غادة العبسى: أكتب لأقاوم عَطَب الروح


الدكتورة غادة العبسى

الفصل الأول هو أولى عتبات الكاتب لشق طريقه وكتابة صك مروره إلى القارىء ، يظل المبدع مرتبكاً وفى حالة قلق وخوف متعلق بردود فعل جمهور القرّاء للعمل الإبداعى إلا أن الكاتبة والقاصة د.غادة العبسى أكّدت أنها تجاوزت هذه الهواجس لإيمانها بأنها لا تمتهن الكتابة بل ترى فيها روايتها المفضلة وأن مجموعتها الأولى "حشيشة الملاك" جاءت صدى لتجربة طويلة مع الكتابة . 
فى هذا الحوار نلتقى بالكاتبة غادة العبسى والتى صارت ضمن طابور طويل من الأطباء الذين كتبوا القصة .




* منذ متى شرعتِ فى الكتابة؟ وما الذى حرّضك عليها ؟

جاء التحريض على الكتابة مبكّراً فى حياتى ، كان تحريضاً من القدر فى أول الأمر وآخره ، فى أوله عندما وجدتُ نفسى أكتب فحسب وأنا طالبة كنتُ أحب القراءة ولاحظ أساتذتى الأمر فتلقيتُ تشجيعهم ، ثم انقطعت فترة طويلة بسبب انشغالى الدراسى وعملى كمطربة فى دار الاوبرا المصرية ، ثم عدتُ أكتب من جديد عندما وقعتُ فى المحنة تلك التى دفعتنى إلى البحث عن مخرج ، وكانت وتظل الكتابة هى المَخرج كى أبقى على قيد الحياة .

الكتابة بالنسبة لى ضرورة وشكل من أشكال مقاومة عَطَب الروح , أعشق أن أكون خط تَمَاس مع دائرة الشعور والوجدان والفكر بداخلى وجُلّ ما يسعدنى أن يتطابق ما أعبّر عنه مع من يقرأ لى فيشعر أننى أكتبه .

* ولماذا القصة القصيرة تحديداً؟

لأننى أرى أن القصة القصيرة على وجه التحديد شكل مركّز وفعّال وسريع لإيصال رسالة ما , وتناسب حماس الشباب الذى لديه ما يقوله طوال الوقت ، لديه أيضا متناقضات عديدة تفرغها القصة وتحتويها ، فالقصة القصيرة بالنسبة لى غنائيّة ما , حتى أننى أختار بعض الكلمات وأحرص على جرسها كأنى سأغنيها ، كما تشبه أيضا اللوحة الفنية ، وقد يحسب البعض أن كتابتها أيسر من الأشكال الأخرى ولكن فى رأيي الشخصى أنها الأبلغ , وصعوبتها تكمن فى محدودية حيّز الإبداع وقدرتها على اختراق القارىء وتحقيق فضوله ، ولكن هذا لا يمنع أننى أقدّر أشكال الإبداع الأخرى وقد بدأت بالفعل أولى رواياتى .

* وهل كانت هناك هواجس ومخاوف تنتابك حيال تجربة النشر الأولى ؟ ولماذا؟

بالطبع كان لدى العديد من المخاوف والأفكار السلبية خاصةً أننى اعتدتُ الكتابة وكأنّ لا أحد سيقرأ ما أكتبه ، هذا مريح ويحرّرك لحظة الكتابة من انتظار ردود أفعال القرّاء ، المرأة عندما تكتب عادةً فى مجتمعنا الشرقى لها ضوابط ما وعليها قيود تمنعها من حرية الإبداع فى أحيانٍ كثيرة .

إضافةً إلى ذلك كان ينقصنى بعض الثقة فى عرض ما أكتب إذا ما كان على مستوى النشر أم لا ، أشعر فقط بأن لدى شيئا أقوله فحسب ، فى الحقيقة حاولتُ أن أتخلص من تلك الهواجس وقد ساعدنى فى ذلك أصدقائى بتشجيعهم المستمر لى وقمت بنشر أول مجموعة قصصية "حشيشة الملاك" وستصدر فى معرض الكتاب 2014 عن مؤسسة دار إبداع للنشر والترجمة إن شاء الله . 

* وما الذى تنتظرينه من الكتابة ؟

لا أنتظر من الكتابة أى كسب مادىّ سواءَ كان مال أو شهرة , فأنا أمتهن الطب ولدىّ ميثاقٌ غليظ بينى وبينه ، أما الكتابة أتمنى أن تظل هى الموهبة التى أتلاقَى فيها وَروحى ، أبحث عن بواعث السعادة وأقلّب فى الذات الانسانية لمعرفةٍ أعمق نحو النفس ، أقوم بدورٍ صغير فى اكتشاف الجَمَال فى بلادى وفى أهل بلادى ، أكتب كثيراً عن التراث المنسىّ وأحاول العودة إلى مناطق مهجورة فى النفس والأرض علّها تبصّرنا بمستقبل أفضل .

* وكيف ترين مستقبل القصة القصيرة فى مصر ؟ وهل ترى أن جيل الشباب من كُتّاب القصة تم ظلمه؟

أرى أن مستقبل القصة فى مصر مبشّر وواعد ومحقق لآمال هذا الجيل , لأن هناك ازديادا ملحوظاً فى المواهب التى تتألق فى عالم الكتابة , إضافةً إلى الظروف المحلية والعربية المحيطة والتى تدفع هؤلاء إلى إعتصار آلامهم وخيباتهم ، الجهل بالمستقبل والخوف من قدومه ,يدفع المتبصّرين إلى البحث والتعلّم والمراجعة التاريخية اليومية للنفس وللأوطان , الهِزّات التى تتقاذف المواطن المصرى لابد وأن يكون لها توابع فنيّة وإبداعية وهذا ما نلحظه ربما بشكل تراكمىّ بعد تدارك الأزمات وتأملها جيّداً .

جيلنا مظلوم وظالم ، بين مثقفين يحلمون بنشر الثقافة وعدوى القراءة وحب الإطّلاع والتخلص من شبح الأميّة الذى يطارد نهضة مصر , وبين آخرين لا يخلصون إلى مواهبهم ويقتلهم الإحباط اليومى فى شتى مناحى الحياة ، أتمنى أن تهبنا الأيام القادمة رغبةً وشغفاً كبيراً بالفنون لأنها حائط صد حقيقىّ أمام التعصب والتشدد وذات أهمية عظيمة فى تشكيل شخصية الانسان المصرى على مر العصور .


صدام كمال الدين
16 يناير 2014
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق