![]() |
هويدا عطا |
هويدا عطا من الشاعرات القلائل اللاتى مازلن يمسكن بجمر الكتابة ويمشين على حد سيف أحبارها ، لا يكتبن قصائدهن بل هى التى دوما تكتبهن ، هى شاعرة حد الحكمة ، وفى هذا الحوار تتحدث هويدا عن تجربتها فى الشعر والصحافة .
* قليلة جدا بل ونادرة مثل هذة الكتابات التى تحققها الأنثى فى عالمنا العربى ، كيف واتتك فكرة كتابك "عابرو الربع الخالى " ؟
الفكرة ولدت من عشقى الدائم للتاريخ الإنسانى وكل ما يمت للماضى بصلة متمثلا فى المكان والزمان ، فحينما قرأت خبر وفاة الرحالة الانجليزى الشهير "وليفرد ثيسجر" الملقب بمبارك بن لندن فى الخليج والذى كان له الاهتمام الأكبر والأوسع فى العالم حيث أذاعته جميع وكالات العالم وقتها منذ أكثر من 10 سنوات ، حيث أرسلته ملكة انجلترا لاكتشاف الخليج وصحرائه الرهيبة،فلما قرأت هذا الخبر أن هناك 4 من الاماراتيين خرجوا معه وتسببوا فى نجاح الرحلة قررت البحث عنهم فى كل مكان وبعد معاناة وبحث استمرا لشهور اكتشفت أنهم أحياء ففرحت كثيرا وقتها وقررت اجراء لقاءات معهم ,وبالفعل نجحت فى هذا الأمر بعد صعوبات مريرة أوردتها فى كتابى حيث ذهبت إلى بعضهم فى مدينة " العين " وقريبا من صحراء الربع الخالى نفسها ففى احدى المرات ظللت لأكثر من أربع ساعات أبحث عنه فى الحر القائظ .
وأيضا استطعت أن اجمعهم بعد أكثر من 65 سنة فى صورة بالألوان بدلا من الأبيض والأسود وكان يتوسطهم "وليفرد ثيسجر" .
* فكرة البحث والتنقيب ليست بالهينة على صحفية فى مجتمعنا الشرقى خاصة عندما تكون خارج حدود الوطن كيف واجهتى هذه الصعوبة؟
استطعت أن أفرض نفسى فعلا على واقع صعب للغاية خاصة فى تقبل المرأة فى عمل البحث والتنقيب ، كما اننى والحمد لله استطعت أن افرض شخصيتى وجرأتى الصحفية على العمل حتى تقبل المجتمع بحثى وتنقيبى ، بل وصارت علاقة جيدة مع الرفقاء لأنهم تقبلوا طريقتى فى البحث .
* هناك فراغ تركته نازك الملائكة فى الساحة الأدبية ، الصوت الشعرى النسائى ، بالرغم من وجود أسماء كثيرة فى الوسط الثقافى ، ولكن حتى الآن ينظر لهذه المساحة بالفارغة كيف ترى هويدا عطا ذلك ؟
ربما لم تجد الساحة الشعرية النسائية بصمة قوية مضاهية لنازك الملائكة ، لكننى أعتقد أن افرازات المجتمع الشعرية لم تتوقف ونهر الابداع لم ينضب ويبشر بأقلام ليست بالسهلة ، مثل فدوى طوفان وغيرها لا تحضرنى الأسماء الآن لكن طالما هناك انسان على وجه الأرض سواء كان امرأة أو رجل ، فهناك احساس وبالتالى يولد الإبداع مهما علت قيمته أو قلت ولا شك فان كل فترة من حقبتنا الزمنية تأتى بثمارها وتخلق أسماء قد تكون مفاجئة لنا بصورة غاية فى الادهاش ، وبصورة مغايرة .
* الدكتور جابر عصفور قال لا يوجد لدينا شعر ولا شعراء وقال أنه يرى أن هناك شاعرين كبيرين فقط فى الساحة سعدى يوسف ، وأدونيس . ما تعليقك على هذا وكيف ترى حركة النقد الأدبى " للشعر" وهل هى مسايرة لحركة الإبداع الشعرى ؟
لاشك أن لهذه الأسماء قيمة شعرية وأدبية مرموقة وكبيرة ولهما تأثير بالغ فى الأجيال الشعرية المستقبلية ، وفى بناء وشكل القصيدة والمفردات ، لكننى أختلف مع الدكتور جابر عصفور فى قصره " محدوديته "للإبداع على اسمين بعينيهما فى بحر الشعر الواسع والذى يتسع لإبداع لا نهاية له طالما هناك قلوب تنبض بالحب والأحزان ، فالمأساة تخلق الشاعر والقاص والرسام والمطرب والملحن وغيرهم من أصحاب الأشكال الإبداعية المختلفة .
وهناك من لا يملكون قاربا ليبحروا به عبر الساحات الأدبية والشعرية والوسائل الأخرى لتسمع صوتهم وشعرهم إلى أفئدة وأذان الآخرين ليحكموا عليهم ، إذا ما كان هناك أسماء تستحق ، كما أن هناك اصلا أسماء أخرى قوية لشعراء موجودين بالساحة الشعرية ويفرضوا ابداعهم بكل فن ومهارة تجبر الآخر للإنصات لها باستمتاع .
أما حركة النقد الشعرى ضعفت فى الآونة الأخيرة ولم تعد قادرة على المسايرة المطلوبة ، وتعانى ساحة الشعر من هذه النقطة تحديدا ذلك بعد رحيل أهم كتاب النقد الأدبى فى رأيي رجاء النقاش ، وبات النقاد يعدون على الأصابع ربما يأتى النهار الذى نجد فيه ما يملأ عيوننا من أسماء نقدية تعيدنا ثانية إلى بصمات رجاء النقاش التى لا تنسى فى النقد الإبداعى .
* يبدو لى أن جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة لم تفارق مخيلتك ؟
هكذا هى الحياة لابد أن تنوء بالضوء والعتمة ولا تستطيع أن تستغنى الحياة عن أحدهما ، فالعتمة يعقبها ضوء والعكس ، وهما ملح الحياة وحلاوتها ، وربما عتمة عابرة يولد من رحمها شعرا يجلو به القلب ما علق به من حزن ، كما أننى استخدم أداة إبداعى فى الكتابة الصحفية المختلفة وخاصة الأسلوب الأدبى القصصى فى كتابة حواراتى وتحقيقاتى وخاصة المرتبطة منها بالإنسان والمعاناة سواء من المرض أو الفقر أو الظلم وغيره ، وأيضا استطلاعاتى المكانية والتاريخية التى أعشقها والتى أبحث فيها حقيقة عن جوهر الانسان ، ولكن يبقى الشعر لصيقا بالوجدان والمشاعر والإحساس تجاه الآخرين وردة فعلهم وأيضا ما يفاجئك به الزمن من هجمات حياتية قاسية ومريرة ، وهى الأغلب بحياتى ، وربما كانت سر قصائدى الحزينة واتسام شعرى بهذه النبرة الشجية دائما .
* وهل ترى أن ثمة اتفاق بين كتابة ما هو تخيلى وما هو تأريخى بمعنى آخر كيف أمكن لك أن تترك علامة وبصمة فى كتابة الشعر ورصد وكتابة التاريخ ؟
أعتقد أن هناك ارتباطا ما بينهما بل ووثيق ، وربما كل منهما خدم الآخر ، فنحن نعشق دائما قصص الماضى وحواديت الجدة من خلال تصورنا لها ورسم أطيافها فى خيالاتنا بما يحلو لنا ويروق ويتصالح مع أنفسنا ومبادئنا بالحياة ، هذا التخيل هو زاد الشعر ومتاعه ، هو السلم الذى نصل به إلى عنان مشاعرنا وأرقى ابداعنا الشعرى الذى نستلهمه أحيانا من توهمات شعرية لا واقع لها ولكن ليس الأغلب ، فعندما أذهب إلى مكان يتضح فيه التاريخ جليا بأثاره المكانية والإنسانية أحاول دوما أن أستحضر أشخاصه الذين عايشوه بقوة المحبة والحنين إلى أيامهم الخوالى وأحاول أن أتلمسهم من خلال ما تبقى من أثارهم فيتحول هذا الحنين والشغف إلى كلمات مرثية معطرة بمحبتهم و باستعراض مأثرهم تتشكل فى النهاية شعرا .
* هل ترى أن الشعر مازال ديوان العرب أم أن الرواية أخذت هذه المكانة ؟
الشعر سيظل دوما لسانهم المعبر عنهم بأرقى احساس ومشاعر وحروف وكلمات فى مختلف أمورهم وشئونهم من فرح وحزن وسلام وحرب ، فالكلمة زهرة أو رصاصة ، وفى كلتا الحالتين نحتاج إليهما فى أوقاتهما الملحة ، فالشعر سفير البشرية الراقى الرقيق الصادق فى كل مكان وزمان .
* هل ترى أنه تم تهميش المثقفين المصريين فى عهد مبارك ؟
لكل عصر سماته وأثاره التى تنضح على السطح وتبقى مثابرة و خالدة ، ولاشك أننا نجد المثقفين والمبدعين هم أول ضحاياه حينما لا تجد أرائهم وإبداعاتهم هوى لدى حاكمه وحاشيته ، وقد تكرر هذا كثير ا وجليا على مدى الأزمنة التاريخية سواء كان بالوطن العربى أو أوربا وغيرها ، فطالما هناك حاكم فلابد من محكوم وهذا المحكوم يوجد منه المثقف والمبدع والمستنير الذى لا يرضى أبدا بالظلم أو العتمة ، يظل يقاومهما حتى لو كلفه هذا روحه وحياته أو سجنه وقلمه بغياهب المعتقلات والسجون ، ومع هذا نجد أن هذه العتمة لم تكن أبدا كاملة وإلا ما خرجت وتواجدت على الساحة الثقافية دوما أسماء كان لها الأثر البالغ فى تنوير أفكار وعقول أجيال استطاعت على مر الزمان أن توقد جذوة ثورة ضرب بها المثل فى العالم كله .
* القارئ لشعرك يتوقف كثيرا عند مساحة الحزن الكبيرة التى تغلف قصائدك ؟
محيطى الخارجى يزج بآلامه ومعاناته دائما إلى قلبى المسكين فلا يقدر على التحمل فيبكى شعرا ، هكذا أكتب ألمى وتأثرى الخارجى بصدق شديد لأنه يلامس الواقع الذى نحياه بمصداقية عالية وهو ما يعانيه معظم البشر ، فلا أستطيع أن أفصل نفسى عن واقعى ، لأننى ساعتها سأنافق المشاعر والأحاسيس التى هى وقود الشعر ، ربما يحمل فلسفة الوجود التى حاول الإنسان تفسيرها ،ربما ينبض بما نعيشه من تناقضات غريبة ،تشع بالظلم والقهر فى غالب الأمر ، وأن الطيبة لا وجود لها فى الغابة البشرية التى نحياها .
* كيف ترى هويدا عطا الراصدة للتاريخ حال مصر الآن ؟
لدى يقين كبير بأنها ستخرج من محنتها وإن طالت ظلمتها وأيامها ، فمصر الله تعالى حاميها ، وشعبها فى رباط إلى يوم الدين ، وهى من قهرت أعتى الطغاة ، فكيف لا تستطيع قهر الفقر والظلم .
صدام كمال الدين
2/8/2013
0 التعليقات:
إرسال تعليق