ابتعدنا عن الأساليب التقليدية لحماية الوثائق
![]() |
الدكتور عبد الناصر حسن |
تحت وقع ضربات الإرهاب الأسود ، تعرض المتحف الإسلامى ودار الكتب بالقاهرة لأثار مدمرة ، جراء أحد التفجيرات التى استهدفت مديرية الأمن القريبة من المتحف والدار ، وأتت على بعض القطع الأثرية ، إضافة إلى تصدعات فى المبنى نفسه ، الدكتور عبد الناصر حسن رئيس دار الكتب والوثائق القومية المصرى يجيب فى هذا الحوار عن الكثير من التساؤلات الخاصة بتأمين الوثائق إلى جانب قضايا أخرى .
*ما آخر ما توصلتم إليه في ترميم مقتنيات دار الكتب بعد التفجير الإرهابي الذي طال مديرية أمن القاهرة؟
بعد التفجير الإرهابى لمديرية أمن القاهرة التى تقع فى الجهة المقابلة لمبنى المتحف الإسلامى ودار الكتب ، مجموعة المقتنيات الخاصة بدار الكتب كلها سليمة ولم يتأثر منها إلا 7 مخطوطات وبرديتان، تم معالجة المخطوطات فى مراكز الترميم الثلاثة التى تملكها الدار ، حيث أمكن انقاذ 6 مخطوطات ، وبردية واحد يحتاج ترميمها لفترة أطول نظرا للضرر الكبير الذى لحق بها ، أما البرديتان فلأنهما كانتا موجودتين بالعرض المتحفى عندما حدث التفجير ، والذى أدى إلى اطلاق انذار الحريق فاصبتهما كمية كبيرة من المياه ، والبرديتان أصبحتا سالمتين بعد ترميمهما فى معامل الترميم ، البردية الأولى عبارة عن عقد عتق جارية وتضوح الطريقة التى كان يتم بها هذا ، والأخرى تكشف عن اجراءات تنصيب الملك عبد الله فى العصر العباسى ، والتفجير خلف ورائه العديد من المشاكل ، وأثار تدميرية مرعبة ، وحيث دمرت قاعة vip تماما ، وأيضا الحجر الهاشمى الذى يمتاز بأنه ذو طراز معمارى فريد وليه قيمة حضارية كبيرة ،وكذلك قاعات الاطلاع ، المكتبة ، منفذ البيع ، أجهزة الانذار والتكييف ، بعض الأبواب والشبابيك ، والزجاج الفنى ، وحجم الخسائر لا يقل عن 40 مليون جنيها .
* وما خطتكم لإعادة تجهيز دار الكتب مرة أخرى ؟
الخطة بدأت باتجاهين أحدهما عملى والآخر إعلامى ، العملى أن نقوم بحصر كل التلفيات ، بداية من قاعة الاطلاع ومشاكلها ، ومركز ادارة الترميم ، الميكروفيلم ، والزجاج الذى نستورده من إيطاليا والذى يستخدم فى فتارين العرض ، وتجهيز مبنى دار الخلق عند انشاءه تكلف ما يزيد على 100 مليون جنيها ، وتبرعت اليونسكو بـ 100 ألف دولار لمتحف الفن الإسلامى ودار الكتب معا ، أما باقى المبلغ فسيكون عن طريق الجانب الإعلامى ، حيث أقمنا معرضا بعنوان " بين ثقافة الهدم وثقافة البناء " لعرض صورا للمقتنيات قبل أن يتم تدميرها ، وصور لها بعد أن دمرت ، مما يوضح فداحة الأمر ، يثبت أيضا أن الدمار وثقافة الخراب هى معادية للفكر ، الحضارة ، والإنسانية بشكل عام ، ويوضح مدى إنعدام وجود رؤية حضارية لدى هؤلاء الإرهابيين ، لذلك يجب أن نعمل على أن يكون لدي المواطن البسيط وعى بقيمة الأثار بأشكالها المختلفة ، ومثل هذا النوع من الأعمال الإرهابية فى النهاية لن ينجح أبدا لأن مصيره الفناء والزوال ، ليبقى الفكر والحضارة .
* وأين تحتفظون الآن بنسخ ومقتنيات دار الكتب ؟
المكان الأساسى لحفظ النسخ والمقتنيات هو مخازن دار الكتب ، وهى مجموعة كبيرة ، تعد ثانى أكبر المجموعات الموجودة فى العالم من بعد تركيا والتى لديها 150 الف مخطوط ، ونحن لدينا 89 الف مخطوط وهو عدد ليس بالقليل ، ولدينا أيضا 4 آلاف بردية ، لوحات ، منمنمات ، مذهبات ، مخطوطات لخطوط عربية مختلفة ومتنوعة ، كما أن دار الوثائق تتبع دار الكتب ، ويوجد بها حوالى 100 مليون وثيقة .
* وماذاعن مقتنيات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ؟
مقتنيات عبد الناصر من حسن الحظ تقبع فى مكان لم يحدث به تفريغ الهواء الناتج عن التفجير ، لذلك لم يحدث بها إلا خدوش بسيطة تكاد لا ترى بالعين المجردة ، ويسهل اصلاحها .
![]() |
المتحف قبل وبعد التفجير الإرهابى |
أكثر البلاد تطورا لا تستطيع أن تمنع الإرهاب ، وأبلغ مثال على هذا تفجير برجى التجارة العالميين فى أمريكا ، لأن الإرهاب يفاجأنا باختياره للوقت والمكان ، لذلك يجب أن يكون هناك وسائل تأمين لهذه الوثائق عن طريق شركات محترفة وكبرى ، ووضع أسيجة حديدة تحيط بالمبنى من الخارج لتمتص صدمة التفجير ، وزرع عدد كبير من الكاميرات لتغطى مساحة أكبر من الموجودة حاليا .
* نقل المقتنيات المتضررة من منطقة باب الخلق إلى دار الوثائق والمخطوطات ألا يمثل هذا خطرا عليها ؟
من قام بنقل هذه المقتنيات هم أشخاص محترفون ، حيث تم تنظيفها من الزجاج المتهشم ، ووضعها فى علب خاصة بها ، وتأمين نقلها من خلال الشرطة ، وعندما وصلت لدار الوثائق تعامل معها عمال لديهم مهارة ومدربين على هذا ، والمسألة كانت منظمة جدا .
* وهل فقد أى شئ من هذه المقتنيات بعد التفجير ؟
منذ اللحظة الأولى أصدرت أوامرى ليبدأوا الإعداد لحصر التلفيات والمقتنيات ونقلها دون أن يدخل شخص واحد للمكان ، وأغلقت الباب الخارجى لدار الكتب ، وبالتالى لم أخسر شئ واحد .
* وهل المقتنيات مؤمنة جيدا الآن ؟
بالطبع ، فحتى الموظف يدخل للمكان ببطاقة تعريف خاصة به ، ووضعنا أبواب اليكترونية ، وكاميرات مراقبة ، بالاضافة لأمن الأفراد ، كما أننا قمنا بتغيير نظام الكربون المستخدم فى عملية اطفاء الحريق ، والذى كان يؤثر على الإنسان عند تعرضه له على المدى الطويل ، أما مخازن المخطوطات فهى مؤمنة بشكل كافى ونعمل على تطويرها أكثر بحسب الامكانيات المتاحة لنا .
* برأيك هل تأثرت هوية مصر بفترة حكم الإخوان ؟
هوية مصر ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ ولن تتأثر بعام أو عشرة من حكم الإخوان ، فلدينا ثقافة لا توجد فى أى مكان بالعالم فهى تجمع بين الفرعونى والقبطى والمملوكى والعثمانى والمغولى والإسلامى ، ووحدة التجانس عند الانسان المصرى لها تركيبة فريدة ، والجانب الإسلامى ممتد ومتأصل فى نفسه ، وثقافة المواطن المصرى هى ثقافة التدين فهو أول إنسان علم العالم فكرة التوحيد ووجود الإله ، وأول بلد فى العالم أنشأ جيش نظامى ، ومصر لها من الهوية وعمقها ما لايستطيع أحد تغييرها بسهولة فهى موجودة حتى لدى الأميين منهم ، وبعد الإنفجار وجدنا أن اهالى منطقة باب الخلق حيث توجد دار الكتب يحيطون المكان كدروع بشرية كى لا يتم سرقة المتحف الإسلامى أو مقتنيات الدار .
* ولماذا أرادت هذه الجماعة طمس هوية مصر ؟
ليس بهذا المعنى ، لأن هذه الجماعة لديها أفكار خاصة بها كعودة الخلافة الاسلامية ، والذى وجد هوى لدى تركيا وخاصة أردوغان وغيره ، ودعم هذه الفكرة لديهم إيمانهم بأن الحدود بين البلدان العربية اصطنعها المستعمر الغربى وأن الأرض أرض الله يورثها من يشاء لأن شعارهم هو أرض بلا وطن ، وهى مضادة لفكرة الوطنية ، التى كانت موجودة لدى الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه المشركين من مكة فقال أما وأنك أحب بلاد الله إلى قلبى ، كما أن فكرهم متطرف عن الفكر الأساسى للإسلام وطبيعته السمحة والبسيطة فهو دين الوسطية .
* وما حقيقة تسريب وثائق من دار الكتب إبان تولى الدكتور علاء عبد العزيز وزارة الثقافة ؟
لم يحدث هذا ، ليس دفاعا عن الاخوان ولكن لابد أن أقول الحق دائما ، وإلا حدثت الفوضى بين الناس .
* وما سر اهتمام جماعة الإخوان المسلمين بالوثائق الخاصة بها خلال الثمانين عاما الماضية ؟
ربما يكون بسبب بعض الثغرات التى قد تدينهم كقتل النقراشى ، الخازندار ، الشيخ الذهبى ، وحادث المنشية أيضا ، لذلك يسعون لطمس هذه الوثائق من دار الكتب والوثائق المصرية .
* ولماذا تعرضت أنت لهجوم شديد عليك من قبل هذه الجماعة ؟
تعرضت لهجوم من قبل الدكتور علاء عبد العزيز والذى كان يمثلهم ، وجاء كما قلت له لينفذ أجندة ختصة بهم ، وهى محاولة إحلال وتبديل العناصر الموجودة فى وزراة الثقافة بأخرى إخوانية .
* برأيك إن تولت العناصر الإخوانية وزارة الثقافة كيف كان سيكون حال الثقافة فى مصر؟
الثقافة تختلف باختلاف الايديولوجيا والرؤية والتصور ، كمفهوم الوطن والذى يعتبر غير موجود لديهم ، والفن بمعناه الحقيقى حيث الحرية الملتزمة ، عندما قرروا الغاء فن الباليه أو محاولة وقف مثل هذه الأنشطة ، وايديولجيتهم أن تصبح مصر دولة اسلامية على غرار النمط الموجود الآن فى بعض الدول كأفغانستان ، ولكن الإسلام الحقيقى يتمثل فى الوسطية وتعبر عنه مؤسسة الأزهر حيث الفكر السنى المستنير والذى يتمثل فى قادة الفكر الإسلامى المستنير كمحمد عبده وجمال الدين الأفغانى .
* مقتنيات دار الكتب هل هى متاحة للجميع ؟
موقع دار الكتب على شبكة الانترنت تحدث به أحيانا بعض المشاكل الفنية ونحاول معالجتها ، وعندما يعمل بشكل جاد سيكون متاحا للجميع كل ما هو مسموح بطرحه ، ولدينا منافذ بيع متعددة وفى أماكن مختلفة ، وتعاقدت مؤخرا مع أتيليه القاهرة لإنشاء منفذ به لبيع اصدارات دار الكتب ، كما نشارك فى العديد من المعارض فى البلدان العربية الشقيقة كالشارقة والكويت ودول المغرب العربى ، وكنت بمعرض فرانكفورت منذ أشهر قليلة نقدم اصدارات الدار هناك ، بالاضافة إلى أنه لدينا قاعات للاطلاع يستطيع القراء الوصول إليها بسهولة كقاعات الدوريات ، والاطلاع الكبرى ، وغيرهما .
* وما هى المشاكل التى تواجه تحقيق المخطوطات الآن ؟
أكثر مدرسة فى العالم قامت بتحقيق المخطوطات هى المدرسة المصرية بدءً بعمالقة هذا المجال كالشيخ محمد محمود شاكر ، أحمد محمود شاكر ، السقا ، البيجاوى ، ومحمد محيي الدين ، ولكن هذا الرعيل الأول فقدنا معظمه ، وموجود الآن الدكتور حسين نصار رئيس مركز تحقيق التراث ، والدكتور أحمد فؤاد باشا ، ولكن بدأ عدد المحققين الأصليين الجادين والمحترفين يقل ، لذلك تدهور حال التحقيق ، ولا يوجد اهتمام بهذا العلم لأن الكتاب الواحد قد يحتاج لسنوات للانتهاء من تحقيقه ، والمقابل المادى لا يساوى الجهد الذى بذل فى هذا الأمر ، وأيضا لضعف المهارات العلمية واللغوية لدى الأجيال الحديثة وبالتالى هى غير قادرة على ممارسة تحقيق المخطوطات ، حيث حدث تجريف للتعليم المصرى على مدى 40 عاما على الأقل ، ولكى يكون لدينا محققين جيدين للمخطوطات يجب أن يكونوا متعلمين تعليما جيدا ، ومتمكنين من أدوات هذا العلم ، وأن تكون هناك مادة خاصة بالمخطوطات يتم تدريسها للطلاب بشكل عام ، ومضاعفة المقابل المادى أيضا لمن يقوم بتحقيق مثل هذه المخطوطات .
* كيف ترى المشهد الثقافى فى مصر خلال الفترة القادمة ؟
الوعى الثقافى رهين الوعى المعرفى والتاريخى والعلمى وإن زاد هذا الوعى يزداد الفكر والنشاط الثقافى ، والوعى يبدأ من التعليم الأساسى وتوجيه الأسرة لطفلها توجيها علميا وسليما ، وأن يكون فى المجتمع مبدعون حقيقيون ، لأن الإبداع أكثر تأثيرا فى النفس البشرية .
* وما هى خطة دار الكتب خلال الفترة القادمة ؟
النشر لدينا يغلب عليه الكتب التراثية ، والدار لديها الأعمال الخاصة بها ، حيث قمنا بنشر كنوز دار الكتب ، ونعد حاليا لإصدار كتاب عن النقود الإسلامية وهو عبارة عن كتالوج يوضح أنواع النقود والعملات طوال فترة التاريخ الإسلامى ، وهناك سلاسل كمركز تحقيق التراث ، تاريخ مصر المعاصر ، ومجلة الروزنامة ، وأنشأنا سلسلة جديدة هى دراسات أفريقية ، ونتواصل مع أشقائنا فى دول الخليج ، فأمير الشارقة أمدنا بـ 100 مليون جنيه لبناء دار الوثائق التى سنفتتحها قريبا .
* ما رأيك فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام ؟
معرض الكتاب هذا العام كان ناجحا بكل المقاييس فنسبة المبيعات ارتفعت هذا العام عن كل الأعوام السابقة ، ووجود دولة الكويت كضيف للمعرض أسبغ عليه قيمة وأهمية لأنها دولة مهمة ومن أكبر الديمقراطيات فى الوطن العربى ، فالمرأة لديهم تشارك بنسبة كبيرة فى البرلمان ، واقامة المعرض بهذا الشكل يدحض فكرة انعدام الأمن ووجود ارهاب بمصر ، أما مبيعات دار الكتب هذا العام تعتبر الأعلى طوال تاريخ الهيئة .
* ما رأيك فى الاستقالة المفاجأة لحكومة الدكتور حازم الببلاوى ؟
استقالة الحكومة المصرية جاء نتيجة ضغوط كثيرة تتمثل فى الاضرابات المتواجدة فى أماكن متفرقة من الجمهورية ، المطالب الفئوية ، وموضوع الحد الأدنى الذى أحدث ارتباكا فى الوزارات كلها ، لأن منشور وزارة المالية غير واضح المعالم عند التطبيق ، وكان الأجدى بالحكومة اصدار منشور أخر توضيحى مع نموذج صالح للتطبيق بشكل عملى ، وساعد كل ذلك على زيادة الضغط على الحكومة فقدمت استقالتها .
* وكيف ترى طرح اسم الدكتور أسامة الغزالى حرب لوزارة الثقافة واعتراض المثقفين عليه ؟
الاعتراض بحد ذاته أصبح ثقافة فى مصر الان ، والكثير من المثقفين يأمل أن يكون الوزير واحد من الوسط الثقافى ، كأحد المثقفين المصريين ، بمعنى أن يكون له كتب ، روايات ، دوواوين شعر ، وأثر فى الحركة الإبداعية فى مصر والحركة الثقافية ، ومثقفا عاما معروفا وله اسهامات كبيرة فى الأنشطة الثقافية ، كما أن الدكتور أسامة من خارج الوسط الثقافى ، برغم أنه ربما يكون مثقفا حقيقيا .
* برأيك ما هو التطور الحاصل فى عالم الوثائق فى ظل الثورة التكنولوجية الراهنة ؟
قديما كان يتم حفظ الوثائق فى حافظات مخصصة لهذا ، والمحتوى الحادث فى ميكنة الوثائق بحيث نقوم بتحويلها من صورة ورقية إلى رقمية ، مما يسهل تقديم الخدمة للباحثين والإطلاع عليها ، وسرعة الوصول إليها من خلال نقرة واحدة على جهاز الكمبيوتر ، وأيضا حماية للأصول .
* وإلى أى مدى استفدتم فى دار الكتب من الثورة التكنولوجية ؟
بالنسبة لدار الوثائق وبالاتفاق مع مجلس الوزراء استطعنا أن نضع البيانات الوصفية لملايين الوثائق الموجودة ، وتم رقمنة حوالى 12 مليون وثيقة من 100 مليون وثيقة .
* وماذا عن وسائل التأمين الحديثة فى الدار ؟
ابتعدنا عن استخدام نظام الكربون فى الاطفاء ، واستخدمنا أسلوب أحدث منه وهو نظام " الضبابى " وذلك حفاظا على العنصر البشرى المتواجد بداخل الدار ، وأبواب اليكترونية ، وكاميرات تسجل كل ما يحدث بداخل الدار وما يقوم به الباحثون ، وأفراد الأمن أيضا .
صدام كمال الدين
16 مارس 2014
0 التعليقات:
إرسال تعليق