المثقفون مغيبون عن واقعهم بسبب تعاليهم على مجتمعاتهم
![]() |
عفاف السيد |
السيد صدر لها عدة مجموعات قصصية ورواية منها : شروط المحبة ، باب الخسارة ، السيقان الرفيعة للكذب ، بروقات ،سعادات صغيرة ،سراديب ،قدر من العشق .
* برأيك المشهد الثقافى فى مصر هل اختلف عما كان عليه قبل الثورة ؟
الفضاء العام اختلف لأنه حدث به خلخلة شديدة جدا، وخاصة المشهد الثقافى والفنى ، والنخبة الثقافية عادت إليها الثقة فى نفسها لأنها اعتبرت نفسها مسئولة بطريقة أساسية عن إحداث التغير الجذرى الذى حدث للشارع ، ولكن وعى الناس لم يأت من النخبة الثقافية فقط وإنما أيضا لوجود وعى ذاتى لديهم وخاصة بعد القمع والقهر الذى تعرضوا له ،وعند النخب أصبح هناك نوع من التضفير ما بين الناحية السياسية والفكرية والتى لم تستمر كثيرا وهو ما ظهر بوضوح فى استفاءات تعديل الدستور ، وظهور التيارات الإسلامية التى تضافرت مع بعضها فى مواجهة النخب السياسية والثقافية .
* علاء الديب فى كتابه وقفة قبل المنحدر يقول " لا أحد يشعر بمعنى التخلف قدر ذلك الكائن الذى يطلق عليه المثقف " . فهل بدأ المثقفون فى مصر يشعرون بالتخلف الذى يحدث الآن ؟
النخب الثقافية حدث لها لطمة شديدة لأنهم اكتشفوا أنهم يعيشون بداخل مجتمع لا يعرفون عنه شيئا ، والمجتمع ربما يعرف بعضهم من خلال الصحافة أو التلفزيون ، لأنهم يروا أن الكتابة لا تعود عليهم بأى نفع أو استفادة ، والموقف بعد الاستفتاء وضع المثقفين والنخب السياسية فى مأزق حقيقى وجعلهم يواجهون أنفسهم ويغيرون من طريقة رؤيتهم للمجتمع ، والتى كانت عبارة عن صورة ذهنية بداخل عقولهم والتى هى أبعد ما تكون عن الواقع .
* هل معنى هذا أن المثقفين سينزلون من أبراجهم العاجية ليحتكوا بواقع المجتمع ؟
اختلف مع فكرة الأبراج العاجية وأرفض وضع كل النخب الثقافية فى سلة واحدة ، لأن هناك بعض الكتاب والمفكرين والسينمائيين مع القاعدة الشعبية ، فأنا على سبيل المثال أعمل بداخل العشوائيات ومع المجتمع المدنى لذلك لم أفاجئ بالتيارات السلفية أو الإسلامية ، والمثقفون ليسوا فى أبراج عاجية وإنما مغيبون تماما فهم ينظرون داخل تصوراتهم الذهنية عن المجتمع وليس للمجتمع بشكله الحقيقى ، فعندما يتناول أديب ما شخصية تكون بداخل ذهنه وليست من الواقع بعكس ما كان يفعله نجيب محفوظ عندما كان يضع ملف لكل شخصية فى أعماله والتى كانت من لحم ودم .
* ومن السبب فى تغيبهم عن المجتمع ؟
المثقفون أنفسهم هم السبب ، ففى اللقاءات التفاعلية مع الجمهور يتعالون على هذا الجمهور سواء فى القاهرة أو خارجها ، ولم يحاولوا أن يتفاعلوا بشكل حقيقى مع الناس أو المجتمع .
* الكتابة عن الجنس قبل الثورة كانت معبرة عن إحباطات جيل الشباب . فهل بعد الثورة سيكون لها مبرر ؟
الجنس جزء من الحياة ولا أستطيع أن أكتب حياة منزوعة الجنس ، أو معقمة فى عالم مثالى .
* ولكن ليس لدرجة أن يصبح الجنس هو محور الكتابة ؟
لست مع هذا فى أى وقت سواء قبل الثورة أو بعدها ، فهناك بعض الأدباء يكتبون بشكل ومسميات صادمة ووصف للفعل الجنسى بشكل فج ، ويفعلون هذا ليس لوظيفة فنية يستدعيها العمل وإنما هناك عين أخرى بعد البحر تنظر لهذه الكتابات ، وكأنه يقول أنا أكتب بحرية شديدة والمجتمع يهاجمنى لأننى المتحرر وهو المتخلف ، اكتب كما سحر الموجى ومى التلمسانى فى الجنس ولكن لا توجد كلمة صادمة ، فكتاباتى تقرأها ابنتى وابنى وابن أختى ، فعلى سبيل المثال رواية الفاعل لحمدى أبو جليل ، ورواية لمنى البرنس بهم كلمات صادمة وبشكل فج يمكن استبدالها بكلمات أخرى لا تصدم المتلقى العادى ، لأن إبداعى هو عمل فنى وليس كتاب جنسى ، والعمل الفنى يتطلب أن يملك الكاتب اللغة والتى تعتبر أهم أدواته .
* فى بعض أعمالك الراوية " الأنثى " تتحدث إلى نفسها . فهل نستطيع أن نعتبر أن هذا هو واقع المرأة المصرية والعربية الآن ؟
أنا أكتب عالمى ونفسى وما اختبرته ، واكتب خبرتى كامرأة تعيش فى عالم ذكورى بكل معنى الكلمة وخطاباته وأدواته ، وكل خبرة أكتبها هى خبرة المرأة بكل مشاكلها وقضاياها ووضعها فى الأديان وخاصة الدين الإسلامى ووضعها الاجتماعى ليس الآنى فقط وإنما بتجذيره التاريخى واستشرافه المستقبلى .
* البعض يرى أن كتاباتك تشبه كتابات أحلام مستغانمى من حيث علاقة المرأة بالرجل ؟
قرأت أحلام مستغانمى وأحبها جدا ولا أرى أى علاقة بينى وبينها ، وفى بدايتى ككاتبة قيل أن هناك تشابه بينى وبين غادة السمان وهو ما كنت أراه غريبا ، ولكن هناك مشتركات بينى وأحلام حيث ننطلق من نفس الأرضية ونعيش فى عالم ذكورى تماما ، والرؤية من نفس الزاوية النسوية ، وليست مستغانمى فقط التى لدى مشتركات معها ولكن العديد من الكاتبات النسويات واللائى يختلفن عن الكاتبات النسائيات اللاتى يكتبن من منطلق رؤية ذكورية حتى وإن كانت البطلة أنثى وليست إنسانة .
* العديد من الأديبات يخشين الحديث فى منطقة الجنس لأن المجتمع ينظر إلى هذه الكتابة على أنها حقائق . ألم تخش من هذا ؟
لم أخاف لأننى أملك نفسى ، وإن كانت الكاتبة ترى أنها مازالت عبدة وأداة للمجتمع الذكورى ، وهناك من يهيمن على دماغها ، فتعتبر أن جسدها ملك للعامة وليس ملك لها ، وفى هذه الحالة تحجم عن الخوض فى هذا وتعتبر أن هذه المنطقة لا يصح أن تكتب عنها لأن المجتمع سيعتبر هذا خبرتها الذاتية ، فى حين أنه سيكون من المقبول أن يكون لديها خبرة مطبخ أو غيرها ، والجنس مرتبط بالجسد والروح ، والجسد من أهم أدوات المعرفة وهو حر كما الروح تماما ، والمتلقى هو الذى يكون لديه مشكلة عندما يبحث فى التفاصيل كى يكتشف إن كانت هذه خبرة الكاتبة الحقيقية أم أنها مجرد إبداع .
* تتناولين مشاكل المرأة بصفة عامة ولكن بصياغة هى أقرب للرومانسية . ألا ترى أن الكتابة الرومانسية انتهت وحل محلها كتابات أخرى ؟
فكرة الرومانسية غريبة بعض الشئ ربما لأننى لم أختبرها فأنا أبعد ما يكون عن الرومانسية ، ولا أعتقد فى وجود الرومانسية ، وإحسان عبد القدوس ليس كاتبا رومانسيا وإنما هناك كاتب يخلق عالم يتوازى مع عالمه أو ما يطمح إليه ، وفكرة إختلاق العوالم انتهت منذ بداية التسعينات ، كما ذكر صبرى حافظ فى دراسته عن العشوائيات وعلاقتها بالأدب حينما استطاع الأدباء الذين أتوا من العشوائيات أن يكشفوا لنا هذا العالم ، ونحن نكتب من واقعنا والذى يحتمل كل شئ بداية من الرومانسية والواقعية ، والفنتازيا ، وحياتنا واقعية سحرية أكثر من ماركيز بكثير ، وبالتالى لا نخلقه فهو موجود بالفعل .
* فى الفترة الأخيرة هل استطاعت المرأة أن تعبر عن ذاتها بوضوح أكثر ؟
مع إحترامى لإحسان عبد القدوس وقاسم أمين صاحب كتاب تحرير المرأة ، أرى أنهما أضرا بالحركة النسائية كثيرا ، ففى وقته كان هناك كاتبات وناشطات نسويات معروفات وكن يعملن على قضايا المرأة ، فقاسم أمين قال المرأة تتعلم ولكن ما يفيدها فى بيتها وليست مثل الرجل ، ولم يتحدث عن تحررها من ملابسها المستوردة والدخيلة على المجتمع المصرى فى ذلك الوقت ، أما إحسان فوجهة نظره كانت ذكورية فى تناوله للمرأة ، ولا يوجد رجل كتب المرأة ولكن كتب عنها كنزار قبانى والذى يعتبر أكبر ذكورى فى تناوله لها برغم ما قيل أنه أكثر من استطاع أن يعبر عن مشاعر وأحاسيس المرأة ، وفى بداية التسعينات ظهرت مجموعة كبيرة من الكاتبات النسويات ، وليس معنى اننى ككاتبة نسوية ألغى العالم الذكورى أو استبعده ولكن ما أقوله أن يتجاور العالمان ولا يلغى أحدهما الآخر .
* كيف تنظرين إلى مصطلح الكتابة النسوية ؟
الكتابة النسوية تختلف عن مصطلح الكتابة النسائية والذى تكتبه امرأة أى كان ما تكتبه ، وربما تكتب من وجهة نظر الرجل فى رؤيته لها ، أما النسوية لن تفعل هذا ، والنسوية من الممكن أن يكتبها رجل أو امرأة لأنها تعتمد على الفكر وليس نوع من يكتب ، فهى وجهة نظر مختلفة للأمور .
* تكتبين القصة والرواية . أيهما أقرب إلى نفسك ؟
أحب القصة القصيرة والتى أستطيع أن أعبر من خلالها عما أريده ، وتحتوى الطاقة الإبداعية بداخلى ، برغم أننى بدأت كشاعرة ، كما كتبت رواية وهناك أخرى أوشكت على الإنتهاء منها ، ولكن بالنسبة لى القصة القصيرة هى الفن الأجمل والأصعب .
* برغم أنها تشهد تراجعا الآن ؟
لا أكتب من أجل الجمهور ، لأننى أكتب أفكار أحرص على أن تعيش وتستمر ، كروايتى الجديدة والتى ستكون أطول من روايتى السابقة ومغرقة فى المعتقدات الشعبية ، وبالتالى ليس لدى مشكلة مع المتلقى فالكتابة تفرض نفسها حتى وإن كانت عبارة عن سطر واحد ، وأنا ضد مقولة زمن الرواية لأن القراء متنوعين وتختلف ميولهم من نوع أدبى إلى آخر .
* أعمالك تأتى على فترات متقطعة وبعيدة . لماذا ؟
بطبيعتى لا أحب النشر والتى تكون خطوة صعبة جدا بالنسبة لى ، ولا أعرف سبب لها ولكنى لا أستطيع الانفصال عن العمل لأنه فى حالة النشر أشعر وكأن جزء خاص بى يؤخذ منى ، ففى عام 1997 نشر لى ثلاثة أعمال فى شهر واحد ولم أقصد هذا لنهم صدروا عن دور نشر مختلفة ولكن توقيتهم جاء هكذا .
* تهاجمين النقاد كثيرا برغم ما قدموه فى الفترات السابقة للحياة الثقافية المصرية ؟
الآن ليس لدينا نقاد حقيقيون ، ولكن هم نوعين أحدهم يكتب أعمدة فى الصحف وهو ليس نقد وإنما إعلام ومجرد قراءة للكتاب وهى غير مهمة بالمرة ، والنوع الثانى أكاديمى لديه نظرات محنطة وقديمة جدا وهو ما يفسد العمل ، وأرى أن أعمالى خارج كل هذه النظريات ، والنقد الكاديمى لا يحلل العمل بشكل مفيد ولا يستفاد منه سواء الكاتب أو القارئ وإنما الوحيد الذى يستفيد منه هو الناقد لأنه بهذا يؤدى عمل يأخذ عنه أجر فقط ، لذلك لا أريد منهم أن يكتبوا عن اعمالى ، لأنهم فشلوا بسبب عدم تطوير أدواتهم او يواكبوا النظريات الجديدة فى العالم ، ولعدم قدرتهم على اختراع نظرية ياتون بنظريات انتهت فى الغرب منذ ما ياقرب الثلالثون عاما ليطبقوها على أعمالنا فتصبح أعمالا مشوهة ، كما انهم مبتزين ، فيطلبوا من الكاتب أن يرسل لهم أعماله حتى يكتبوا عنه ، لدرجة أن أحد النقاد طلب منى أن أطبع له كتابه فى سلسلة إبداع المرأة لأننى مسئولة عنها فى مقابل أن يكتب دراسة نقدية عن اعمالى يضمنها كتابه .
* يتم الآن سحب المنهج الأخلاقى على الأدب . ترى إلى أين سيؤدى هذا بالأدب ؟
الأدب يقيم بأدواته وليس إلا ، وبعض التيارات الإسلامية عندما يتوج نفسه قاضيا على الأدب لن نسكت له بل سنعمل على أن يعودا إلى جحورهم مرة أخرى .
* بعض التيارات الإسلامية تطالب بأن يبدأ سن زواج الفتاة من التاسعة . فهل هذا البداية لعودة عصر الحرملك ؟
نحن فى مصر وليس فى دولة أخرى ، فكيف لإنسان سوى أن يتزوج فتاة تبلغ 8 سنوات من العمر ، فمن يفعل هذا هو إنسان مريض نفسيا ويجب أن يتم علاجه ، كما ان التيارات الإسلامية التى تقول بأن الرسول تزوج السيدة عائشة عندما كانت تبلغ من العمر 9 سنوات فهى معلومة خاطئة لأننى أؤكد لهم انها كانت تبلغا 18 عاما وليس كما يدعوا .
* فى ظل وجود هذه التيارات هل إبداع الكاتبات مستهدف ؟
نحن مستهدفات أكثر ككاتبات سواء من المجتمع أو من التيارات المتأسلمة المتخلفة ، وأيضا النخب الثقافية والتى تفتش داخل كتاباتنا ليبحثوا عن خبراتنا لتبدأ الإدانة والاستهانة وجلسات النميمة ، والمثقفون هم السلطة القمعية والتى تسحب المنهج الأخلاقى على إبداع الكاتبات ويروها من وجهة نظر ذكورية أكثر من القارئ العادى والذى هو أكثر إنسانية ورحمة من النخب .
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق