نعرف جميعا أن الحد الفاصل بين العبقرية والجنون خيط رفيع جدا لا يتجاوز سمكه الشعرة ، وكثير من الذين تميزوا بعبقريتهم فى مجالات مختلفة كانت لهم مواقف يصفها غيرهم بالجنون أما بالنسبة لهم فهى تصرف طبيعى غير مخل بمبادئهم وقيمهم .
الدكتور أحمد عكاشة فى كتابه تشريح الشخصية المصرية الصادر عن دار الشروق يقول : ثمة رأيان فى تكوين العبقرى أولهما إما أنه ملهم عن طريق قوى غريبة ،وثانيهما إما أنه غير طبيعي أو مجنون .
ويضيف : لقد أهتم أفلاطون بدراسة العبقرية وكان له رأى ساقه فى جملة واضحة هى " إن الشاعر أو الفنان كائن أثيرى مقدس ذو جناحين لا يمكن أن يبتكر قبل أن يتلقى الوحى والإلهام فيفقد عقله أما إذا احتفظ الإنسان بعقله فلن يستطيع أن ينظم الشعر "
وفى فصل آخر من الكتاب يقول : هل هناك حقا شعرة دقيقة تفصل بين العبقرى والمجنون ؟ وهل تسقط هذه الشعرة أحيانا أو كثيرا ويتحول العبقرى إلى إنسان مجنون أم أن هذه الشعرة غير موجودة أساسا وبهذا تصبح العبقرية شكلا من أشكال اجنون أو يصبح الجنون مظهرا من مظاهر العبقرية . . ؟!
هناك الكثير من الأبحاث التى قام بها اأطباء النفسيون فى العالم لدراسة مدى انتشار المرض العقلى بين العباقرة فى شتى المجالات خاصة بين المؤلفين الموسيقيين وشملت الدراسة المصورين والشعراء والكتاب بل حتى العلماء والمخترعين ولعل من أمتع القراءات تلك التى تتناول حياة عباقرة العالم والأمر المثير هو أن حياتهم كانت غريبة فعلا وإن كانت قصيرة ، وإذا كان كل ما كتب أو قيل عنهم صادقا فلا شك فى أن حياة الكثيرين منهم كانت تتسم بالشذوذ ، والعبقرية فى حد ذاتها نوع من الشذوذ . . شذوذ عن القاعدة ، وشذوذ إحصائى أيضا ،فالعبقرية ظاهرة غير متكررة وغير موروثة وقصيرة الأجل أيضا .
ولاحظ أرسطو قديما أن معظم السياسيين والفلاسفة الشعراء يميلون إلى المزاج المتقلب بين الاكتئاب والمرح ، ونعرف جميعا أن فرجينيا ولف الأديبة البريطانية كتبت معظم إنتاجها فى أثناء فترات المرح أو الهوس إلى أن انتحرت فى آخر حياتها فى نوبة اكتئابية.
والمؤلف الموسيقى "أنطون بروكز " كان موسوسا بفكرة الموت دوما ، وكان يعانى من رغبة قهرية فى العد وهذا يؤكد أنه لم يكن شخصية قهرية فحسب بل كان يعانى من أعراض مرض الوسواس القهرى والذى من أعراضه أن يجد الإنسان نفسه مدفوعا لجمع أو طرح أى أرقام تقع عليها عيناه أو عد درجات أى سلم يصعد عليه أو عد كلمات صفحات كتاب يقرؤه وهكذا .
وبلغ حب الرسام الفنلندى فان جوخ لإمرأة حد الجنون حتى أنه قطع إحدى أذنيه وأهداها لها لأنها طلبت منه ذلك برهانا على حبه لها ، ولبعض الكتاب طقوس معينة يمارسونها عند البدء فى الكتابة ولكل كاتب طريقة تختلف عن الآخر فالفيلسوف الأديب فولتير لم يكن يستطيع الكتابة إلا إذا كان أمامه مجموعة من أقلام الرصاص وبعد أن ينتهى من الكتابة يحطمها ويلفها فى الورقة التى كتب فيها ثم يضعها تحت وسادته وينام .
أما عندما يقتنع الكاتب بمبدأ ما ويرسخ لديه نجده يسعى إلى تنفيذه حتى لو تعارض مع آراء من حوله فالكاتب والقاص الرائع تولستوى والذى حاول إصلاح المجتمع بالعدل والمحبة ومن أشهر رواياته ( الحرب والسلام ، الجريمة والعقاب ، آنا كارنينا ) فشل فى دراسته وكان فى مطلع حياته ينفق أمواله على الترف والبذخ ، أما فى الشطر الأخير منها فكان يرتدى ثياب الفلاحين ويصنع أحذيته بيديه ويكنس غرفته بنفسه ويأكل فى طبق من خشب ، والسؤال المير هو : هل يستطيع الكاتب أن يفصل حياته الخاصة عن كتاباته ؟! والإجابة بالقطع لا ، لأن حياة الكاتب الشخصية تؤثر على كتاباته ولو بجزء ضئيل ، ولكن ما يهمنا فى المقام الاول هو كتاباته لا حياته الخاصة ، فالكاتب الكسندر ديماس ( الأب ) صاحب الفرسان الثلاثة ، والكونت دى مونت أوف كريستو ، كان أكولا وزير نساء ، فتبرأ منه أبنائه بعد أن تعددت مغامراته النسائية حتى وهو فى سن متقدم وعاش أيامه الاخيرة فى فقر وبؤس حتى اضطر إلى بيع ملابسه ومحتوياته ومحتويات بيته ، و" أنا أفكر إذن أنا موجود " هذه أشهر عبارات الفيلسوف والرياضى رينيه ديكارت وصاحب المؤلفات التى أوجدت تأثيرا بالغا فى الفكر الأوربى ، وبالرغم من ذلك كان ذا شخصية معقدة للغاية وعرف عنه غرامياته المتعددة بالغانيات وهو الذى كرس حياته لخدمة الإنسانية .
أما السياسى والأديب فرانسيس بيكون فأتهم أكثر من مرة بالرشوة وخان أقرب أصدقائه نظير مبلغ من المال وقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ، فتميزت شخصيته بالتناقض العجيب بعد أن وضع مؤلفه العظيم ( تقدم العلم ) أصبح رئيسا لغرفة التعذيب الخاصة بالبلاط الملكى .
والقاص الفرنسى بلزاك الذى درس أحوال عصره دراسة دقيقة فكان من عاداته الغريبة التى عرفت عنه أنه عندما يسير فى أحد الشوارع يسجل أرقام المنازل فى ورقة ثم يجمع هذه الأرقام فإذا كان المجموع مضاعفا للرقم ثلاثة شعر بسعادة بالغة لنه يتفائل بهذا الرقم أما إذا لم يكن المجموع كذلك فإنه يغير اتجاهه إلى شارع آخر .
الكاتب والشاعر الايرلندى أوسكار وايلد فكان غريب الأطوار حيث يطيل شعره كالنساء ويزين غرفته بالزنابق5 وريش الطاووس ، وحكم بالسجن أكثر من مرة لاتهامه فى جرائم أخلاقية ،أما الشاعر شيلى الذى كرس حياته للشعر واستحوذ على كل تفكيره واهتمامه فكانت حياته عبارة عن فترات متعاقبة من النوم والقراءة وعرف عنه أيضا عدم اهتمامه بتناول الطعام حتى أنه كان ينسى أن يتناول شيئا منه لعدة أيام متوالية .
ولم يكن محمد بن عبد الملك الزيات من رؤؤس المعتزلة وذلك أيام بلوغ المعتزلة أعلى المراتب أيام حكم المأمون والمعتصم وبعض أيام المتوكل ، ولكنه كان يقول بأفكارهم ويتبنى مقولاتهم ويضيف إلى ذلك ولعا بالشعر وتمكنا من نتظمه إلى جانب ثقافة أدبية وإخبارية جعلته الأقرب إلى الجاحظ من جميع الذين عاشرهم فى بغداد وهذا ما دفعه غلى الانتقال للعيش بجواره فى سامراء قبل أن يصبح وزيرا للمعتصم ثم للواثق ومن بعدهما المتوكل .
وكان وصول ابن الزيات للوزارة إحدى عجائب ذلك العصر فهو تاجر ابن تاجر وكل صلاته بقصر الخلافة بأت من المطبخ حيث كان يورد الزيت والبصل والخضار وبضائع اخرى لمطبخ الخلافة ، لكن طموحه الكبير وطول معاشرته للادباء والكتاب جعل صدره يضيق بصفة متعهد غذائى ودفعه إلى تسخير ماله وأصحابه فى حزب الاعتزال ليغير طبيعة عمله فلما استوزر وحقق المراد وتم له ما أراد وتذوق السلطة واستحكم منها شبقها انقلبت شخصيته فى المنصب انقلابا كاملا وتحول المفكر الحر والشاعر الرقيق والأديب المرهف إلى جلاد حقيقى لم تعرف الخلافة له مثيلا فهو اول من جدد فى وسائل القمع وبالغ فى مسألة التعذيب بالتنور ، ووضع لذلك تنورا خاصا مليئا بالمسامير وكان يضع خصومه داخله ثم يحميه ويتفرج عليهم وهم يضعون رجلا ويرفعون الاخرى إلى أن تسود جلودهم من النار وحين يصرخ أحدهم طالبا الرحمة كان ابن الزيات يصم أذنيه ويتشاغل بإطعام كلابه وطيوره .
ولهذا المثقف الذى أفسدته الطبيعة تنسب العبارة المخيفة ( الرحمة خور فى الطبيعة ) وبما أنه طبقها عمليا ولم يكتف بإطلاقها نظريا فإنه لم يجد من يعطف عليه أو يرحمه حين أتاه الدور ليجرب بنفسه اختراعه العجيب حين سقطت وزارته ، وليت هذا المثقف اتعظ بما قاله له صديقه الجاحظ فى رسالة له ( ما عندى لك غلا ما قاله الدهقان لأسد بن عبد الله وهو على خرسان ..... إن كنت تعطى من ترحم فارحم من تظلم إن السموات تنفرج لدعوة المظلوم ، فأحذر من ليس له ناصر إلا الله ولا جنة إلا الثقة بنزول الغير ولا سلاح إلا الابتهال إلى مولى لا يعجزه شئ . . . يا أسد إن البغى يصرع أهله وإن الظلم مرتعه وخيم فلا تغتر بإبطاء العقاب من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث ) .
ويضيف : لقد أهتم أفلاطون بدراسة العبقرية وكان له رأى ساقه فى جملة واضحة هى " إن الشاعر أو الفنان كائن أثيرى مقدس ذو جناحين لا يمكن أن يبتكر قبل أن يتلقى الوحى والإلهام فيفقد عقله أما إذا احتفظ الإنسان بعقله فلن يستطيع أن ينظم الشعر "
وفى فصل آخر من الكتاب يقول : هل هناك حقا شعرة دقيقة تفصل بين العبقرى والمجنون ؟ وهل تسقط هذه الشعرة أحيانا أو كثيرا ويتحول العبقرى إلى إنسان مجنون أم أن هذه الشعرة غير موجودة أساسا وبهذا تصبح العبقرية شكلا من أشكال اجنون أو يصبح الجنون مظهرا من مظاهر العبقرية . . ؟!
هناك الكثير من الأبحاث التى قام بها اأطباء النفسيون فى العالم لدراسة مدى انتشار المرض العقلى بين العباقرة فى شتى المجالات خاصة بين المؤلفين الموسيقيين وشملت الدراسة المصورين والشعراء والكتاب بل حتى العلماء والمخترعين ولعل من أمتع القراءات تلك التى تتناول حياة عباقرة العالم والأمر المثير هو أن حياتهم كانت غريبة فعلا وإن كانت قصيرة ، وإذا كان كل ما كتب أو قيل عنهم صادقا فلا شك فى أن حياة الكثيرين منهم كانت تتسم بالشذوذ ، والعبقرية فى حد ذاتها نوع من الشذوذ . . شذوذ عن القاعدة ، وشذوذ إحصائى أيضا ،فالعبقرية ظاهرة غير متكررة وغير موروثة وقصيرة الأجل أيضا .
ولاحظ أرسطو قديما أن معظم السياسيين والفلاسفة الشعراء يميلون إلى المزاج المتقلب بين الاكتئاب والمرح ، ونعرف جميعا أن فرجينيا ولف الأديبة البريطانية كتبت معظم إنتاجها فى أثناء فترات المرح أو الهوس إلى أن انتحرت فى آخر حياتها فى نوبة اكتئابية.
والمؤلف الموسيقى "أنطون بروكز " كان موسوسا بفكرة الموت دوما ، وكان يعانى من رغبة قهرية فى العد وهذا يؤكد أنه لم يكن شخصية قهرية فحسب بل كان يعانى من أعراض مرض الوسواس القهرى والذى من أعراضه أن يجد الإنسان نفسه مدفوعا لجمع أو طرح أى أرقام تقع عليها عيناه أو عد درجات أى سلم يصعد عليه أو عد كلمات صفحات كتاب يقرؤه وهكذا .
وبلغ حب الرسام الفنلندى فان جوخ لإمرأة حد الجنون حتى أنه قطع إحدى أذنيه وأهداها لها لأنها طلبت منه ذلك برهانا على حبه لها ، ولبعض الكتاب طقوس معينة يمارسونها عند البدء فى الكتابة ولكل كاتب طريقة تختلف عن الآخر فالفيلسوف الأديب فولتير لم يكن يستطيع الكتابة إلا إذا كان أمامه مجموعة من أقلام الرصاص وبعد أن ينتهى من الكتابة يحطمها ويلفها فى الورقة التى كتب فيها ثم يضعها تحت وسادته وينام .
أما عندما يقتنع الكاتب بمبدأ ما ويرسخ لديه نجده يسعى إلى تنفيذه حتى لو تعارض مع آراء من حوله فالكاتب والقاص الرائع تولستوى والذى حاول إصلاح المجتمع بالعدل والمحبة ومن أشهر رواياته ( الحرب والسلام ، الجريمة والعقاب ، آنا كارنينا ) فشل فى دراسته وكان فى مطلع حياته ينفق أمواله على الترف والبذخ ، أما فى الشطر الأخير منها فكان يرتدى ثياب الفلاحين ويصنع أحذيته بيديه ويكنس غرفته بنفسه ويأكل فى طبق من خشب ، والسؤال المير هو : هل يستطيع الكاتب أن يفصل حياته الخاصة عن كتاباته ؟! والإجابة بالقطع لا ، لأن حياة الكاتب الشخصية تؤثر على كتاباته ولو بجزء ضئيل ، ولكن ما يهمنا فى المقام الاول هو كتاباته لا حياته الخاصة ، فالكاتب الكسندر ديماس ( الأب ) صاحب الفرسان الثلاثة ، والكونت دى مونت أوف كريستو ، كان أكولا وزير نساء ، فتبرأ منه أبنائه بعد أن تعددت مغامراته النسائية حتى وهو فى سن متقدم وعاش أيامه الاخيرة فى فقر وبؤس حتى اضطر إلى بيع ملابسه ومحتوياته ومحتويات بيته ، و" أنا أفكر إذن أنا موجود " هذه أشهر عبارات الفيلسوف والرياضى رينيه ديكارت وصاحب المؤلفات التى أوجدت تأثيرا بالغا فى الفكر الأوربى ، وبالرغم من ذلك كان ذا شخصية معقدة للغاية وعرف عنه غرامياته المتعددة بالغانيات وهو الذى كرس حياته لخدمة الإنسانية .
أما السياسى والأديب فرانسيس بيكون فأتهم أكثر من مرة بالرشوة وخان أقرب أصدقائه نظير مبلغ من المال وقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ، فتميزت شخصيته بالتناقض العجيب بعد أن وضع مؤلفه العظيم ( تقدم العلم ) أصبح رئيسا لغرفة التعذيب الخاصة بالبلاط الملكى .
والقاص الفرنسى بلزاك الذى درس أحوال عصره دراسة دقيقة فكان من عاداته الغريبة التى عرفت عنه أنه عندما يسير فى أحد الشوارع يسجل أرقام المنازل فى ورقة ثم يجمع هذه الأرقام فإذا كان المجموع مضاعفا للرقم ثلاثة شعر بسعادة بالغة لنه يتفائل بهذا الرقم أما إذا لم يكن المجموع كذلك فإنه يغير اتجاهه إلى شارع آخر .
الكاتب والشاعر الايرلندى أوسكار وايلد فكان غريب الأطوار حيث يطيل شعره كالنساء ويزين غرفته بالزنابق5 وريش الطاووس ، وحكم بالسجن أكثر من مرة لاتهامه فى جرائم أخلاقية ،أما الشاعر شيلى الذى كرس حياته للشعر واستحوذ على كل تفكيره واهتمامه فكانت حياته عبارة عن فترات متعاقبة من النوم والقراءة وعرف عنه أيضا عدم اهتمامه بتناول الطعام حتى أنه كان ينسى أن يتناول شيئا منه لعدة أيام متوالية .
ولم يكن محمد بن عبد الملك الزيات من رؤؤس المعتزلة وذلك أيام بلوغ المعتزلة أعلى المراتب أيام حكم المأمون والمعتصم وبعض أيام المتوكل ، ولكنه كان يقول بأفكارهم ويتبنى مقولاتهم ويضيف إلى ذلك ولعا بالشعر وتمكنا من نتظمه إلى جانب ثقافة أدبية وإخبارية جعلته الأقرب إلى الجاحظ من جميع الذين عاشرهم فى بغداد وهذا ما دفعه غلى الانتقال للعيش بجواره فى سامراء قبل أن يصبح وزيرا للمعتصم ثم للواثق ومن بعدهما المتوكل .
وكان وصول ابن الزيات للوزارة إحدى عجائب ذلك العصر فهو تاجر ابن تاجر وكل صلاته بقصر الخلافة بأت من المطبخ حيث كان يورد الزيت والبصل والخضار وبضائع اخرى لمطبخ الخلافة ، لكن طموحه الكبير وطول معاشرته للادباء والكتاب جعل صدره يضيق بصفة متعهد غذائى ودفعه إلى تسخير ماله وأصحابه فى حزب الاعتزال ليغير طبيعة عمله فلما استوزر وحقق المراد وتم له ما أراد وتذوق السلطة واستحكم منها شبقها انقلبت شخصيته فى المنصب انقلابا كاملا وتحول المفكر الحر والشاعر الرقيق والأديب المرهف إلى جلاد حقيقى لم تعرف الخلافة له مثيلا فهو اول من جدد فى وسائل القمع وبالغ فى مسألة التعذيب بالتنور ، ووضع لذلك تنورا خاصا مليئا بالمسامير وكان يضع خصومه داخله ثم يحميه ويتفرج عليهم وهم يضعون رجلا ويرفعون الاخرى إلى أن تسود جلودهم من النار وحين يصرخ أحدهم طالبا الرحمة كان ابن الزيات يصم أذنيه ويتشاغل بإطعام كلابه وطيوره .
ولهذا المثقف الذى أفسدته الطبيعة تنسب العبارة المخيفة ( الرحمة خور فى الطبيعة ) وبما أنه طبقها عمليا ولم يكتف بإطلاقها نظريا فإنه لم يجد من يعطف عليه أو يرحمه حين أتاه الدور ليجرب بنفسه اختراعه العجيب حين سقطت وزارته ، وليت هذا المثقف اتعظ بما قاله له صديقه الجاحظ فى رسالة له ( ما عندى لك غلا ما قاله الدهقان لأسد بن عبد الله وهو على خرسان ..... إن كنت تعطى من ترحم فارحم من تظلم إن السموات تنفرج لدعوة المظلوم ، فأحذر من ليس له ناصر إلا الله ولا جنة إلا الثقة بنزول الغير ولا سلاح إلا الابتهال إلى مولى لا يعجزه شئ . . . يا أسد إن البغى يصرع أهله وإن الظلم مرتعه وخيم فلا تغتر بإبطاء العقاب من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث ) .
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق