أشرف العشماوى: الفساد والإرهاب وجهى العملة الرديئة التى تعانى منها مصر

 
أشرف العشماوى
يرى الروائى أشرف العشماوى أن المشهد الثقافى المصرى يحتاج إلى حراك بصورة أكبر خلال المرحلة المقبلة ، ويجب أن تتغير النظرة نحو صناعة الثقافة ، لأننا لا زلنا نتعامل مع المنظومة الثقافية بصورة روتينية تقليدية أقرب للوظيفة ، كما يؤكد على أن الأدب الثوري لم يكتب ولا يصح أصلا أن تصدر كتب تتحدث عن الثورة بالتفصيل فى هذه المرحلة المتغيرة كل يوم وإلا تحولت الكتب والروايات إلى مجلد من الأخبار أقرب إلى تحقيق صحفي ولغة تقريرية وهو الأمر الغالب على كل الروايات التى تتحدث فقط عن الثورة .

العشماوى صدر له خمس روايات هى زمن الضباع ، تويا التى وصلت للقائمة الطويلة للبوكر للرواية العربية 2013 ، ورواية  المرشد ، و " البارمان " 2014 ، ومؤخرا رواية " كلاب الراعى " التى تدور أحداثها فى الفترة التى تلت جلاء الحملة الفرنسية عن مصر عام 1801 وتولى محمد على حكم مصر عام 1805 ، ومؤامرات المماليك وضعف الدولة العثمانية وبزوغ نجم محمد على ،  كما أصدر كتابا عن سرقات الآثار المصرية وتهريبها ومحاولات استردادها بعنوان سرقات مشروعة تمت ترجمته للغة الألمانية .

* كيف ترى المشهد الثقافى فى مصر خلال المرحلة المقبلة ؟

أتصور أن المشهد الثقافى يحتاج إلى حراك بصورة أكبر فى المرحلة المقبلة يجب أن تتغير النظرة إلى صناعة الثقافة فى مصر إن جاز التعبير فنحن لا نعلم الناس كيفية القراءة وهى خطوة مهمة ، ولا ننشر الثقافة بصورة تحبب الناس فى الفنون وإنما لا زلنا نتعامل مع المنظومة الثقافية بصورة روتينية تقليدية أقرب للوظيفة ، ووزارة الثقافة عليها عبء كبير والمثقفين والمبدعين عليهم عبء أكبر ، أتمنى أن تتغير المنظومة للأفضل فى المرحلة المقبلة .

* ولماذا اخترت الرواية لتقتحم من خلالها عالم الإبداع ؟ وما رأيك فى مقولة أننا نعيش زمن الرواية الآن ؟

المسألة ليست اختيار بقدر ما هى توافر قدرات معينة فى كل شخص يستطيع من خلالها ايصال أفكاره للآخرين ، بمعنى أننى لا أستطيع كتابة الشعر فمن الطبيعى ألا اختاره ونفس الشئ بالنسبة للقصة القصيرة ، فلم أجد نفسي قادرا على كتابتها بصورة ترضيني ، وبالتالى لم اخترها لأصل بها إلى القارئ إذ كيف أقنعه بعمل أدبي أنا نفسي غير راض عنه تماما ، أما الرواية فكانت مناسبة لي جدا ووجدت فى نفسي القدرة على كتابتها ولاقت قبول النقاد والكتاب فبدأت مسيرتي الأدبية وسارت الأمور على ما يرام .

* ما رأيك فى مقولة أن الأدب المعبر عن الثورة المصرية وأحداثها لم يكتب بعد ؟

متفق تماما مع هذه المقولة فالأدب الثوري لم يكتب ولا يصح أصلا أن تصدر كتب تتحدث عن الثورة بالتفصيل فى تلك المرحلة المتغيرة كل يوم وإلا تحولت الكتب أو الروايات إلى مجلد من الأخبار أقرب إلى تحقيق صحفي ولغة تقريرية وهو الأمر الغالب على كل الروايات التى تتحدث فقط عن الثورة .

* رواية " البارمان " فى بدايتها كأنها تقترب من الثورة وأحداثها ، كما حدث فى رواية المرشد . لماذا ؟

رواية البارمان بعيدة تماما عن الثورة ، وأحداثها تدور فى عام 2005 وقت أن أعلن مبارك أنه أول رئيس مصري منتخب وتنتهى أحداثها خلال شهور قليلة بعد ذلك الحادث ولا علاقة بثورة يناير من قريب أو بعيد ، أما فى رواية المرشد فقد كتبت صفحتين عن الثورة من بين 400 صفحة هى مجمل الرواية ، الأولى كانت عن وصف مشاعر متظاهر ، وجندى أمن مركزى فى مواجهته ، والثانية عندما سجن بطل الرواية فنقلت مشاعره يوم 28 يناير بداخل السجن وهو يرى آخرين يهربون فيما عدا ذلك لم أتحدث عن الثورة فى شئ ، وهذا لا يعد أدب ثورى بالتأكيد.

* جميع الشخصيات أصابها التشوه ولم يسلم منها فرد واحد ، فهل هذه رؤيتك لواقع الحياة فى مصر ؟

نعم ، فنحن نتاج مجتمع خرب على مدار نصف قرن أو يزيد فماذا تتوقع؟ من الطبيعى أن الكثيرين قد أصابهم التشوه ومن رحم الألم يولد الإبداع ومنه قد يولد الأمل ، وأختار نماذج موجودة بيننا لأكتب عنها بعد أن أضيف لها من الخيال ما يناسب أحداث الرواية ويجعلها مشوقة دون أن تفقد منطقيتها .

* الفساد لم يستثن أحد فى مصر . برأيك لماذا ؟ وهل هذا الفساد هو ما أدى إلى ثورة 25 يناير ؟

منظمة الفساد فى مصر ضاربة بجذورها  فى مصر منذ زمن ، والبداية القوانين المتشعبة والمتضاربة والثغرات المهولة فيها التى باتت أقرب إلى ثقوب واسعة تسمح بمرور جمل منها من فرط وسعها  فضلا عن تدهور الأخلاق وانحسار الثقافة بصورة مزرية ومخزية ، أما ثورة يناير فلم يكن الفساد وحده سببا فيها بل كان الظلم وغياب العدالة الإجتماعية التى لا تزال غائبة كل ذلك كان سببا فى حد ذاته لثورة يناير ومن بعدها ثورة يونيو .  

* وبعد الثورة هل تم القضاء على هذا الفساد ؟

للاسف لم يحدث هذا ، ولكن يحسب للثورة أنها كسرت حاجز الخوف تماما عندنا وجعلت كل مسئول لا يستطيع أن يفسد بسهولة ، نستطيع أن نقول أنها أحاطت الفساد الذى لا يزال موجودا بسياج قوية تزيد كل يوم تمهيدا لإنحساره قريبا أو هكذا نأمل .

* انتقلت من جماعة زينة فى البار إلى جماعة الشيخ عبد الموجود بالمسجد وكأنك أردت أن تقول أنهم متشابهون برغم اختلاف المكان ؟

الدعارة الفكرية لا تختلف كثيرا عن الدعارة الجسدية ، وهناك تشابه كبير بين الاثنين وتاثيرهما على من يسيرون خلفهم نياما للآسف الشديد.

* ذكرت خلال أحداث الرواية أن " الوعى العام أصبح مزيف ، مصر تعيش حفلة تنكرية كبيرة " . برأيك ما الحل للخروج من هذا ؟
الحل أن تسقط جميع الأقنعة ، أن يتوقف المهرجون عن أداء فقراتهم السخيفة كل يوم فى سيرك الفضائيات المتجول ، وقتها سيكون لديك رأي عام حقيقي ، ووقتها ستنجح أى ثورة بنسبة كبيرة فى تحقيق مطالبها .

* فى الرواية المصريون أصبحوا رقباء على بعضهم وكأن الجميع يبحث عن أخطاء الأخر . ما الذى أدى بهم لهذا ؟

أشياء كثيرة يمكن أن تقول أن الخوف والنفاق وإنعدام الأخلاق وغياب الضمير هم أهم العوامل التى أدت إلى ذلك .

* برأيك متى بدأ المصريون يغلقون عقولهم عملا بمقولة " إياكم والاجتهاد وإعمال العقل فى التفاسير فهو من عمل الشيطان " ؟

عندما يسلمون عقولهم لمشايخ أو سياسيين ، ويصرون فى عناد أن يتبعوهم كالقطيع وهذا للأسف حدث ولا يزال يحدث الآن على استحياء أيضا .

* بحسب أحداث الرواية ، المصريون مجتمع يعشق الكذب ولو حتى على نفسه  . هل هذا صحيح ؟

إلى حد كبير فأغلبنا يعيش فى فقاعة كبيرة ويوهم نفسه بأشياء غير حقيقية .

* تسعى لكشف الأبعاد / الأحاديث الداخلية لشخصياتك ، فهل لهذا كاد الحوار بين الأشخاص أن يكون منعدما ؟

نعم ففى رواية البارمان الفكرة هى بطل الرواية ولذلك كان تركيزى على الشخصيات وما يدور بداخلها أكثر من الحوارات .

* المشهد الأخير فى الرواية تدور أحداثه بالمحكمة . ما مدى استفادتك كأديب من عملك كقاضى ؟

لا شئ سوى أننى بالطبع لم أقع فى الأخطاء البديهية التى يقع فيها اى روائي أو سينارسيت مثلما نشاهد فى السينما أو بعض الكتابات ، اما وصف المشاهد والمشاعر فبالتاكيد راجعة لكوني روائي ولست قاضيا عندما اكتب رواية .

* الفساد والإرهاب قضيتان مشتركتان بين روايتيك البارمان والمرشد . لماذا ؟

لانهما وجهى العملة الرديئة التى نعانى منها وكأننا على موعد معهما دورة من الفساد يعقبها دورة مماثلة من الإرهاب والتطرف خرجنا من عصر فاسد إلى عهد متطرف إرهابي لم يستمر سوى عام والحمد لله تخلصنا منه لأن الله فى تقديري يريد أن تظل مصر بلدا امنا ،هذا هو حالنا للأسف وأتمنى أن نخطو خطوات حقيقية نحو أن نكون بلدا متحضرا يليق بالمصريين الحقيقين الذين فى اعتقادى لم يأخذوا فرصة حقيقية كاملة فى وطنهم حتى الأن .

* برأيك ما أهمية الجوائز بالنسبة للأديب ؟

لا أظن أن الكاتب عندما يكتب يفكر فى جائزة ، وأتحدث عن نفسي  ولكن الحصول عليها يعطى احساس بالتفوق لا غنى عنه وحافز جيد لمواصلة الإبداع وتكريم لمجهود بذل ، وعلى كل حال القارئ هو الجائزة الأهم والأبقى بالنسبة لي .
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق