها منها من وحى أسوان ، أسطنبول ، وغيرها ماذا عنها كأماكن أثرت فيك فنيا وروحيا ؟
هذه الأماكن أرصدها بإعتبارها تاريخ وجغرافيا ، وكل مكان له ملامحه الخاصة والمميزة له ، فاسطنبول مدينة قديمة جدا ومرت بالعديد من المراحل التاريخية الهامة حيث كانت في البداية مدينة يونانية ثم أصبحت بيزنطية ، ومؤخرا إسلامية ، أما أسوان فتاريخها أقدم وأعظم لأنها مصب أو مدخل لمصر القديمة حيث تاريخها بالغ العراقة وبرأي لا توجد مدينة أخرى رسمتها تقترب منها أو توازيها في القيمة .
* وما هي حكايتك مع لندن ؟
لندن مدينة مثيرة وجميلة ، والانجليز لهم دور هام في التاريخ الحديث ، وبرغم هذا الدور الهام إلا أنهم كان لهم سلبياتهم التي لا نستطيع أن ننكرها كاحتلالهم مصر ، ففي عام 1956 كنت أقوم في شوارع مصر بعمل إعلانات مضادة لعدوانهم الثلاثي على مصر ، ولكن هذا لا يمنع أن الأيام تطوى صفحات على أشياء مضت لذلك فتحت صفحة جديدة مع لندن لما قدمته للإنسانية من خدمات جليلة وعلوم وتطور والأهم من ذلك الفنون .
* وبرأيك هل يعمل الفن التشكيلي على التقريب بين الثقافات المختلفة ؟
لا يوجد شك في هذا لأن الفن التشكيلي له صلة كبيرة جدا بالروحانيات بداخل الإنسان وبالتالي الفن قادر على أن يصنع اتصالا من نوع قوى وعميق ما بين الثقافات والحضارات المختلفة .
* وهل تعتبر أن الفن التشكيلي صاحب رسالة محددة يريد توصيلها للناس ؟
بالطبع كان ولا يزال وسيظل له رسالة قوية وهى أنه يعمل على الجزء الذي يشمل كافة الكائنات والنباتات والحيوانات من خلال الشكل واللون وملامح عديدة بداخله جميلة ومغذية للبصر والبصيرة والنفس ، فالإنسان عندما يرى أشياء جميلة ترتاح وتهدأ نفسه لذلك عندما خلق الله الكون جعل شكله جميل وبيع، وهذا الغطاء أو الشكل ليس مجرد قشرة سطحية أو زخرفيه لكنها تنم عن جوهر الأشياء لذلك الفن التشكيلي له العديد من المهام كتسجيل أحداث ووقائع التاريخ ، فمصر القديمة كمثال هي المعلم الأول للبشرية حيث علمتنا كيف يمكن للفن أن يلعب دورا أساسيا في العقيدة والفكر وإثراء الحياة وشكلها ، وأيضا صلة الإنسان بالمستقبل .
* دائما ما تستخدم عناصر طبيعية في لوحاتك كالرمال ، أو طمي أسوان في معرض النيل . ماذا تضيف هذه التقنيات للعمل الفني ؟
هذه التقنيات عبارة عن وسائط حيث يكون لدي رسالة أريد توصيلها للآخرين فأختار لها أصلح الوسائط لحملها ، لذلك استخدمت وسائط كثيرة جدا وربما أكون أكثر الفنانين استخداما لها ، فاستخدمت المواد الطبيعية مثل الرمال بأنواعها وألوانها المختلفة ، والطمي أيضا ، جريد النخل ، بوص الدرة ، القش، التبن ، المساحيق ، الأكاسيد المختلفة ، وأشياء معدنية وأخرى نسجية .
* ولماذا انتقادك الشديد للجوء إلى استخدام التكنولوجيا في مجال الفن ؟
ليس انتقادا للتكنولوجيا والتي أصبحت مستفزة جدا وكثيرة لدرجة أنها أدت إلى إضعاف الفن بداخل الإنسان ، وتواجهنا الآن العديد من المشاكل لآن الإنسان أصبح مجرد كائن يعيش بداخل محيط مادي بحت والذي أدى إلى كل هذه الحروب والخلافات الجوهرية بين الحضارات والثقافات المختلفة وأجزاء الثقافة الواحدة فالعالم الإسلامى منقسم على نفسه ، والعالم المسيحي أيضا ،وكذلك اليهودي ، وكل هذه الخلافات تعود إلى أسباب عديدة لكن محركها الأساسي يعود إلى غياب أو ضعف الجزء الروحاني لدى الإنسان والذي لا يتحقق عن طريق الدين فقط وإنما عن طريق الفن وملامسة عناصر الكون التي خلقها المولى عز وجل ، وأيضا ممارسة الاحتكاك بالنجوم والشمس والأقمار ، فالجانب التكنولوجي في الفن أدخل عن طريق الأمريكان بالتحديد بشكل قوى مما جعل الفن جزء من التكنولوجيا وليس العكس، ولا يجوز أن نناهض الصناعة الإلهية ، لأن مكونات الإنسان عبارة عن مادة وروح وفن وعاطفة ومشاعر وعلوم وتكنولوجيا وهكذا ، وعندما يطغى الجزء التكنولوجي سيصبح هناك خلل ،وهذا ما حدث بالفعل للإنسان المعاصر الذي أصبح لا يستطيع توفير التوازن بين التكنولوجيا و الروحانيات فعندما تغزو التكنولوجيا الفن ليتحول إلى ميكنة فهذه كارثة .
* قلت أن أسوان لها تأثير قوى في ذاكرتك البصرية وربما هذا يفسر كونها من أكثر الأماكن التي تناولتها في أعمالك . لماذا ؟
أسوان والنوبة أيضا لأنهما منابع وجذور أصلية والإنسان أو الفنان يحتاج من وقت إلى أخر أن يعود ويلامس الجذور والأصول.
* وماذا عن جماعة المحور وما الذي أضافته لحركة الفن التشكيلي المصري ؟
في البداية أسهمت في تكوين جماعة حيث كنا خمسة فنانين أيام الستينات من القرن الماضي ثم جماعة المحور أوائل الثمانينات ، وهذه الجماعات كانت لها أهداف مختلفة ، ولعبت أدوار مقتضبة ومختصرة في الواقع ثم اختفت بسبب المصالح والأهواء الفردية .
* وهل ما قيل من أن جماعة المحور كانت تحمل بداخلها تناقضات عديدة كاختلاف الرؤى بينكم أنتم الأربعة وتفاوت الثقافة والمعرفة وهو ما أدى إلى الخلاف بين أفراد هذه الجماعة ثم اختفاءها ؟
نحن أقمناها على هذا الأساس وكيف يمكن لمجموعة من الفنانين يختلفون اختلافا بينا في أساليبهم وطرائق تفكيرهم وأداؤهم الفني ،يستطيعوا عمل فني واحد مركب ، ولذلك كنا أول من قام بعمل معرض جماعي في مصر .
* ومنذ اختفاء جماعة المحور عن الساحة لم تظهر أي جماعات جديدة . برأيك لماذا ؟
هذا مرتبط بظاهرة غياب الجزء العميق بداخل الفن فأصبح مجرد سلعة ، والفنان صار مشغولا بأداء سلعي تجارى خاص بموقعه الاقتصادي والظهور والانتشار على الساحة الفنية ، وهذا ما أدى إلى إضعاف جانب الجماعات والتي تقوم في أساسها على فكرة موحدة تجمع بداخلها العديد من الأفراد وبالتالي عندما تريد خلق جماعة ما يجب أن يكونوا متفقين على مبدأ واحد ، أما الآن فأصبح الجزء الفردي الخاص بكل فنان هو الغالب ، والسبب أن الفن بالنسبة لهم لم يعد رسالة بل أصبح سلعة وبالتالي بطلت قضية وجود جماعات والتي يكون لها أهداف كبيرة وإنسانية بعكس الفنان الفرد الذي يكون له أهداف محدودة فيبيع ويشترى ويصبح مشهورا ويحصل على العديد من الجوائز ، ويتربع على عرش الشهرة وكلها أشياء مناقضة لفكرة الجماعات .
* وكيف ترى العلاقة بين الممولين والمنظمين للمعارض من جهة والفنان من جهة أخرى ؟
العلاقة في أوربا مستتبة لأنها قديمة مابين الممول والفنان ولها نظام وإن كان في العقود الأخيرة أصبح هناك ما يسمى بالمنظم والذي أضعف خلجات الشخصية بداخل الفنان والذي لم يعد لديه القدرة والحرية على أن يصور انفعالاته الشخصية والخاصة به لأن صاحب الأموال هو الذي يفرض في العادة توجهات وأساليب معينة لدرجة أصبحت بيناليات الفن تدور داخل هذا الإطار ، أما لدينا فالجزء الخاص ببيع الفن وشراءه مازال حديثا وغير قوى وهناك عدة محاولات في منطقة الخليج وخاصة دبي من بعض الأوربيين لعمل أشياء سطحية بنظري لأن الأجانب لا يأتون لعمل نهضة ثقافية أو فكرية وإنما مجرد حالة تجارية بسبب عامل البترول الذي يضخ العديد من الأموال للمنطقة وبالتالي هم يأتوا لامتصاص القدر الذي يستطيعونه من هذه الأموال لذلك الوضع هنا مزيف ولا يمت للثقافة بشئ ، والفن عندما يفتقد قوته الثقافية يصبح ضعيف ويصير مجرد زخرفة ومواد للزينة ولا يستطيع التأثير أو إثراء الحياة والجانب الإنساني .
* وكيف ترى حركة الفن التشكيلي في مصر والوطن العربي فى الوقت الحالي ؟
يغلب عليها الجانب التجاري بسبب وجود بعض الفنادق التي بدأت تقتنى أعمالا فنية مما أدى إلى رواج مؤقت أو جانبي لأنه فن للزينة فقط ، ولكن الجانب الايجابي أن بوادر الاقتناء الفني في مصر بدأت درجاتها تصبح أعلى بمعنى أن هناك من يذهب إلى المعارض لاقتناء أعمالا جادة ومهمة ، أما من الناحية الفنية البحتة فالحركة الفنية مفككة لأن الجزء الشبابي بها ضائع لأن إبداعهم محاط بتجار قدماء لديهم حنكة وخبرة مما أدى إلى تشتت الجانب الفكري لديهم فأصبحوا لا يكترثون بالفن كفن ورسالة وهدف ، وأخذوا يهتموا بالبحث عن الجوائز أو السفر للخارج ، وأيضا هناك استناد على الانترنت والصور والكتب لا على الموهبة لذلك أصبح هناك غياب شديد لجودة الفن ، والفن بعامة ليس له شكل محدد حتى لا ندعى إن كان فنهم مصري أو غيره فمن الممكن أن يأخذ الفن صور مختلفة ومتعددة وليس له ملامح محددة ، وإنما يجب أن يكون لدى الفنان إحساس بالفن ورسالة ويؤدى عمل ذو شأن في حياة الإنسان الحالي والمستقبلي ، ولكن للآسف التكنولوجيا أدت إلى دخول العديد من غير الموهوبين إلى الساحة الفنية ، والأوربيين الذين تحدثت عنهم مواهب في الفن ضعيفة ومواهبهم التجارية قوية لذلك لا يهتموا بالفن أو الحضارة أو الثقافة وإنما بالماديات فقط ومصالحهم الخاصة ، أما غير المتخصصين فى الفن التشكيلي فكل معلوماتهم يحصلوا عليها من الإعلام سواء الصحافة أو التلفزيون وهى معلومات قليلة جدا بسبب عدم وجود صحف فنية متخصصة لذلك تجد الرابط بين الفن والمجتمع غائب والعزلة بينهما كبيرة .
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق