إفيهات الرقيب فى الصحافة المصرية والعربية قديما




بدأت الرقابة على الصحف فى مصر سنة 1939 وفترات قليلة جدا فقط هى التى عاشت فيها الصحف قديما بدون رقابة والتى كانت مفروضة فى أشيباء غريبة جدا ،فعندما فرضت الرقابة كان مصطفى أمين رئيس تحرير " آخر ساعة " ويقول فى محاضر الجمعة الشهيرة عن الرقابة " كان رئيس الوزراء فى ذلك الوقت هو على ماهر ، قال تفرض الرقابة على الاخبار العسكرية ، وأن كل الاخبار عن الوزراء مصرح بها وكان الأعداء فى ذلك الوقت الألمان ، فأعددت آخر ساعة على أساس البعد عن الأنباء العسكرية، وجاء الرقيب وشطب على النكت والأخبار والتعليقات وشطب بالقلم الأحمر على أخبار المسارح والسينما وقال هذه تعليمات شعير بك الذى قال أننا نستغل الرقابة لرفع مستوى الصحافة ( وإيه أخبار أم كلثوم وعبد الوهاب ، إحنا عاوزين أخبار النحت والموسيقى والتصوير ) فقلت له – والكلام لمصطفى أمين – نكتب عن شارلى شابلن فكان رده أنه مهرج وليس من المعقول الناس تحارب ونكتب عن شارلى شابلن فأخبرته بأننا سنكتب نقد لديوان ابن الرومى ولم يكن يعرف أنه شاعر عربى فقال التعليمات ألا ننقد الحلفاء ، واتصلت بعلى ماهر وطلبت منه تعيين صحفيين رقباء وفعلا عين ثلاثة صحفيين وهم الاستاذ الصاوى ومحمد شوقى وتوفيق صليب والسبب فى أن على ماهر اقتنع أنى قلت له ( يقال أنك صرحت بأن الصحفيين حمير ولذلك عينت لهم شعير ) ودخل فى ذهنه هذا وعين الدكتور محمود عزمى مديرا للرقابة ، ورغم هذا لم تكن أيام الصاوى سعيدة فى الرقابة فهو جاء بعقلية الجزار وقال التعلبيمات عندى افتك . . . افتك .
أحمد أفندى سلطة وصل بسلامة الله: 

هذا فى الصحافة المصرية ولم تكن الجرايد فى باقى الدول العربية بمنأى عن مقص الرقيب فقد أرادت جريدة المصباح فى بيروت نشر الاعلان التالى " بيت مؤلف من أربعة غرف ملك محمد على الطرابلسى للإيجار وعلى الراغبين مخابرة صاحبه "وكان لبنان فى تلك الأيام تابعا للدولة العثمانية وكانت الرقابة مفروضة على صحف لبنان ، وقرأ الرقيب الإعلان واعترض على كلمة " ملك " وقال لا ملك إلا الذات الشاهانية !! وحاولت الجريدة أن تفهمه أن كلمة ملك معناها أن محمد على الطرابلسى هو صاحب البيت !!ولكن الرقيب أبى أن يفهم وحذف كلمة ملك ووضع بدلا منها إمبراطور ليظهر الإعلان فى جريدة المصباح كالآتى " إن دار الإمبراطور محمد على الطرابلسى معدة للأجرة وهى مكونة من أربع غرف " .

وأرادت صحف بيروت أن تنشر خبر وصول " أحمد أفندى سلطانى " ورفض الرقيب أن ينشر الخبر لأنه لا يجوز لإنسان أن يسمى نفسه سلطانى لأن هذا هو لقب السلطان ، وطلب أن يكتفى بذكر أن أحمد أفندى وصل إلى بيروت ، ولكن الصحف اعترضت بأن بيروت فيها الوف اسمهم أحمد أفندى وعندئذ قال الرقيب : إذن نغير اسمه ونجعله احمد افندى سلطة !! ، وظهرت صحف بيروت وفيها أن أحمد أفندى سلطة وصل بسلامة الله !!

صحة الرئيس الفرنسى منحرفة بينما هو متوفى: 

ووصلت برقية إلى الصحف بأن المسيو كارنو رئيس جمهورية فرنسا قد اغتيل فى مدينة ليون بضربة خنجر من يد شاب اسمه " كازاريو " ورفض الرقيب بإصرار نشرهذا الخبر لأنه يؤدى إلى إفهام الناس أنه من الممكن اغتيال السلطان ، وطلب من الجرايد الاكتفاء بالقول بأن فخامة رئيس جمهورية فرنسا انحرفت صحته واعترض المحررون كيف يقولون أن صحة الرئيس منحرفة بينما هو موجود فى السماء ، وأخيرا وافق الرقيب أن تنشر الصحف النبأ التالى " إلى جنة الخلد . . . ساءت صحة فخامة رئيس جمهورية فرنسا بسبب تقدمه فى السن فانتقلت روحه إلى بارئها " ، وبدأت الصحف تستعد لنشر الخبر كما صرح به الرقيب وفجأة اتصل البوليس بجميع الصحف وطلب إليها أن توقف الطبع لأن الرقيب بعدما عرض الأمر على الوالى التركى الذى اعترض على صيغة الخبر فكيف يقال أن رئيس الجمهورية المسيحى ذهب إلى جنات الخلد والمفروض أن الجنة لا يدخلها إلا المسلمين ، ثم كيف يقال أن رئيس الجمهورية مات بسبب تقدمه فى السن وجلالة السلطان عبد الحميد متقدم فى السن وأعتبر ذلك إيحاء للرأى العام بأن جلالة السلطان ممكن أن يموت !! وفى ذلك إثارة للخواطر وإقلاق للأمن العام !! ، ونشر النبأ التالى " انتقل فخامة رئيس جمهورية فرنسا إلى رحمة الله " .

ملكة انجلترا " حشمتلها ": 

وفهم الصحفيون أن نشر الخبر بهذه الصيغة قد أرضى ولاة الأمر ، ولكن ما كادت الصحف اللبنانية تصل إلى الباب العالى فى استانبول حتى قامت الدنيا وقعدت ، فإن السلطان عبد الحميد رأى فى نشر الخبر بهذه الصورة إهانة للذات العليا الشاهانية ، إذ كيف يسمى رئيس جمهورية بلقب صاحب الفخامة لأن الفخامة وحدها من حق السلطان وأصدر الأوامر إلى جميع صحف بيروت بالتعليمات التالية : لا يعطى صاحب الفخامة أوالجلالة أو العظمة إلا السلطان وحده دون سواه ، يلقب الملوك والامبراطوريين والسلاطين فى باقى انحاء العالم بلقب " حشمتلو " ، وحدث أن أراد أح الصحفيين أن يكتب خبر عن ملكة إنجلترا وحار فى تسميتها فلا يستطيع أن يسميها صاحبة الجلالة وكذلك حشمتلو فكتب يقول حشمتلها أى مؤنث حشمتلو .

وقرأ الرقيب الخبر فغضب وثار وأصدر التعليمات التالية : لا يجوز تسمية ملكة الانجليز بلقب حشمتلها ويكتفى بلقب حضرة ، يلقب شاه العجم بلقب شهامتلو بصفة استثنائية نظرا لموقفه الودى من الحضرة العلية ، لا يسمح بتسمية سلطان زنجبار بأنه سلطان بل يقال حاكم زنجبار والسلطان الوحيد هو حضرة صاحب الجلالة السلطان عبد الحميد دون سواه .

ثم زادت حدة الرقابة فأصبحت تتناول الألفاظ نفسها فأصدر الرقيب بألا تنشر كلمة جمهورية لأن السلطان يخشى أن تقوم ثورة تعلم الجمهورية ، لهذا اختفى اسم جمهورية أمريكا أو فرنسا من الصحف فإذا أراد صحفى أن يشير إلى رئيس جمهورية ما فيكتفى بذكر رئيس كذا أو حاكم دولة كذا دون أن يشير إلى أنها جمهورية وتمادى المنع أكثر وأكثر ، وذات يوم صودرت جريدة " لسان الحال " فى بيروت لأنها نشرت إعلان هذا نصه " نعلن للجمهور أن الخواجة جورج دياس قد فتح محلا لبيع الأحذية " ، وأصر الرقيب على ضرورة تغيير صيغة الاعلان وجعلها " نعلن للعموم أن الخواجة جورج دياس ......." ، وذلك لأن الجمهور يذكر الشعب بالجمهورية .

وانتقلت الرقابة إلى الأغانى: 

وحدث أن ذهب المطرب المصرى المعروف عبده الحامولى إلى الآستانة ودعاه السلطان إلى إقامة حفلة ساهرة فى القصروقبل أن تبدأ الحفلة أسرع إليه أحد رجال الحاشية وطلب إليه أن يكتب فى ورقة كلمات الأغنية التى ينوى إنشادها وكتب الحامولى أغنيته المشهورة :
غاب عن عينى مرادى
وانهمل دمعى حبيب
عز من يشفى فؤادى
عندما غاب الحبيب
وقرأ الوزير التركى الأغنية وأرتعش وتلعثم وصرخ : مستحيل . . . مستحيل أن تغنى هذه الأغنية فى حضرة السلطان ودهش الحامولى وسأل لماذا ؟! فرد عليه الوزير بأنها دعوة للثورة وراح الحامولى يؤكد له أنها مجرد أغنية غرامية ، وأسرع الوزير إلى الصدر الأعظم الذى أستدعى بدوره الوزراء الذين يعرفون العربية والذين لا يعرفونها ، وعاد الوزير إلى عبده الحامولى أن يغير كلمات الأغنية لأنه إذا سمعها السلطان فسوف يشنق الوزير الذى أقترح دعوة عبده الحامولى للغناء فى القصر .

وقال الوزير أن كلمة " مرادى " هى التى تسبب كل هذا الاشكال ، والسلطان مراد هو عدو السلطان فلا يجوز أن تذكر الناس به ، ولذلك يجب أن تغير كلمة مرادى فرد عليه الحامولى بأن البيت سيصبح مكسور فقال الوزير " خير لنا أن نكسر بيت من الشعر من أن يكسر السلطان رأسى ورأسك ورأس نصف مجلس الوزراء ، واضطر الحامولى أن يغير كلمة مرادى بكلمة حبيبى وراح يغنى غاب عن عينى حبيبى ، وكان الوزراء يسمعون عبده الحامولى ويهزون رؤوسهم طربا فإن كلمة حبيبى هذه أنقذت رؤوس نصف أعضاء مجلس الوزراء .

صدام كمال الدين
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق