أحمد عبد المجيد: ترنيمة سلام تجربة روحية

روايته وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد


رواية "ترنيمة سلام" للروائي المصري أحمد عبد المجيد تجربة روحية، عندما تنتهي منها ستشعر بسلام من نوع غريب، فمع زحمة الحياة وأزماتها تتمنى أن تصل إلى السلام الداخلي الذي وصل إليه بطل الرواية .

الرواية هي أولى روايات عبد المجيد وقد وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد في دورتها الثامنة ،2014 فرع المؤلف الشاب .

* ما هو شعورك بعد وصول روايتك "ترنيمة سلام" للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد؟ وبرأيك ما هي أهمية الجوائز بالنسبة للأديب ؟


سعيد طبعًا وأشعر بالفخر لهذا الإنجاز، وأعتبره فوزًا لأبناء جيلي كلهم وليس لي وحدي ، أما الجوائز الأدبية فتستمد قيمتها على حسب حياديتها ومستوى لجان التحكيم فيها، وبالتالي تأتي أهميتها من أنها تُشكل اعترافًا بالأعمال الأدبية – خصوصًا للكتّاب الشباب – وتسلط الأنظار عليها.

* كيف ترى الوضع الثقافي الآن ؟

هناك حراك ثقافي كبير في مجال النشر وظهور مواهب شابة جديدة، شاهدناه جميعًا خصوصًا في معرض الكتاب منذ بضعة أسابيع، فقد كان هناك عشرات الكتّاب الجدد والكثير جدًا من الأعمال الجديدة ، وكل بضعة أشهر نشهد ظهور دار نشر جديدة تحاول أن تضيف إلى الوسط وتكون على قدر المنافسة ، كل هذه الأمور تساهم في تشكيل حراك ثقافي ربما لم نشهده منذ سنين طويلة.

* وما رأيك في الحملة التى يشنها مثقفون ضد فساد وزارة الثقافة؟ وما الحل لهذا الفساد ؟

الحقيقة لا أتابع ما يحدث في وزارة الثقافة وتعامل المثقفين معها، فأنا أنتمي إلى جيل لم يجد متنفسه إلا من خلال النشر الخاص البعيد عن المنظومة الحكومية المتمثلة في وزارة الثقافة والأجهزة والهيئات التي تتبعها، وأرى أن النشر الخاص استطاع خلال العقد الماضي أن يُحدث طفرة نوعية وكمية في الوسط الأدبي لم تكن موجودة في السابق ، لكني مع ذلك أتمنى أن تتم محاربة الفساد في كل وزارات وأجهزة الدولة، وأن تعود وزارة الثقافة لتأدية دورها خصوصًا في دعم الكاتب الشاب.



* فى بداية روايتك " ترنيمة سلام " تبدو وكأنك تتحدث عن نفسك ومشوارك الأدبي. لماذا ؟

الرواية تدور حول خالد محفوظ القاص والروائي الذي تصيبه إحباطات في مشواره الأدبي ، وكون أنني أشترك معه في ممارسة الكتابة فهذا لا يعني بالضرورة أننا نتشارك نفس المشوار الأدبي، فكتاب خالد محفوظ الأول – وكان مجموعة قصصية – لم يلقَ اهتمامًا، لدرجة أن حفل توقيعه الأول لم يحضر فيه سوى زوجته وخالته وصديقه، بينما كنت أنا أكثر توفيقًا، فنجحت روايتي الأولى في الوصول إلى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد للكتاب، وحظي أول حفل توقيع لي باهتمام إعلامي وحضور كثيف من الأصدقاء والقراء، الأمر الذي دفع دار نون – دار النشر التي دعمتني ونشرت لي ترنيمة سلام – لإقامة حفل توقيع آخر في أقل من شهرين، للاستفادة من هذا الإقبال الجماهيري.

* البعض عاب عليك أنه على مدى المائة صفحة الأولى لم تدخل فى صلب الرواية مما قد يبعث على الملل لدى القارئ ؟

إن شعر القارئ بالملل في أي جزء من الرواية فهذا بالتأكيد يرجع لتجربته الخاصة في تناول العمل ويعتمد على ذائقته الأدبية التي تختلف من شخص لآخر، لكني مع ذلك أعتقد أن أول مائة صفحة لم تكن بعيدة عن صلب الرواية ، فالرواية تدور على مرحلتين، المرحلة الأولى نرى خلالها حجم المعاناة التي واجهها خالد محفوظ في حياته وكيف وصل بنفسه إلى الحضيض، والمرحلة الثانية نرى فيها كيف بدأ بحثه عن سلامه الداخلي ومحاولة استعادة زمام السيطرة على حياته ، وكل المواقف في المائة صفحة الأولى وما بعدها تحاول تشكيل البناء الدرامي الخاص بهذا الأمر، فالمشهد الأول نتابع فيه حفل توقيعه الأول الذي لم يحضر فيه أحد، والذي نرى من خلاله انهيار حياته الأدبية والعملية، والمشهد التالي مباشرة نرى شجاره مع زوجته، والذي ينتهي برحيلها وطلبها للطلاق، فنرى من خلال ذلك انهيار حياته العائلية ، لذلك لا أعتقد أن المائة صفحة الأولى كانت بعيدة عن صلب الرواية، بل أعتقد أن كل جزء فيها كان موظفًا لغرض ما.

* كنا نظن في البداية أن الرواية ستحكي تاريخ كاتب فاشل وقصته مع النجاح، ولكننا نفاجأ بأن الأحداث تأخذ منحى آخر. فهل قصدت هذا ؟

طبعًا القارئ له كامل الحرية في أن يتخذ الانطباعات التي تروق لها، وربما يصل مثل هذا الانطباع لبعض القراء نتيجة الحكاية الإطارية التي تبدأ بها الرواية، ونرى فيها شخصين في قطار، قبل أن ندخل في قصة خالد محفوظ، وكلا الشخصين يمارسان الكتابة ، لكن بغض النظر عن هذا؛ أعتقد أنه من الطبيعي أن يخالف العمل الأدبي توقعات القارئ خصوصًا انطباعاته الأولية، وإلا صار مملاً تقليديًا.

* البعض يرى أن الرواية في بدايتها تعبر عن كم الإحباطات التى يمر بها جيل المبدعين الشباب. ما رأيك ؟

حاولت في الرواية التعبير عن الإنسان وإحباطاته بشكل عام، وكيف قد تسوء الأمور معه لدرجة كبيرة، وقد تصادف أن بطل الرواية يمارس الكتابة ، فالأمر لم يكن الغرض منه التعبير عن هموم الكاتب بقدر ما كان التعبير عن هموم الإنسان بشكل عام.



* نجاة خالد من الموت ورضاه بحاله ثم استعادته للرؤية فجأة، ألا ترى أنها مثالية بعض الشيء ؟

إصابة خالد كانت نفسية أكثر منها عضوية، لذلك فبمجرد أن زال السبب النفسي حينما تقبل ما هو عليه، زالت الإصابة على الفور ، لكني مع ذلك أعتقد أن الحياة في الإمكان أن تكون مثالية مع من يريدها أن تكون كذلك، أنا أؤمن أن الحياة تتشكل أمامنا على حسب الكيفية التي نراها من خلالها ، قد يكون الأمر مثاليًا بالنسبة للأشخاص الذين يتخذون موقفًا سلبيًا من الحياة ولا يعتقدون في إمكانية النهوض بعد السقوط، لكن التاريخ يمتلئ بالأمثلة على ذلك.

* هناك نقلات سردية مكانية متتابعة فى الرواية ما بين مصر ومكّة وأمريكا ، ألا ترى أنها مرهقة للقارئ ؟

حينما تبدأ الرحلة يمكننا أن نتفهم انتقال الرحالة من مكان إلى آخر، وهذا ما حدث مع خالد محفوظ، فقد وجد طرف الخيط في مصر، ثم جاءته إشارة في أمريكا، ثم انتهى به الأمر في مكة ليستقر هناك بضع سنوات يخوض خلالها عمق التجربة الروحية ، أعتقد أنها محطات بسيطة لمن يسعى للبحث عما كان يبحث عنه خالد، لكنه كان محظوظًا ليجد ضالته بعد محطتين فقط.

* ألا تجد أن مقابلة شخص بالصدفة يصبح محور الرواية هي حبكة تقليدية بعض الشيء ؟

الصدفة قد تكون موجودة في عالم الواقع – ويمكننا أن نختلف حول مسماها حينها – لكن في العمل الأدبي يجب أن يكون كل شيء مبررًا، والصدفة تكون دلالة على ضعف في البناء الدرامي للعمل ، السؤال الآن: هل خالد محفوظ التقى أحدًا بالصدفة فعلاً؟ هل حينما ندعو ونطلب المساعدة ثم نتلقاها يكون هذا الأمر قد جاء صدفة؟ خالد محفوظ في مرحلة من المراحل كان يحتاج إلى شيء معين وسعى للبحث عنه، فظهر المعلم في طريقه ليساعده، وكان ينتظر مجيئه ، ألا يعني هذا بطريقة أو بأخرى أننا نحصل في مراحل حياتنا المختلفة على المساعدة التي نحتاج إليها فقط لو كنا نحتاجها فعلاً ونطلبها بصدق ومستعدين لتلقيها والاستفادة منها ؟

* هل حقيقي أنك تأثرت بكتاب " السر " أثناء كتابتك للرواية ؟

بالعكس، لدي موقف سلبي من كتاب السر ، فالفيلم – أو الكتاب – يخبرنا عن قانون الجذب أننا إذا تمنينا شيئًا وفكرنا فيه بقوة فسوف يتحقق في حياتنا ، للأسف هذا غير صحيح، ولو كان صحيحًا لما شقي أحد في حياته ، في الحقيقة نحن نجذب لحياتنا ما نحن عليه بالفعل وليس ما نتمناه وما نحاول أن نصطنعه بأفكارنا ، أما قانون الجذب نفسه فلم أتطرق إليه في الرواية إلا في حديث جانبي بين مسافري القطار، حينما كان أحدهما يوضح للثاني لماذا تكالبت الظروف على خالد محفوظ بهذا الشكل المفاجئ، وكيف أنه هو المسؤول الأول عما وصلت إليه حياته، وأنه لم يكن ضحية لأحد سوى نفسه.

* وسط كل هذه الهموم والأزمات التي يمر بها الإنسان كيف يمكنه أن يجد ترنيمة السلام الخاصة به ؟

كل شخص لديه معادلة السلام الخاصة به، خالد محفوظ وجدها في الكلمات الثلاثة: الحب والامتنان والاستسلام، وحينما طبق المعادلة وأجادها بدأ يجد سلامه الخاص ، لذلك يمكننا أن نجد سلامنا الخاص لو استطاع كل منا إيجاد معادلته الخاصة والنجاح في تطبيقها.

* فى ظل حكم الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية ألم تخشَ الكتابة عن الكعبة الشريفة والرسول ، من أن يهاجموك كما فعلوا مع عدد من الكتاب والروائيين ؟

لم يدر الأمر في ذهني، فقد بدأت كتابة الرواية في إبريل 2011، قبل وصول الإخوان والسلفيين إلى البرلمان ومن ثم الرئاسة ، وحتى لو كتبتها في ظل حكم الإخوان والتيارات الإسلامية، أعتقد أنني لم أتطرق إلى الرموز الدينية باعتبارها رموزًا دينية وإنما كرموز حضارية ، الرواية لا تحمل أبعادًا سياسية قد تثير أحد عليها، وحتى لو كان الأمر كذلك؛ فالكاتب ليس عليه سوى الكتابة، ولو سيقلق من ردود الأفعال فلن يكتب شيئًا.

* ولماذا حرصك على استخدام الفنتازيا ؟

لم أستخدم الفانتازيا في الرواية، قد يعتقد بعض القراء ذلك إذا فسروا بعض الأحداث في الرواية بأنها كانت حلمًا، لكن هذا ليس بالضرورة هو الحقيقة، هناك دلائل كثيرة في الرواية تشير إلى أن ما قد يعتقده البعض مجرد حلم لم يكن كذلك.



* رهان الكاتب الآن أصبح على جيل الشباب، وفي عصر السرعة والفيسبوك ألا تجد أنه لا يوجد إقبال من الشباب على الروايات الطويلة ؟

بالعكس تمامًا، إقبال الشباب الأول أو القراء بشكل عام هو على الرواية، ليس الشعر ولا حتى المجموعات القصصية، حتى دور النشر تتردد كثيرًا قبل نشر المجموعات القصصية لأنه لا يوجد إقبال كبير عليها، القارئ يبحث عن نوع من الاستقرار لا يجده سوى في الرواية، والرواية الطويلة بالذات، التي يمكنه أن يقرأها لفترة طويلة ويعيش مع أحداثها وشخصياتها ويندمج في عالمها خلال عدة أيام هي زمن القراءة.

* هل أردت القول أن هناك تشابهًا ما بين قصة أماكلي الرواندية وبطل روايتك في مكة كي يصلا لنفس النتيجة وهي القدرة على التسامح ؟

خالد محفوظ في الفترة التي عرف فيها قصة أماكلي كان يعاني من غضب داخلي تجاه بعض الأشخاص في حياته، أعاد اكتشاف قصة فتح مكة وكيف تسامح الرسول عليه الصلاة والسلام مع كل أعدائه، فوجد أن هذا الأمر لا يستطيعه سوى نبي، فجاءت قصة أماكلي لتوضح له أنه حتى البشر العاديون مثله بإمكانهم التسامح مع الآلام العظيمة.

* وسط كم هذا الصراع الذي نمر به في مصر، كيف يمكن أن نصل لترنيمة السلام الخاصة بنا ؟

المشكلة العميقة خلف كل الأزمات والصراع الذي نواجهه في مصر تكمن في سيطرة "الإيجو" علينا ، حينما نبدأ في تصنيف من حولنا إلى فرق، ونعتقد أننا على صواب مطلق ومن لا يتفق معنا في الرأي والاتجاهات بشكل كامل هو إما خائن أو قاتل، حينها يكون من الطبيعي أن تخيم علينا الكراهية ويسود بيننا الصراع ، الحل أن نتجاوز هذا "الإيجو"، أن نبدأ في تقبل الآخر والاعتراف بأننا قد نكون مخطئين وليس بالضرورة أن نكون على صواب طوال الوقت.

* ألا ترى أنه كان الأفضل أن تنتهي الرواية بمشهد حمل خالد لطفلته، بدلاً من العودة للقطار مرة أخرى؟

من الممكن جدًا، لكن كانت هناك حكاية إطارية ذُكرت قصة خالد من خلالها، وهي حكاية خالد عبد الدايم في القطار، وكان يجب إنهاؤها والإجابة – أو محاولة الإجابة - على بعض الأسئلة المعلقة مثل علاقة خالد راكب القطار بخالد محفوظ وعلاقة الراوي العجوز بالأمر.


صدام كمال الدين
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق