يُنادى " صدام " فيضحك الناس أو يلعنون
صدام . .
هكذا ينادى المنادى فى الأسواق أو فى ميدان عام ، ينتبه العابرون فجأة ، يعتريهم الصمت لحظات حين يسمعون شخصاً يجيب ب" نعم " ، ثم يتناثرون كما جاءوا ، بينهم من على شفتيه ابتسامة ، ومنهم المتمنى عودة أيام صدام ، وأغلبهم لاعنٌ على صدام ومن نودى به .
هكذا أصبح اسمى يمثل حاجزاً كبيراً بينى . . وبينى ، ومن الغريب أننى وابن عمى نتشارك نفس الاسم . . ونفس العمر ، وأعمل فى مجال الصحافة ويعمل هو فى المملكة العربية السعودية ، وقبل إحتلال العراق كنا نفخر بإسمنا لما له من رنين وأننا نشبه أحد أبطال العرب وزاد يقيننا هذا عندما صمد صدام حسين فى وجه الجيش الامريكى ، ولكن بعد الأحداث الأخيرة وإحتلال العراق وإعدام صدام حسين بدأت تواجهنا تعليقات أقرب ما تكون إلى السخافة ، فيفاجأ ابن عمى بمجرد دخوله أراضى السعودية ومعرفة كفيله باسمه ليقول له صراحة " ورب الكعبة لو أعلم ان اسمك صدام لكنت رجعتك لبلدك من المطار " ليس هذا فقط وانما يتعرض لمضايقات بسبب شئ لا يد له فيه ، وبحكم عملى فى مجال الصحافة كنت معرضا لمقابلة فنانين عراقيين خرجوا من العراق هربا من بطش صدام وولديه عدى وقصى كالفنان كاظم الساهر والذى أجريت معه حواراً فى عام 2005 بدون ان يعلم اسمى الحقيقى وذلك خوفا من عدم قبوله بإجراء الحوار أو طردى من المكان الذى أجريت به الحوار .
وفى موقف اخر تصادف وجودى فى معرض الكتاب وقابلت اخى ومعه الشاعر كريم العراقى وهو شاعر معروف وكتب العديد من الاغانى للفنان كاظم الساهر، وبدأت فيما بيننا رحلة التعارف كالتالى الشاعر كريم العراقى .. اخويا صدام .. ، وكان الرد من جانب كريم " نعم .. هو أنا تركت العراق وهربت منك 14 عاماً وأعود لأجدك فى مصر " وهو من التعليقات اللطيفة التى سمعتها إلى الآن .
وفى موقف اخر كنت فى زيارة لوالد أحد أصدقائى وكان فى المستشفى حيث يعانى من كسر فى إحدى رجليه وبعد أن تعارفنا وجلست بعض الوقت نظر إلى فجأة وقال " غير اسمك ده " وبطبيعة الحال سألته " ليه " فقال لى " هو أنت اسمك عاجبك كدا " فقلت له " أنا بقالى 25 سنة بالاسم ده ، وبعدين إتعودت عليه وما ينفعش أغيره " قال لى فى عصبية وضيق وتبرم " هو اسمك معناه ايه " وبعد خمسة دقائق من التفكير قلت له " مشتق من فعل صدم " فنظر إلى كمن فاض به الكيل أو كمن لا يحتاج إلى دليل أكثر من هذا " وأنت عاجبك كدا تمشى بالاسم ده " وحاولت أن أجاريه فى المناقشة وقلت له لكن لكى أغير اسمى يجب أن أرفع قضية على والدى حسبما سمعت ، فكان الإنفجار من ناحيته " إرفع عليه قضية أو إحبسه أحسن ماتمشى بالاسم ده ، وماتكلمنيش فى الموضوع ده تانى " وأضطررت خوفا على صحته ولكونه مريضا ان اقفل باب المناقشة فى هذا الاسم وأنتقل لموضوع آخر نزولأً على رغبته .
ولا ينتهى الوضع عند هذا فهناك أخرين يتم تسميتهم تيمناً برؤساء عرب أخرين مثل السادات والقذافى وفيصل وطلال وسعودى ، ولكن الأكثر لفتاً للنظر من بين هذه الأسماء صدام والقذافى ربما لأن غيرهم من الأسماء منتشرة ومتداولة بعض الشئ بين الناس .. ربما لأنهما أكثر رئيسين أثير حولهما الجدل ، أحدهم أعدم صبيحة عيد ، والثانى ألقى بميثاق الأمم المتحدة فى الأمم المتحدة على الأرض وألف الكتاب الأخضر ، يقول القذافى عبد الهادى أن اسمه سبب له الكثير من الشهرة والإحراج أيضاً فى نفس الوقت فلكون الاسم غريباً بعض الشئ ، وأيضاً هو اسم الرئيس الليبى معمر القذافى فكان يلفت نظر من حولى بمجرد نطقى به ، وأيضاً كان مسار سخرية البعض لما يحمله من دلالة جنسية خاصة عند المصريين ، فكان يتم إمطارى بوابل من النكات والتعليقات البذيئة ، وفكرت كثيراً فى تغيير هذا الاسم ولكنى تراجعت عن الفكرة لأننى حتى لو غيرت اسمى إلى أى اسم آخر فسينادينى الناس باسمى الذى اشتهرت به ، فبعد 35 عاما لا أعتقد أن الناس من الممكن أن تعتاد على اسمى الجديد ، حتى أولادى كانوا يعانون فى البداية من هذا الاسم والذى كان يصيبهم بالخجل ولكنهم بمرور الوقت إعتادوا عليه وأصبحنا لا نفكر فيه كثيرا .
ولا تتوقف المسألة عند أسماء بعض الرؤساء العرب وإنما تتخطاها إلى أسماء رؤساء وملوك أجانب فعلى سبيل المثال كشفت دراسة أن هناك 12 شخصا فى مصر يحملون اسم نابليون و10 جنكيز خان وواحد هولاكو .،كما أن الكاتب لينين الرملى له شقيق يسمى ستالين ، وقد حمل الأمر غرابة لهما عندما كبرا لكنهما اعتادا عليه مع مرور الأيام .
" لكل إنسان من اسمه شئ "هكذا عرفنا وسمعنا ، فما هو نصيب صدام أو عزرائيل أو غراب أو كتكوت أو البغل أو الجحش أو الغول أو أبو ستة ، من اسمائهم ، فالأسماء الغريبة أو الشاذة التى يطلقها الآباء على الأبناء وتلتصق بهم طوال العمر قد تكون محلا للسخرية أو الإستغراب أو التحقير فى أحايين أخرى كثيرة .
يعانى الكثير من المصريين ليس الشباب فقط وإنما كبار السن أيضاً من أسمائهم الغريبة ، ليس من أجل أنفسهم فقط وإنما من أجل أولادهم فما ذنب الأبناء الصغار فى أن يتحملوا تبعات أسماء لم يسموا أنفسهم بها ، تثير هذه الاسماء التساؤل دائما والإستغراب أحياناً والسخرية فى مرات عديدة لدى كل من يقابلهم أو يتصادف فى أن يسمع باسمهم .
أبو ستة عبد العظيم يقول أن اسمه قاده إلى كثير من المواقف المحرجة منذ طفولتى وأيام الدراسة الأولى وأنا أحمل هم وضيق يجثم فوق صدرى كلما نطقت باسمى أمام الناس وخاصة أمام أصدقائى ، وبسبب هذا الاسم عانيت القلق والخجل والإحباط والسؤال الذى يطرح على دائما " مامعنى هذا الاسم الذى تحمله ؟ " وثمة من يقول لى " ستة من ايه لا مؤاخذة " فما يكون منى إلا ان اجاريه فى ضحكه على لكنه ضحك كالبكاء .
هذا أحد الجوانب المحزنة للأسماء الغريبة ولكن هناك جانب آخر قد يكون مشرقاً وهو على حسب البيئة التى يستخدم فيها الاسم ، فشخص مثل هوارى أبو الفضل يقول : اسمى ليس غريبا ولكنه يشعرنى بالفخر وسط أهلى وعائلتى ، فلكون جذوره صعيدية وأيضا ينتمى لعائلة الهوارة بالصعيد فهذا ما يجعل لاسمه " اسما على مسمى " كما يقول ، هوارى حاصل على ليسانس حقوق .
أما محمود الغول فيعتقد انه تعود على اسم والده هذا . . ويكمل كما أن أولادى " ولدان وبنت " قد تعودوا عليه ، وعند سؤاله إن كان هذا الاسم يسبب له سخرية فى طفولته ووسط أصدقائه قال إن اسم والده كان له شقين أو وجهين لعملة واحدة ففى بعض الاحيان كان يتسبب لى فى السخرية والضحك على وخاصة بعد كل خناقة أو مشادة مع أى شخص لاسيما إن كان يعرف اسمى ، أما الشق الثانى فالاسم كان يمثل عاملا من عوامل الخوف فوالدى اسمه الغول وهو كما معروف أن الغول كائن خرافى يتمتع بقوة فائقة ، وحين أنظر إلى مستوى الأسماء الأخرى أدرك أن اسمى وقعه أخف من هذه الأسماء التى قد تكون أسماء حيوانات أو أشياء أخرى غير مستحبة ، لذلك حرصت عند إختيارى لأسماء أولادى أن تكون أسماء جميلة ويفتخرون بها وسط أصدقائهم وزملائهم فسميتهم محمد وكريم ونسرين ، وبهذه المناسبة أقول للآباء والأمهات أيضا أن الأسماء ليست مجرد كلمات أو ألقاب تطلق على أولادهم وإنما كل اسم يحمل دلالة معينة وقد يكون مصدر راحته وسعادته ، أو مصدر شقائه وضيقه أيضا لذلك يجب على كل أب وأم أن يختاروا الاسم الجميل وغير الغريب أو المضحك أو الشاذ فهذه مسالة مهمة جدا ليس لأبنهم فقط وإنما لأحفادهم أيضا .
أما الاغرب من هذا ليس أن يكون اسم الابن فقط هو الغريب أو الشاذ وإنما يكون اسم الأب والابن أيضا كالديب أبو الشويش مع العلم أن والده لم يكن شويشا ، وكما يقول الباحثون الاجتماعيون أن الانسان ابن بيئته ولكون الديب ابو الشويش من أقاصى الصعيد فهو يقولأن لقب الشويش منذ ما يقرب من 65 عاما كان له مدلوله ومكانته والتى يحوزها الشويش بين الناس أطلق جده على والده هذا الاسم وبعد أن تزوج والدى وأنجبنى جاء دوره ليسمينى فلم يجد افضل من ان يطلق على اسم " الديب " وهو اسم لحيوان له مكانته وحظوته خاصة فى الاماكن التى كانت متخلفة بعض الشئ فى الصعيد منذ فترة ، ولم يكتفى والدى بهذا وانما اطلق على اخى الصغير اسم " الضبع " ولقد تعودنا وتعايشنا مع هذين الأسمين ، وفى اشارة ساخرة إلى اثار الاسم السلبية عليه يقول " أنا وأخويا ديب وضبع مين كدنا عاد " .
وهناك عدد من المصريين يحملون أسماء وأقوالا دينية شائعة مثل ما شاء الله ، وحمدالله ، كما أنه منتشر فى أوساط المصريين ألقاب طريفة يطلقونها على أنفسهم غير أسمائهم الحقيقية ربما تقليدا لبعض شخصيات الأفلام كاللمبى الذى انتشر مؤخرا تقليدا للفنان محمد سعد ، وهناك أيضا غيره بامية وكفته وطعمية ومشمش وترمس وبقلاوة وكتكوت وفيل وحرامى وبندق وتنتشر هذه الالقاب عادة فى الطبقات الشعبية أكثر وبين أبناء مهن معينة كالسواقين والميكانيكية وغيرهم .
ولا تقتصر الاسماء الغريبة فى مجتمعنا على الأولاد فقط وإنما تشمل البنات أيضا واللائى قد يحملن أسماء تبدو فى وقتنا الراهن أسماء غريبة ومثيرة للسخرية كسعدية ورئيسة وراضية وغيرهن ، بينما إتجه الكثير من المصريين والعرب إلى تسمية أبنائهم بأسماء فارسية وتركية وحتى أجنبية،والتى يصاحبها سؤال " ما معنى اسمك ؟ وهل هو عربى أم أجنبى ؟ " والذى يكون شقان أحدهما الفرح والسرور لأنه يجعل صاحب الاسم محط الأنظار ويساعد على شهرته وتميزه ، وأحيانا أخرى يكون باعث على الضيق والاحباط لأنه " كلما زاد الشئ عن حده انقلب إلى ضده " فمن كثرة تكرار السؤال يحس الإنسان بأن اسمه غريب وشاذ عن المجتمع الذى يعيش فيه .
أم الخير وهى تبلغ من العمر خمسون عاما فتقول : لا أعلم لماذا أطلق على والدى هذا الاسم ولكنه اسم جميل فهو مقترن بالخير " وهو فى أحسن من الخير " وتضيف أنها لا تشعر بأن اسمها غريب ولم يسألها أى شخص عن معناه فهو لا يحتاج إلى توضيح ، ولديها ثلاثة أولاد محمد ومدحت وسعيد وبنتين سمر وزينب .
وبمناسبة الأسماء الغريبة هناك قصة شهيرة حدثت فى اليابان منذ عشرة أعوام ، فاليابانيون مشهورون بتسمية أبنائهم بأسماء شعرية طويلة ، وعندما رزق السيد " ياسهورى " بمولود جديد أطلق عليه " الوردة القذرة التى خرجت من قفا النعجة " وحين رفضت دائرة النفوس فى مدينة أكيشيمها تسجيل الأسم رفع دعوى ضدها فخسر القضية ولكنه عاد وأستأنف فى طوكيو فأبلغته المحكمة بأنها ستقبل بأى اسم بديل يختاره فأختار " أكوما نيكاراسى " وتعنى الشيطان النتن ، فاستشاط القاضى غضبا وطرده من المحكمة فرفع الأب قضيته للبرلمان ، وهناك تحولت الشكوى إلى قضية وطنية حول حق المواطن فى تسمية ذريته كيفما يشاء وفى النهاية وقف البرلمان بجانب الأب فعاد إلى الاسم الأول .
الدكتور هشام بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر يقول : كنية الشخص أو اسمه هى موقف اجتماعى كالسيدة التى تسمى ابنها خيشة خوفا عليه من الحسد ، أو يعبر عن موقف سياسى كأسماء الرؤساء ، أو للتبرك كأسماء المشايخ والأولياء ، فالقابنا أو أسمائنا لها علاقة بحياتنا الشخصية والاجتماعية ، وعند بعض الحالات يتغير موقف الأب أو الأم من الأسماء الغريبة التى يطلقونها على ابنائهم كالسيدة التى كان أولادها يموتون بعد الولادة فتطلق على أول ابن يعيش لها اسم خيشة مثلا ، ثم تفاجأ بعدها بأن تنجب عدد من الأبناء ويظلون على قيد الحياة ، أو فى موقف سياسى مثلا كإعجاب بشخص ما كالقذافى ولكنه يتضح له بعد فترة له أنه شخص مجنون ، فالأسماء تتغير بتغير الظروف ، وحمل الاسم وهو غير مناسب على المستوى النفسى يجعل الطفل يكره الشخصية التى تسمى بها ولكونه أيضا محل سخرية من المجتمع ، وهناك حالات كثيرة من التى أراها فى عيادتى تشكو لى من اسمها ، فتغيير الاسم يشبه بالظبط عملية التجميل التى تجرى لمداراة العيوب الخلقية .
وعن مقولة أن لكل إنسان من اسمه نصيب يقول : ليست دائما صحيحة فهناك الأب الذى يطلق على ابنه اسم هادى لأنه يريد أن تكون طباعه هادئة لذلك يربيه على الهدوء ، فالابن فى هذه الحالة يأخذ من طباع الأسرة وحبها للهدوء .
ويضيف أن الطفل من الممكن أن يصاب بالاكتئاب خاصة فى فترة الدراسة حيث يظهر عليه عدم التفوق وتدنى مستوى ذكائه وانخفاض درجاته وميله إلى العزلة والإنطواء وهذا لا يحدث عند الأطفال فقط وإنما عند كبار السن أيضا .
وعن كيفية تعامل القانون مع طلب البعض لتغيير أسمائهم ومدى امكانية تحقيق ذلك ومشروعيته يقول على محمود المحامى بالنقض والإستئناف : ان تغيير الاسم لا يشترط فيه سوى ان يتفق مع الاداب والنظام العام وهو ليس امر مستحيل ولكنه يحتاج الى بعض الوقت والاجراءات التى تضمن عدم اهدار حق الدولة او الاهل .
وعن الاجراءات المعقدة والوقت الطويل الذى يستغرقه تغيير الاسم يضيف : أن هناك بعض الناس يلجأون الى تغيير اسمائهم بغرض التهرب من الخدمة العسكرية او الاستئثار بميراث او حالات إشهار الإفلاس الأمر الذى يستلزم الكشف السياسى والجنائى عن صاحب الاسم قبل التغيير ، وطلب تغيير الاسم يحق لصاحبه فحسب بمعنى أنه لا يجوز لأى شخص آخر حتى ولو كان يحمل توكيلا أن يغير اسم زوجته أو والده أو شقيقه .
أما الدكتور ممدوح عطية الباحث بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يقول : أشارت بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين تكون أسمائهم غريبة قد تنتهى حياتهم بالسير فى طريق الجريمة والتردد على السجون ، كما أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى أن الأطفال ذوى الأسماء الغريبة يحصلون على درجات أدنى من أقرانهم فى الفصل فى مرحلة التعليم الأساسى ، أما فى المرحلة الجامعية فربما لا يستطيعون مواصلة الدراسة كما يتجاهل أصحاب العمل توظيفه ، وهناك عدد كبير من هؤلاء الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية شعورية .
وصدر مؤخرا كتاب " اسماء الأطفال السيئة " من تأليف مايكل شيرود وماثيو رايباك حيث فحصا فيه سجلات تعداد السكان من عام 1790 إلى عام 1930 حيث توصلا إلى وجود اسماء غاية فى الغرابة ، وكما أجرى الكاتبان مقابلات مع بعض كبار السن ممن عاشوا حياتهم وهم يحملون أسماء غريبة ووجدوا أنهم أناس عاديون بل ويقول شيرود " لقد كانوا فخورين للغاية بأسمائهم وقالوا أنهم لم يواجهوا مشاكل مع الأطفال فى سنهم بل كانوا يصابون بالسأم للنكات التى تقال حول أسمائهم ، وأشاروا أنهم أحبوا أسمائهم الغريبة لأنها جعلتهم معروفين ومختلفين عن غيرهم .
هكذا أصبح اسمى يمثل حاجزاً كبيراً بينى . . وبينى ، ومن الغريب أننى وابن عمى نتشارك نفس الاسم . . ونفس العمر ، وأعمل فى مجال الصحافة ويعمل هو فى المملكة العربية السعودية ، وقبل إحتلال العراق كنا نفخر بإسمنا لما له من رنين وأننا نشبه أحد أبطال العرب وزاد يقيننا هذا عندما صمد صدام حسين فى وجه الجيش الامريكى ، ولكن بعد الأحداث الأخيرة وإحتلال العراق وإعدام صدام حسين بدأت تواجهنا تعليقات أقرب ما تكون إلى السخافة ، فيفاجأ ابن عمى بمجرد دخوله أراضى السعودية ومعرفة كفيله باسمه ليقول له صراحة " ورب الكعبة لو أعلم ان اسمك صدام لكنت رجعتك لبلدك من المطار " ليس هذا فقط وانما يتعرض لمضايقات بسبب شئ لا يد له فيه ، وبحكم عملى فى مجال الصحافة كنت معرضا لمقابلة فنانين عراقيين خرجوا من العراق هربا من بطش صدام وولديه عدى وقصى كالفنان كاظم الساهر والذى أجريت معه حواراً فى عام 2005 بدون ان يعلم اسمى الحقيقى وذلك خوفا من عدم قبوله بإجراء الحوار أو طردى من المكان الذى أجريت به الحوار .
وفى موقف اخر تصادف وجودى فى معرض الكتاب وقابلت اخى ومعه الشاعر كريم العراقى وهو شاعر معروف وكتب العديد من الاغانى للفنان كاظم الساهر، وبدأت فيما بيننا رحلة التعارف كالتالى الشاعر كريم العراقى .. اخويا صدام .. ، وكان الرد من جانب كريم " نعم .. هو أنا تركت العراق وهربت منك 14 عاماً وأعود لأجدك فى مصر " وهو من التعليقات اللطيفة التى سمعتها إلى الآن .
وفى موقف اخر كنت فى زيارة لوالد أحد أصدقائى وكان فى المستشفى حيث يعانى من كسر فى إحدى رجليه وبعد أن تعارفنا وجلست بعض الوقت نظر إلى فجأة وقال " غير اسمك ده " وبطبيعة الحال سألته " ليه " فقال لى " هو أنت اسمك عاجبك كدا " فقلت له " أنا بقالى 25 سنة بالاسم ده ، وبعدين إتعودت عليه وما ينفعش أغيره " قال لى فى عصبية وضيق وتبرم " هو اسمك معناه ايه " وبعد خمسة دقائق من التفكير قلت له " مشتق من فعل صدم " فنظر إلى كمن فاض به الكيل أو كمن لا يحتاج إلى دليل أكثر من هذا " وأنت عاجبك كدا تمشى بالاسم ده " وحاولت أن أجاريه فى المناقشة وقلت له لكن لكى أغير اسمى يجب أن أرفع قضية على والدى حسبما سمعت ، فكان الإنفجار من ناحيته " إرفع عليه قضية أو إحبسه أحسن ماتمشى بالاسم ده ، وماتكلمنيش فى الموضوع ده تانى " وأضطررت خوفا على صحته ولكونه مريضا ان اقفل باب المناقشة فى هذا الاسم وأنتقل لموضوع آخر نزولأً على رغبته .
ولا ينتهى الوضع عند هذا فهناك أخرين يتم تسميتهم تيمناً برؤساء عرب أخرين مثل السادات والقذافى وفيصل وطلال وسعودى ، ولكن الأكثر لفتاً للنظر من بين هذه الأسماء صدام والقذافى ربما لأن غيرهم من الأسماء منتشرة ومتداولة بعض الشئ بين الناس .. ربما لأنهما أكثر رئيسين أثير حولهما الجدل ، أحدهم أعدم صبيحة عيد ، والثانى ألقى بميثاق الأمم المتحدة فى الأمم المتحدة على الأرض وألف الكتاب الأخضر ، يقول القذافى عبد الهادى أن اسمه سبب له الكثير من الشهرة والإحراج أيضاً فى نفس الوقت فلكون الاسم غريباً بعض الشئ ، وأيضاً هو اسم الرئيس الليبى معمر القذافى فكان يلفت نظر من حولى بمجرد نطقى به ، وأيضاً كان مسار سخرية البعض لما يحمله من دلالة جنسية خاصة عند المصريين ، فكان يتم إمطارى بوابل من النكات والتعليقات البذيئة ، وفكرت كثيراً فى تغيير هذا الاسم ولكنى تراجعت عن الفكرة لأننى حتى لو غيرت اسمى إلى أى اسم آخر فسينادينى الناس باسمى الذى اشتهرت به ، فبعد 35 عاما لا أعتقد أن الناس من الممكن أن تعتاد على اسمى الجديد ، حتى أولادى كانوا يعانون فى البداية من هذا الاسم والذى كان يصيبهم بالخجل ولكنهم بمرور الوقت إعتادوا عليه وأصبحنا لا نفكر فيه كثيرا .
" لكل إنسان من اسمه شئ "هكذا عرفنا وسمعنا ، فما هو نصيب صدام أو عزرائيل أو غراب أو كتكوت أو البغل أو الجحش أو الغول أو أبو ستة ، من اسمائهم ، فالأسماء الغريبة أو الشاذة التى يطلقها الآباء على الأبناء وتلتصق بهم طوال العمر قد تكون محلا للسخرية أو الإستغراب أو التحقير فى أحايين أخرى كثيرة .
يعانى الكثير من المصريين ليس الشباب فقط وإنما كبار السن أيضاً من أسمائهم الغريبة ، ليس من أجل أنفسهم فقط وإنما من أجل أولادهم فما ذنب الأبناء الصغار فى أن يتحملوا تبعات أسماء لم يسموا أنفسهم بها ، تثير هذه الاسماء التساؤل دائما والإستغراب أحياناً والسخرية فى مرات عديدة لدى كل من يقابلهم أو يتصادف فى أن يسمع باسمهم .
أبو ستة عبد العظيم يقول أن اسمه قاده إلى كثير من المواقف المحرجة منذ طفولتى وأيام الدراسة الأولى وأنا أحمل هم وضيق يجثم فوق صدرى كلما نطقت باسمى أمام الناس وخاصة أمام أصدقائى ، وبسبب هذا الاسم عانيت القلق والخجل والإحباط والسؤال الذى يطرح على دائما " مامعنى هذا الاسم الذى تحمله ؟ " وثمة من يقول لى " ستة من ايه لا مؤاخذة " فما يكون منى إلا ان اجاريه فى ضحكه على لكنه ضحك كالبكاء .
هذا أحد الجوانب المحزنة للأسماء الغريبة ولكن هناك جانب آخر قد يكون مشرقاً وهو على حسب البيئة التى يستخدم فيها الاسم ، فشخص مثل هوارى أبو الفضل يقول : اسمى ليس غريبا ولكنه يشعرنى بالفخر وسط أهلى وعائلتى ، فلكون جذوره صعيدية وأيضا ينتمى لعائلة الهوارة بالصعيد فهذا ما يجعل لاسمه " اسما على مسمى " كما يقول ، هوارى حاصل على ليسانس حقوق .
أما محمود الغول فيعتقد انه تعود على اسم والده هذا . . ويكمل كما أن أولادى " ولدان وبنت " قد تعودوا عليه ، وعند سؤاله إن كان هذا الاسم يسبب له سخرية فى طفولته ووسط أصدقائه قال إن اسم والده كان له شقين أو وجهين لعملة واحدة ففى بعض الاحيان كان يتسبب لى فى السخرية والضحك على وخاصة بعد كل خناقة أو مشادة مع أى شخص لاسيما إن كان يعرف اسمى ، أما الشق الثانى فالاسم كان يمثل عاملا من عوامل الخوف فوالدى اسمه الغول وهو كما معروف أن الغول كائن خرافى يتمتع بقوة فائقة ، وحين أنظر إلى مستوى الأسماء الأخرى أدرك أن اسمى وقعه أخف من هذه الأسماء التى قد تكون أسماء حيوانات أو أشياء أخرى غير مستحبة ، لذلك حرصت عند إختيارى لأسماء أولادى أن تكون أسماء جميلة ويفتخرون بها وسط أصدقائهم وزملائهم فسميتهم محمد وكريم ونسرين ، وبهذه المناسبة أقول للآباء والأمهات أيضا أن الأسماء ليست مجرد كلمات أو ألقاب تطلق على أولادهم وإنما كل اسم يحمل دلالة معينة وقد يكون مصدر راحته وسعادته ، أو مصدر شقائه وضيقه أيضا لذلك يجب على كل أب وأم أن يختاروا الاسم الجميل وغير الغريب أو المضحك أو الشاذ فهذه مسالة مهمة جدا ليس لأبنهم فقط وإنما لأحفادهم أيضا .
أما الاغرب من هذا ليس أن يكون اسم الابن فقط هو الغريب أو الشاذ وإنما يكون اسم الأب والابن أيضا كالديب أبو الشويش مع العلم أن والده لم يكن شويشا ، وكما يقول الباحثون الاجتماعيون أن الانسان ابن بيئته ولكون الديب ابو الشويش من أقاصى الصعيد فهو يقولأن لقب الشويش منذ ما يقرب من 65 عاما كان له مدلوله ومكانته والتى يحوزها الشويش بين الناس أطلق جده على والده هذا الاسم وبعد أن تزوج والدى وأنجبنى جاء دوره ليسمينى فلم يجد افضل من ان يطلق على اسم " الديب " وهو اسم لحيوان له مكانته وحظوته خاصة فى الاماكن التى كانت متخلفة بعض الشئ فى الصعيد منذ فترة ، ولم يكتفى والدى بهذا وانما اطلق على اخى الصغير اسم " الضبع " ولقد تعودنا وتعايشنا مع هذين الأسمين ، وفى اشارة ساخرة إلى اثار الاسم السلبية عليه يقول " أنا وأخويا ديب وضبع مين كدنا عاد " .
وهناك عدد من المصريين يحملون أسماء وأقوالا دينية شائعة مثل ما شاء الله ، وحمدالله ، كما أنه منتشر فى أوساط المصريين ألقاب طريفة يطلقونها على أنفسهم غير أسمائهم الحقيقية ربما تقليدا لبعض شخصيات الأفلام كاللمبى الذى انتشر مؤخرا تقليدا للفنان محمد سعد ، وهناك أيضا غيره بامية وكفته وطعمية ومشمش وترمس وبقلاوة وكتكوت وفيل وحرامى وبندق وتنتشر هذه الالقاب عادة فى الطبقات الشعبية أكثر وبين أبناء مهن معينة كالسواقين والميكانيكية وغيرهم .
ولا تقتصر الاسماء الغريبة فى مجتمعنا على الأولاد فقط وإنما تشمل البنات أيضا واللائى قد يحملن أسماء تبدو فى وقتنا الراهن أسماء غريبة ومثيرة للسخرية كسعدية ورئيسة وراضية وغيرهن ، بينما إتجه الكثير من المصريين والعرب إلى تسمية أبنائهم بأسماء فارسية وتركية وحتى أجنبية،والتى يصاحبها سؤال " ما معنى اسمك ؟ وهل هو عربى أم أجنبى ؟ " والذى يكون شقان أحدهما الفرح والسرور لأنه يجعل صاحب الاسم محط الأنظار ويساعد على شهرته وتميزه ، وأحيانا أخرى يكون باعث على الضيق والاحباط لأنه " كلما زاد الشئ عن حده انقلب إلى ضده " فمن كثرة تكرار السؤال يحس الإنسان بأن اسمه غريب وشاذ عن المجتمع الذى يعيش فيه .
أم الخير وهى تبلغ من العمر خمسون عاما فتقول : لا أعلم لماذا أطلق على والدى هذا الاسم ولكنه اسم جميل فهو مقترن بالخير " وهو فى أحسن من الخير " وتضيف أنها لا تشعر بأن اسمها غريب ولم يسألها أى شخص عن معناه فهو لا يحتاج إلى توضيح ، ولديها ثلاثة أولاد محمد ومدحت وسعيد وبنتين سمر وزينب .
وبمناسبة الأسماء الغريبة هناك قصة شهيرة حدثت فى اليابان منذ عشرة أعوام ، فاليابانيون مشهورون بتسمية أبنائهم بأسماء شعرية طويلة ، وعندما رزق السيد " ياسهورى " بمولود جديد أطلق عليه " الوردة القذرة التى خرجت من قفا النعجة " وحين رفضت دائرة النفوس فى مدينة أكيشيمها تسجيل الأسم رفع دعوى ضدها فخسر القضية ولكنه عاد وأستأنف فى طوكيو فأبلغته المحكمة بأنها ستقبل بأى اسم بديل يختاره فأختار " أكوما نيكاراسى " وتعنى الشيطان النتن ، فاستشاط القاضى غضبا وطرده من المحكمة فرفع الأب قضيته للبرلمان ، وهناك تحولت الشكوى إلى قضية وطنية حول حق المواطن فى تسمية ذريته كيفما يشاء وفى النهاية وقف البرلمان بجانب الأب فعاد إلى الاسم الأول .
الدكتور هشام بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر يقول : كنية الشخص أو اسمه هى موقف اجتماعى كالسيدة التى تسمى ابنها خيشة خوفا عليه من الحسد ، أو يعبر عن موقف سياسى كأسماء الرؤساء ، أو للتبرك كأسماء المشايخ والأولياء ، فالقابنا أو أسمائنا لها علاقة بحياتنا الشخصية والاجتماعية ، وعند بعض الحالات يتغير موقف الأب أو الأم من الأسماء الغريبة التى يطلقونها على ابنائهم كالسيدة التى كان أولادها يموتون بعد الولادة فتطلق على أول ابن يعيش لها اسم خيشة مثلا ، ثم تفاجأ بعدها بأن تنجب عدد من الأبناء ويظلون على قيد الحياة ، أو فى موقف سياسى مثلا كإعجاب بشخص ما كالقذافى ولكنه يتضح له بعد فترة له أنه شخص مجنون ، فالأسماء تتغير بتغير الظروف ، وحمل الاسم وهو غير مناسب على المستوى النفسى يجعل الطفل يكره الشخصية التى تسمى بها ولكونه أيضا محل سخرية من المجتمع ، وهناك حالات كثيرة من التى أراها فى عيادتى تشكو لى من اسمها ، فتغيير الاسم يشبه بالظبط عملية التجميل التى تجرى لمداراة العيوب الخلقية .
وعن مقولة أن لكل إنسان من اسمه نصيب يقول : ليست دائما صحيحة فهناك الأب الذى يطلق على ابنه اسم هادى لأنه يريد أن تكون طباعه هادئة لذلك يربيه على الهدوء ، فالابن فى هذه الحالة يأخذ من طباع الأسرة وحبها للهدوء .
ويضيف أن الطفل من الممكن أن يصاب بالاكتئاب خاصة فى فترة الدراسة حيث يظهر عليه عدم التفوق وتدنى مستوى ذكائه وانخفاض درجاته وميله إلى العزلة والإنطواء وهذا لا يحدث عند الأطفال فقط وإنما عند كبار السن أيضا .
وعن كيفية تعامل القانون مع طلب البعض لتغيير أسمائهم ومدى امكانية تحقيق ذلك ومشروعيته يقول على محمود المحامى بالنقض والإستئناف : ان تغيير الاسم لا يشترط فيه سوى ان يتفق مع الاداب والنظام العام وهو ليس امر مستحيل ولكنه يحتاج الى بعض الوقت والاجراءات التى تضمن عدم اهدار حق الدولة او الاهل .
وعن الاجراءات المعقدة والوقت الطويل الذى يستغرقه تغيير الاسم يضيف : أن هناك بعض الناس يلجأون الى تغيير اسمائهم بغرض التهرب من الخدمة العسكرية او الاستئثار بميراث او حالات إشهار الإفلاس الأمر الذى يستلزم الكشف السياسى والجنائى عن صاحب الاسم قبل التغيير ، وطلب تغيير الاسم يحق لصاحبه فحسب بمعنى أنه لا يجوز لأى شخص آخر حتى ولو كان يحمل توكيلا أن يغير اسم زوجته أو والده أو شقيقه .
أما الدكتور ممدوح عطية الباحث بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يقول : أشارت بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين تكون أسمائهم غريبة قد تنتهى حياتهم بالسير فى طريق الجريمة والتردد على السجون ، كما أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى أن الأطفال ذوى الأسماء الغريبة يحصلون على درجات أدنى من أقرانهم فى الفصل فى مرحلة التعليم الأساسى ، أما فى المرحلة الجامعية فربما لا يستطيعون مواصلة الدراسة كما يتجاهل أصحاب العمل توظيفه ، وهناك عدد كبير من هؤلاء الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية شعورية .
وصدر مؤخرا كتاب " اسماء الأطفال السيئة " من تأليف مايكل شيرود وماثيو رايباك حيث فحصا فيه سجلات تعداد السكان من عام 1790 إلى عام 1930 حيث توصلا إلى وجود اسماء غاية فى الغرابة ، وكما أجرى الكاتبان مقابلات مع بعض كبار السن ممن عاشوا حياتهم وهم يحملون أسماء غريبة ووجدوا أنهم أناس عاديون بل ويقول شيرود " لقد كانوا فخورين للغاية بأسمائهم وقالوا أنهم لم يواجهوا مشاكل مع الأطفال فى سنهم بل كانوا يصابون بالسأم للنكات التى تقال حول أسمائهم ، وأشاروا أنهم أحبوا أسمائهم الغريبة لأنها جعلتهم معروفين ومختلفين عن غيرهم .
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق