محمود السعدنى . . أيـــام الـغـربــة والتشـرد والصمـود



محمود السعدنى

رغم البؤس والشقاء والمواقف المؤلمة التي تعرض لها محمود السعدني علي مدي مائة شهر أي ما يعادل 8 سنوات تقريباً، بلاد تشيل وبلاد تحط منذ خرج من مصر إلي لندن ثم إلي بيروت وليبيا وأبوظبي والعراق ودمشق والجزائر والكويت إلا أنه استطاع رصد فترة مهمة من تاريخنا لا يستهان بها واستطاع أن يكشف العديد من الأمور التي كانت تدور خلف الستار في واقعنا السياسي، ومواقف الحكام العرب من بعضهم البعض. 

والمؤكد أن السعدني لم يحلم في حياته أن يغادر أرض مصر إلا أنه اضطر إلي ذلك اضطراراً عندما يقول: ألقي القبض علي في عام 1971 نتيجة مؤامرة لإزاحة الجناح الناصري في السلطة المصرية واعتبرت أنا رأس الحربة في هذا الجناح ولم يغفر لي الدور الذي لعبته علي المستوي الشعبي في صف الحكم الوطني أيام عبدالناصر، ولم أعلم بهذه المؤامرة إلا عندما بدأ النائب العام استجوابي، كانت كل جريمتي أنني رويت أكثر من نكتة علي رئيس الجمهورية، وفوجئت بأنني مفصول من مؤسسة روزاليوسف ، وأنني ممنوع من الكتابة ومحظور علي الصحف نشر اسمي حتي في الوفيات وعدت من جديد أطالب بعودتي إلي روزاليوسف وكان من الممكن أن أستمر في المطالبة مع استمراري في العمل بالمقاولون العرب غير أنني اكتشفت فجأة ما جعلني أتخذ قراري بمغادرة مصر إلي بلاد الله لخلق الله.

فقررت الخروج من مصر، ولكن المشكلة أنه لكي أحصل علي تأشيرة السفر علي أن أتي بجواب من المقاولين العرب والتي اكتشفت أنني لا أعمل بها وإنما أنا مرفود من الصحافة والمقاولات أيضا وعثمان أحمد عثمان يعطيني مرتبي من جيبه ثم تم سفري إلي لندن واضطررت إلي الاستدانة من المصريين المقيمين خارج مصر لأوفر نفقات علاج ابنتي.

ويحكي السعدني: وبعد أيام طويلة امتدت إلي أسابيع أحسست بالراحة تملأ نفسي وبالطمأنينة تخفق مع شرايين قلبي، لقد قررت العودة نعم قررت العودة إلي الصحافة.

وركبت الطائرة إلي الدوحة وقابلت صالح الحسيني رئيس تحرير مجلة العهد ومن أول نظرة للأخ الحسيني أدركت أنني لن أعمل معه، وانتهت مفاوضاتي معه بالفشل وتركت الدوحة رغم توسلات زكريا الحجاوي، وهكذا طرت من جديد إلي أبوظبي وفاتحني الزميل مصطفي شردي لأعمل في دار الوحدة ثم قضيت عشرة أيام داخل دار الوحدة ثم قررت أن أهرب من الدار ومن أبوظبي كلها، لأنني اكتشفت قانونا غير مكتوب وهو أن موازين القوي في الخليج تحتم تعيين أعداد مختلفة من جميع الجنسيات في العمل الواحد وقد يكون مفيدا تطبيق مثل هذا القانون في عمل تجاري مثلاً، ولكن في عمل صحفي.. اسمحلي.

ويكمل السعدني جولاته في عواصم العالم قائلاً: هبطت بي الطائرة صباح عيد رأس السنة 1975 في بيروت وبدأت البحث عن عمل، وفي هذه الظروف التي هي أسود من قرن الخروب اتصل بي الأستاذ طلال سلمان رئيس تحرير السفير وعرض علي العمل عنده فطلبت منه أن يمهلني ثلاثة أيام لأفكر في الأمر، ولكنه بادر في اليوم التالي ونشر خبراً في الجريدة يعلن فيه انضمامي إلي أسرة التحرير ككاتب، فوافقت وكتبت مقالا عن الكاتب الذي فقد الوعي.. توفيق الحكيم.

وعشت أيامي في بيروت في رعب قاتل كان التليفون يدق أحياناً وأحياناً كان ينبعث من التليفزيون صوت أشبه بالفحيح، وفي ظلام الليل كان باب الغرفة يدقه شخص ما دقات رتيبة منتظمة وعندما افتح لا أجد أحداً هناك.

وكأن الحياة قد تحالفت ضدي بخطف الأصدقاء فمات عبدالحليم حافظ وأنا في المنفي محمد علوان، وصلاح منصور، الشيخ عبدالحميد قطامش، لكي ابقي غريبا بين غرباء في بلد غريب. وتلقيت دعوة لزيارة ليبيا وكانت هذه أول خطوة في رحلة الأسي والضياع، وقابلني العقيد القذافي، وسألني: لماذا لم تحضر إلي ليبيا بعد خروجك من مصر مباشرة فقلت له: إن الأشياء مرهونة بأوقاتها وعلي كل حال هأنذا في ليبيا أخيراً وأخبرني بأنه توسط لدي السادات وانتهت المقابلة بعد منتصف الليل بوقت طويل، وتقابلت معه مرة ثانية وحكيت له عن مرض ابنتي هالة، وفي الصباح كنت أغادر ليبيا إلي لندن ودخلتها هذه المرة كالأسد لأنه خلال عدة شهور سيأتيني قرار الثورة الليبية بعلاج هالة في لندن، وعلي مدي شهرين في لندن كانت جيوب العبد لله قد أصبحت أنظف من الصيني بعد غسيله، وفي أحد الأيام اتصلت بي سفارة الإمارات في لندن وطلب إلي المتحدث الحضور فوراً لأمر هام، وعرفت بعد ذلك أنهم قرروا أن يصرفوا لي بدل سفر منذ وصلت حتي مغادرتي لندن، ومرت الأيام بين علاج هالة عند عدد مختلف من الأطباء، وبعد أن شفيت هالة وعادت إلي القاهرة، لم يبق لي إلا أن أحدد مصيري وأختار مستقبلي، والبلد الذي أستقر فيه فاخترت أبوظبي وكان لدي عرض للعمل كمدير لإدارة الصحافة المدرسية في أبوظبي، وتنقلت بين العديد من الصحف مع تغييرات كثيرة في الحياة السياسية وأيضاً نتيجة لسوء علاقتي بالرئيس السادات وهو ما أدي إلي تركي للعديد من الأعمال خاصة الصحفية.

وأثناء وجوده في الكويت اتفق السعدني علي العمل مع أحمد الجارالله بجريدة السياسة حيث قال: عندما اتفقت علي العمل معه في جريدة السياسة أصررت علي كتابة عقد لمدة سنة، وقال الجار الله أنه لا يكتب عقدا مع أحد وأضاف ولكني سأكتب عقدا معك إذا أصررت علي ذلك، وقلت لأحمد الجارالله: أنا لا أخشي سوء تصرف يحدث من جانبك، ولكن أخشي أمورا قد تحدث خارجة عن إرادتك ولكن إذا ضمنت لي عاما علي الأقل، فسأقبل العمل معك بدون عقود.

فقد كتب السعدني مقالا لنقد ادعاءات المستشار أنور حبيب الذي كان يشغل منصب المدعي الاشتراكي في عهد الرئيس أنور السادات فقد أكد السعدني: قد اتهمني مع عشرات من الكتاب والصحفيين بالخيانة العظمي؛ وكتبت مقالي بعنوان «من الخائن العظيم محمود السعدني إلي المدعي الاشتراكي»، فقال للمستشار، «أنت مدعي أي نعم ولكن اشتراكي لا! لأن الاشتراكية ماتت منذ زمن بعيد وأنت أحد أسباب موتها».

كان لقاء السعدني بالرئيس العراقي صدام حسين الذي استمر ساعة كاملة من الزمن وصفه السعدني بأنه لقاء بين زعيم عربي يؤمن بالعروبة، وبين صحفي عربي هارب من حكومته ولاجئ إلي العراق، ولذلك كان حريصاً أشد الحرص علي معرفة السبب الذي دفعني للتفكير في الرحيل من بغداد. فلما صارحته بأن بعض الموظفين قد أحالوا حياتي في العراق إلي جحيم أجابني في هدوء: هذا الصنف موجود هنا في العراق!!

وعند عودة السعدني مرة أخري للخليج كتب في الطائرة فقال عن الخليج «لا أبالغ إذا قلت أنه لا مثيل لجو الخليج في الشتاء علي ظهر الأرض وعلي شاطئ الخليج قضيت أجمل أيام حياتي أنام عميقا واصطاد السمك أحياناً، واضحك من الأعماق.


صدام كمال الدين - رانيا علوى
11 مايو 2010
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق