عبد الوهاب الأسوانى: لا يوجد ما يسمى بالأدب النوبى

عبد الوهاب الأسوانى

عبد الوهاب الأسوانى كاتب موهوب يؤمن بالقومية العربية ، والتراث الإسلامى ويرى ان من يتعالون عليه مجرد جهلاء به ، وبرغم موهبته الكبيرة إلا انه لا يسعى إلى مزاحمة الأخرين أو إعادة طبع كتبه مرة أخرى ، ربما تشاؤما منه بأن الأمة العربية لم تعد تقرأ ، أو لإنشغالها بالفضائيات والانترنت ونسيت الكتاب ، ورغم ذلك يرفض أن يكون الأديب مجرد بوق فى يد السياسى يوجهه أنى شاء ، لذلك لا يغادر منزله كثيرا ويحرص أن يقول رأيه بصراحة فى إبداع الشباب إن طلب منه ذلك لأنه يؤمن بأن الأدب الحقيقى هو ما يبقى وسواه تذروه الرياح .

ساهم الأسواني في إنشاء العديد من الصحف سواء في السعودية أودول الخليج بصفة عامة ، وله العديد من المؤلفات لعل أهمها سلمى الأسوانية ، النمل الأبيض، أخبار الدراويش ، كرم العنب ، مواقف درامية من التاريخ العربي (قصص تاريخية) ، وغيرها العديد ، كما حصل عبد الوهاب على 11 جائزة مصرية وعربية من بينها المركز الأول في خمس مسابقات للقصة كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الاداب .


* حدثنا عن أخر أعمالك ؟

انتهيت من كتابة رواية تحت عنوان امبراطورية حمدان وأنوى ان أعيد قراءتها على مهل وبعين محايدة ، وخلال هذه الفترة تأتينى أفكار أقوم بتسجيلها فى أوراق خارجية وأدمجها معها ،أما الرواية الثانية والتى مازلت أعمل بها اسمها " جوليا اليونانية " وهى امتداد للرواية الأولى ولكن بشكل مختلف، فبطل امبراطورية حمدان انسان أسوانى والده انفصل عن والدته فغضب وطلب من والده أن يعولها، ولكنه رفض مما أدى به إلى أن يهجره ، وكان يعامل من أهل القرية على أساس أنه من أصحاب الأملاك ، ولكنه فجأة وجد نفسه بائع متجول يبيع الخضار والفاكهة ومن يمارس هذه المهنة هم الطبقة الدنيا فى هذا المجتمع وذكره البعض بهذا فما كان منه إلا أن توجه إلى محطة القطار وترك البلد وذهب إلى القاهرة عند قريب له يعمل بواب وحكى له ما حدث فقال له تعمل معى ولكنه لم يستطع لكبريائه وعزة نفسه ، ثم توجه إلى الاسكندرية بعد ذلك وتقلب بين الأعمال المختلفة وانتقل من تاجر صغير إلى كبير حتى أستطاع أن يكون امبراطورية ضخمة ، وخلال رحلة حمدان أرصد تطورات المجتمع المصرى وتقلباته فى الفترة الأخيرة .


* وبرغم أنك عشت معظم عمرك بالإسكندرية إلا أن أثرها لم يظهر فى أعمالك . لماذا ؟

رواية امبراطورية حمدان معظم أحداثها تدور فى الاسكندرية ، وأكتب دائما عن أسوان لأننى أشعر بالراحة عندما أكتب عن هذا المجتمع ، أما لماذا لم يظهر أثر اسكندرية فى أعمالى ربما يعود هذا إلى أننى نشأت فى منطقة " سبورتنج كلب " وكان معظم قاطنيها من الخواجات ولا يوجد بها من المصريين سوى ثلاث عائلات فقط ،وعندما كنت فى سن الثامنة ذهبت لألعب مع أبناء الخواجات فرفضوا وأخذوا الكرة وذهبوا بعيدا عنى ، لأن المصرى فى هذه المنطقة كان مواطنا من الدرجة الثانية ،وهؤلاء الأجانب كانوا متعاليين جدا بأستثناء فقراء اليونانيين حيث كانوا يصادقوا المصريين بسبب شعورهم بأن الاسكندرية بلدهم فهم من بناها فى الأصل ، كما أنهم وصلوا إلى مصر على أساس أنهم رعايا الدولة العثمانية التى كانوا جزءا منها ، وأيضا لم ينفصلوا عن المصريين عاطفيا وفكريا إلا إبان الحرب العالمية الثانية ، ووالدى كان يمكث بالاسكندرية فى ذلك الوقت أربعة أشهر فقط من كل عام ثم نذهب إلى أسوان بعد ذلك حيث كان لدينا قطعة أرض زراعية ولكنه لم يكن يعمل بها وإنما يتفرغ لحل المشاكل التى تحدث بين أبناء العائلات المختلفة فى قريتنا وكان الجميع يرضى بحكمه حيث كان شخصية كاريزمية يستطيع أن يؤثر فى الجميع ، ونتيجة لهذا أختلطت بالجميع ودخلت كل بيوت القرية وأستطعت أن أرصد وأخزن فى ذاكرتى العديد من التفاصيل التى تخرج لا إراديا أثناء كتابتى عن أسوان والتى تشكل لدى المادة الخام التى أشكل منها ما أريد قوله .
 

* وكيف ترصد تطورات المجتمع الأسوانى برغم بعدك المكانى عنه ؟

أزور أسوان كل عام وأمكث بها مالا يقل عن شهرين وربما أكثر،وطوال هذه الفترة يزورنى الجميع وأستمع منهم عما حدث من تطورات فى فترة غيابى ،فالناقد محمد السيد عيد والذى يتابعنى منذ أول رواية لى قال مؤخرا من يقرأ أول رواية لعبد الوهاب الأسوانى وأخر رواية له يستطيع أن يرصد تطورات المجتمع الأسوانى ، وربما فعلت هذا دون وعى منى فأنا أؤمن بأن الشخصيات تكتب نفسها .
 

* عبد الوهاب الأسوانى مغرم بتكنيك تعدد الأصوات واستخدمته فى أكثر من عمل كأخبار الدراويش وكرم العنب . لماذا ؟

الموضوع دائما يفرض نفسه ، ولم أختر شكل من الأشكال متعمدا ولكن حينما أبدأ الموضوع أجد انه لا يصلح له سوى تعدد الأصوات على سبيل المثال ، لأن الكاتب مطالب بأن يكون محايدا فحينما تترك الشخصيات التى تتحدث عن نفسها وعن الأخرين من وجهة نظرها الكاتب يكاد يكون غير موجود ، فكل شخصية لدى لها ما يشبه الملف الصغير وحينما أنطلق أنسى أمر هذا الملف ولكن المعلومات الأساسية أو البناء الرئيسى لكل شخصية هو شئ مهم لأى كاتب ، وكل النقاد الذين تحدثوا عن أعمالى ذكروا الجودة فى تصوير الشخصيات ، كالدكتور على الراعى ورجاء النقاش ، يوسف الشارونى ، ابراهيم فتحى ، الدكتور صبرى حافظ ، محمد قطب ، وغيرهم ، لدرجة أن أستاذ مساعد بجامع المنيا اسمه سعيد الطواب بكلية دار العلوم كانت رسالة ماجستيره بعنوان " تصويرالبطل الصعيدى فى روايات عبد الوهاب الأسوانى " وقال كأنما الشخصيات تكاد تحس .


* فى كرم العنب شخصية الانتهازى تكاد تكون المسيطرة على أجواء الرواية فهل قصدت هذا ؟

هى تحتل مساحة كبيرة ، وتأتى فى المرتبة الثالثة من حيث البطولة بعد مراد والعمدة رشوان وتتمثل فى شخصية عطوان والتى أينما ذهبت تجدها فى مجتمعنا الآن والتى تميل مع الريح حيث مالت والذى ينافق دائما أصحاب السلطان والقوة لكى يستفيد ولا مبادئ له وفى نفس الوقت يتظاهر بأنه صاحب المبدأ الذى يعتنقه السلطان ، وهذه الشخصية لعبت دور كبير فى الرواية لأنه يتخفى ويظهر فى أكثر من شكل وهو بعكس الانسان الصادق الذى يصبح واضحا ومستقيما .

* ولماذا أنت مقل فى كتاباتك ولاتعيد طبع الذى نفذ منها ؟

هو نوع من الإهمال ، وربما يعود هذا إلى تشاؤمى عندما أرى مسار الأدب الآن وتوزيعه القليل جدا فى بلادنا العربية ، فالانسان الآن مشغول بالفضائيات التى لا حصر لها والانترنت أيضا ، أو بمعنى أخر أرى أنه لا جدوى من إعادة طبع أعمالى مرة أخرى .



* وكيف ترى حال المثقف الآن ؟ وهل اختلف عن كونه شخصية هامشية كما يظهر فى أدبك ؟

للاسف الشديد فى العالم الثالث بأكمله المثقف والسياسى لا يتفقان أبدا ، فالمثقف يبحث عن التغيير والسياسى يبحث عن الاستقرار فيصطدمان ، وفى العالم الثالث المسألة أكثر وضوحا لأن السياسى غالبا ما يصل إلى الحكم بدون انتخابات ومن الصعب أن يغادره لذلك يهمه استقرار الوضع بأى شكل ، بينما المثقف يطالب بتغيير هذا الوضع لذلك نستطيع ان نقول انهما نقيضان ،وأكبر أمنيات السياسى أن يتحول المثقف إلى جهاز إعلامى لصالحه ، وبالطبع اى مثقف يحترم نفسه لن يرضى بهذا ،ونتيجة لهذا دائما ما تجد ان المثقف مهمش فى العالم الثالث كله وليس فى مصر فقط ، بعكس الغرب الذى تحدد فيه مدة الحكم كما ان السياسى يأتى من خلال حزب والذى يضم أيضا مفكرين ومثقفين وتؤخذ أرائهم .

* وهل النقد متتبع جيد لأعمالك ؟ ولماذا لم يحتف النقاد بروايتك " سلمى الأسوانية " خاصة بعد فوزها بجائزة نادى القصة عام 1966 ؟

سلمى الأسوانية كان حظها أفضل من روايات اخرى ، باستثناء النمل الأبيض ، ففى الفترة التى صدرت فيها سلمى الأسوانية كنت موجودا بالاسكندرية ولم يكن لى صلة بالنقاد لأنهم موجودين بالقاهرة ، ولم أرسلها سوى لعدد محدود منهم ، وبرأيى أن أفضل دراسة كتبت عنها هى التى كتبها يوسف الشارونى والتى أستفدت منها كثيرا لأنى عرفت أين أخطائى ومواطن قوتى ، وكتب عنها الدكتور القاعود ، فاروق منيب والذى كان يحتضن الأدباء الجدد ، والشاعر ماجد يوسف ، وبعد ان بدأ النقاد يعرفونى تابعوا أعمالى جيدا .

* فى معظم كتابات جيل الستينات وخاصة أعمالك يظهر لبطل وكأنه مهزوم . لماذا ؟

فى إحدى المرات سألت الأستاذ نجيب محفوظ لماذا عندك الشخصية مهزومة باستمرار فأجابنى لأننى من أمة مهزومة ، فحينما أراجع تاريخى الآن أجد أن هناك سلسلة من الهزائم فى الداخل والخارج سواء فى التارخ القديم او الحديث ، فمحفوظ قال أن سبب تفاؤله فى نهاية روايته " الحرافيش " أننا انتصرنا فى حرب أكتوبر ، فالتشاؤم أو هزيمة البطل باستمرار تأتى من الاحساس الداخلى للأديب بأنه ينتمى لأمة مهزومة بالفعل .

* وماذا عن فترة الغربة والتى لم يظهر أثرها فى كتاباتك ؟

حينما ذهبت إلى السعودية وقطر من قبلها لم أحس بالغربة والتى يشعر بها الإنسان حينما يذهب إلى أوربا على سبيل المثال ، فعندما ذهبت إلى هذه الدول جاءنى الأدباء يصافحونى ويتعرفوا على ، وأيضا بحكم تكوينى القبلى أحب العرب لأسباب موضوعية فهم وقفوا بجانبنا فى الحروب التى مررنا بها كحرب 56 ، و1973 حيث استطعنا اغلاق باب المندب ولم يكن هذا من حقنا فى ذاك الوقت ولكن الذى حدث أن اليمن أعلنت اغلاق هذا المضيق بناءا على هدنة الحرب التى كانت بينها وبين اسرائيل عام 1948 عندما فرضت عليها الدول الكبرى هذه الهدنة عام 1949 ، وعندما بدأت الحرب بين مصر واسرائيل انتهت هذه الهدنة لأنها دخلت الحرب معنا ، وكان مرور السفن الاسرائيلية من هذا المضيق ورقة رابحة فى مفاوضات السلام بعد ذلك حيث كانت تلجأ إسرائل لأمريكا حتى تتوسط لدى مصر لتمر بعض سفنها المحملة بالأدوية أو الأغذية ، وأيضا دول الخليج عندما اوقفت ضخ البترول لأوربا وامريكا ، وليبيا أيضا التى كان عندها مائة طيارة حصلت عليها من فرنسا والتى اشترطت عليها ألا تستخدمها ضد اسرائيل ، ولكن الذى حدث أنه عندما بدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر فى اليوم التالى سلمت ليبيا هذه الطائرات إلى مصر ، وأيضا العراقيين زحفوا بألف دبابة فى الصحراء المكشوفة وهما الذين حموا دمشق عندما انهزم الجيش السورى ، والجزائر أيضا شاركت عندما سافر الرئيس بو مدين إلى الاتحاد السوفيتى ودفع نصف مليار جنيه استرلينى لصفقة سلاح لحساب مصر وسوريا ، لذلك تجدنى أحب العرب لأسباب عاطفية اولا ولأسباب موضوعية ثانيا .

* وكيف يمكن أن نستفيد من التراث العربى ؟ ولماذا يتعالى عليه البعض ؟

الذين يتعالون على التراث العربى لا يعرفونه ، فعلى سبيل المثال لدينا كتاب اسمه " الأغانى " لأبى فرج الأصفهانى وكان أحد الرحالة قديما عندما يسافر من بلد لأخرى كان يأخذ معه جمل محمل بالكتب ، وعندما صدر كتاب الأغانى كان يقول بدلا من أخذ جمل معى يكفينى هذا الكتاب لأنه 31 جزء ، كما أن صاحبه ألفه فى خمسون عاما ، ولا يوجد أى كتاب غربى يقارنه أو يدانيه ليس فى الفترة التى ألف فيها ولكن الآن أيضا ، فهو يحتوى على كل شئ ستجد نقاط الضعف الانسانية به ، وخاصة لدى الحكام الأقوياء الذين عاصرهم صاحب الكتاب كهارون الرشيد والمأمون وغيرهما ، فالذين يتعالون على التراث العربى يجهلونه ومن جهل شيئا أتخذه عدوا كما يقول القدماء .

* وبرأيك ما هى مشكلة المثقف العربى الآن ؟

هذا سؤال اجابته تحتاج إلى ثلاثة أيام ولكن باختصار نحن تطرقنا إلى أجابته فى البداية عندما قلنا أنه والسياسى متناقضان ، ففى الغرب من الممكن أن يستشيروه أما لدينا لا يستشيرونه لأن السياسى لدينا غالبا لا صلة له بالثقافة ، وفى نظره انه مجرد مواطن يطلقون عليه لقب أديب أو شاعر أو روائى ، فمن من السياسيين قرأ أعمال نجيب محفوظ على سبيل المثال وهو الذى حصل على جائزة نوبل ، وهم يسمعون عن طه حسين والعقاد ولكنهم لم يقرأوا عملا واحدا لهما .

* وماذا عن الواقعية ؟ وهل مازالت قادرة على التعبير عن واقعنا ؟

بالطبع الواقعية لها دور كبير جدا لأننا لا نعرف بعضنا سواء داخل مصر أو فى البلاد العربية ، فبدون أن أقرأ روايات يمنية لن أعرف كيف يفكر الانسان اليمنى ، ولا يوجد فن يمكن أن يصور لنا كيف يفكر الانسان فى مجتمعه إلا فن الرواية ، والواقعية حدث بها تطورات وانا مع هذه التطورات ، بمعنى ان الاسهاب فى الوصف ليس له معنى واللغة المتحجرة التى تكتب عشرة أسطر يمكن الاستغناء عنها فى سطر واحد ، وتصوير الشخصية بصدق باستخدام كلمات قليلة بقدر الامكان ، والمواقف السياسية يمكن الاستغناء عن بعضها أو تجسيده عن طريق شخصية حية بالرواية ، وأتمنى ان أعرف كيف يفكر الانسان البسيط فى السودان والمغرب والامارات وعمان وإلى أخر البلدان العرب ، ففى ثلاثية محمد ديب على سبيل المثال دهشت من العالم الذى صوره هذا الاديب والبؤس االذى كان يعيش فيه الانسان الجزائرى فى فترة الاستعمار الفرنسى فامرأة اسمها منصورية ولديها عدة أطفال ومن شدة بؤسها تتمنى ان يموت هؤلاء الأطفال ، وربما نفهم الان الانسان الأوربى أكثر من الانسان العربى بسبب غزارة الرواية الأوربية .

* وما هو تأثير الحداثة فى ابداعك ؟

أنا مع الحداثة التى تستطيع أن توصل المعلومة أو الحدث أو طريقة الحياة للناس أو طريقة تفكيرهم ولكن إذا عطلها أعتبر هذا نقص فى موهبة الكاتب والذى جعله يزعم أنه يكتب رواية حديثة بكلام غير مفهوم كى يدارى على نقص موهبته .

* قلت ان التاريخ يحد من خيال الكاتب . كيف ؟

التاريخ يحد من خيال الكاتب إن تناول واقعة تاريخية فلو تناولت شخصية صلاح الدين الأيوبى ما الذى سأضيفه لتصوير الشخصية لا شئ لأنها جاهزة امامى وبالتالى لن أستطيع ان أضيف أى شئ زيادة عما هو موجود فى كتب التاريخ ، بينما الشخصية التى من ابداعى أتصرف فيها كيف أشاء حيث أقوم ببناءها بطريقة جديدة ومختلفة .

* وما رأيك فيمن يكتبون الرواية التاريخية الآن ؟

عندما أقول بأن التاريخ يعطل خيال الكاتب هذا لا يعنى اننى ضد الرواية التاريخية ، وهى مطلوبة ففى واقعة تاريخية بسيطة أريد ان أعرف الشخصيات المكونة للحدث وطريقة تفكيرها وتصرفاتها فى مواقف معينة ولن أعرف هذا إلا من خلال الرواية التاريخية ، وقراءاتى فى التاريخ تتيح لى بأن أكتب رواية تاريخية ولكنى أفضل أن أكتب رواية اجتماعية أبنى فيها شخصيات جديدة ، وأقول رؤيتى للعالم ، وبداية قراءاتى كانت بالرواية التاريخية لأحمد باكثير ورائعته " وااسلاماه " ، ومحمد سعيد العريان والذى له أكثر من عمل تاريخي .

* وهل اللجوء إلى التاريخ يعد هروبا من الحاضر ؟

من الممكن أن يكون هروبا من الرقابة لأننا عندما نتحدث عن الرواية تكاد تكون الرقابة الحكومية معدومة وفى مصر خاصة ولكن بدلا عنها ظهرت رقابة أخرى ربما أكثر خطرا على الرواية من سابقتها وهى الرقابة الاجتماعية بحيث صرنا الآن نفاجأ ببعض الأشخاص ممن يقومون باقامة دعاوى ضد المؤلفين وهذه كارثة فالروائى عندما يلجأ إلى الرواية التاريخية كى يقول هذا تاريخا وواقع لا يد لى فيه .

* يحتل المكان مكانة كبرى فى أعمالك . لماذا ؟

عديدين يقولون هذا ولا أدرى ربما يعود هذا إلى عشقى للجغرافيا منذ الصغر، وفى البدايات كنت أسهب فى وصف المكان لكن الآن وبعد الخبرة أصبحت أصفه بكلمات قليلة جدا ، وإن كان الوصف يستغرق صفحة أقوم بتوزيع هذه الصفحة على ما يقارب عشرين صفحة أخرى بحيث لا يصبح الوصف مركزا فى مكان واحد حتى لا يصبح مملا .

* حدثنا عن تجاربك الصحفية فى دول الخليج ؟

بعض الأدباء الذين عملت معهم فى الخليج مازالوا على اتصال بى حتى هذه اللحظة ونلتقى كلما جاءوا إلى مصر ، ومن حسن حظ الصحافة فى دول الخليج ان معظم من يعمل بها هم أدباء والذين أنشأوا الصحافة فى مصر هم الأدباء ، وكانت علاقتى بهم جيدة حتى من لا يمتهن الأدب كان محبا له ،وعندما حدثت صدامات بينى وبين بعض الشخصيات تصالحنا سريعا ، وما ساعدنى كثيرا هناك أننى ذهبت إلى دول الخليج وأنا محب للعرب ، كما انى وجت ان غالبيتهم العظمى يحبون مصر ويأتون إليها كثيرا ، والغربة التى أحسست بها أننى كنت بعيدا عن أصدقائى الذين كنت أسهر معهم كل يوم ، والمقاهى التى كنت اتردد عليها ، وعملت فى ذلك الوقت بجريدة الراية وكنت أحد مؤسسيها ، وفى نفس الوقت كنت مسؤلا عن الملحق الثقافى الذى يصدر كل يوم أربعاء ، كما عملت بجريدة الشرق بالدمام حيث أدخلت عليها تطويرات كثيرة وفى ذلك الوقت كان مسئولا عنها الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الغامدى وهو رجل طيب جدا وصلتى به جيدة إلى هذه اللحظة ، ثم عملت بمجلة الفيصل وكان رئيس تحريرها علوى الصافى وهو أديب ويكتب قصة وعملت معه إلى أن ترك المجلة ومن ثم تركتها انا الاخر ، وعدت إلى مجلة الشرق مرة اخرى ثم حدثت مشكلة مما اضطرنى إلى تركها ، أما المجلة العربية فاتصل بى حمد القاضى رئيس تحريرها فى ذاك الوقت وقال نحن نرحب بك للعمل معنا وعملت معه إلى أن داهمنى مرض نفسى وعضوى مما اضطرنى للعودة إلى مصر .

* وهل فعلا الصحافة مقبرة الأدباء كما قال هيمنجواى ؟

هذا بالنسبة للغربيين لأنهم حين يكتب الأديب لديهم رواية ناجحة يبيع منها ملايين النسخ أو مئات الألوف على الأقل ولذلك يغتنى بسرعة ومن ثم عليه أن يبدأ فى كتابة الرواية التالية مباشرة ولكنه لو عمل بالصحافة لن يستطيع التفرغ للرواية لأن الصحافة والأدب يستخدمان نفس الأداة وهى القلم ، فالطبيب الأديب عندما يعود من عمله إلى المنزل ويمسك القلم يستمتع بالكتابة الأدبية ، وكذلك المهندس الأديب ، أما الصحفى الأديب عندما يعود من عمله لن يمسك بالقلم مرة أخرى لأنه طوال النهار يمكسك به فى الصحيفة أو المجلة ، فهى خطر على الروائى الغربى أما بالنسبة للروائى فى المنطقة العربية عادة ما يعمل بالصحيفة يوم أو يومان على الأكثر فى الأسبوع ولعدد محدود من الساعات لذلك يتيح هذا له الوقت للكتابة الأدبية بجانب وظيفته .

* وماذا عن علاقتك بكل من رجاء النقاش ، يوسف السباعى ، وفاروق حسنى ؟

كنا نقيم ندوة كل يوم ثلاثاء فى الاسكندرية فى قصر ثقافة الحرية وكان يجلس معنا أحد الموظفين ليستمع لما نتناقش فيه فقال لنا أنا لا أفهم ماتقولونه عن الميتافزيقيات والشكل والمضمون ومصطلحات غير مفهومة من وجهة نظره ، فقررنا أن نهجر قصر ثقافة الحرية وكنا نعقد ندواتنا فى مقهى مشهور اسمه " المقهى التجارى " وكانت الصحف فى القاهرة تكتب أخبارنا ، وبعض الصحفيين الأدباء أتوا لزيارتنا ، وفى يوم من الأيام جاء لزيارتنا شاب نحيف وطويل وأخبرنا بأنه فنان تشكيلى ويفهم مانتقولوا ، كما انه مدير قصر ثقافة الأنفوشى وأقترح ان نذهب ونعقد ندواتنا عنده ،وكانت هذه بداية معرفتنا بالوزير الفنان فاروق حسنى ، وبالفعل خصص لنا حجرة وكنا نذهب إليها ولا يقاطعنا فيها أحد أثناء مناقشاتنا لدرجة أنه فى إحدى المرات تصادف أن محافظ الاسكندرية كان يزور القصر فأتى نائب فاروق حسنى وأخبرنا أن نقوم لنرحب بالمحافظ ، وكان بيننا شاعر اسمه ممدوح انفعل وسبه فذهب واشتكى لمدير القصر مما حدث ثم قررنا ألا نعود لهذا المكان مرة اخرى ،ففوجئنا بفاروق حسنى يأتى إلينا ليخبرنا بأنه لم يطلب من نائبه أن يفعل هذا واعتذر عما حدث، وبالفعل استمرينا فى عقد الندوات بالأنفوشى إلى أن ذهبت إلى القاهرة بعد ذلك وعملت بالصحافة ، أما الأستاذ رجاء النقاش فبداية علاقتى به كانت من خلال خطاب أرسلته له أسبه فيه حين حدثت معركة بينه وبين العقاد وكنت فى ذلك الوقت صغيرا بالعمر وخيل إلى أنى يجب أن أتحيز لابن إقليمى فقلت له من تكون انت حتى تتصدى للعملاق الكبير العقاد ومن هو رجاء النقاش وذكرته ببيت الشعر الذى يقول : كناطح صخرة يوما ليوهنها . . فما ضارها وأوهى قرنه الوعل ، وكنت أتقصى أخباره على أساس أنه عدو، وفوجئت به ناقد محترم ومحب للعرب ويحتفى بالادباء الناجحين ، ثم تصادف أن أرسلت له قصة قصيرة عندما كان رئيس تحرير دار الهلال فنشرها ، ثم أرسلت له خطاب شكر ،وفى يوم من الأيام جاء ليلقى محاضرة فى قصر ثقافة الأنفوشى عند فاروق حسنى ووصل معه زوجته الدكتورة هانيا والشاعر كمال عمار وكنا نجلس فى المقدمة ومعى محمد حافظ رجب حيث كنا الوقت فى ذلك الوقت أدباء شبان ، فأخذنى وحافظ رجب بالحضن ، وقال لى كنت فاكرك اسكندرانى لكنك صعيدى ، وطلب أن يقابلنى بالغد فى فندق سيسيل حيث يقيم ، وبدأت المحاضرة فقال يجلس بينكم الآن أديب شاب اسمه عبد الوهاب الأسوانى وأحفظوا هذا الاسم لأنه كاتب وكررها ثلاث مرات ، وكنت مسرورا جدا عندما قال هذا الكلام ، وعندما ذهبت إليه فى اليوم التالى سألنى عن وظيفتى قلت له أننى حصلت على تفرغ من وزارة الثقافة فطلب أن أعمل معه بالصحافة لأن أسلوبى يتسم بالسخرية ومن هنا بدأت علاقتى به ، وبعدها بفترة كبيرة ذكرته بأول خطاب أرسلته له وكلما أجتمعنا مع مجموعة من الأدباء كان يقول لهم على سبيل الدعابة أن أول رسالة أرسلها لى الأسوانى كان يسبنى فيها ، وكتب عنى بعد ذلك سلسلة مقالات فى مجلة المصور ، لذلك كانوا يطلقوا عليه مكتشف المواهب وصائد اللؤلؤ فهو الذى قدم الطيب صالح ، أحمد عبد المعطى حجازى ، محمود درويش ،والعديد من الشخصيات الأخرى ، أما يوسف السباعى فطلب منى قبل رجاء النقاش العمل معه فى الصحافة ولكنى كنت قرأت حينها مقولة هيمنجواى بأن الصحافة مقبرة الأدباء ، وكنت حصلت على المركز الأول فى ثلاث مسابقات فى القصة القصيرة والرواية ، وفى كل مسابقة كان يوسف السباعى يسلمنى الجائزة مما لفت نظره ، وكان وقتها رئيس تحرير أخر ساعة فطلب منى أعمل معه فى الصحافة فصمت وقتها فما كان منه إلا أن تركنى وذهب لأخرين وعندما سألت بعد ذلك قال لى أصدقائى أن مقولة هيمنجواى تنطبق على الأدباء الأوربيين وليس المصريين ، فلما كرر النقاش مطلبه وافقت فورا .

* حرصك على تقديم الفلكلور النوبى فى أعمالك ما دلالته ؟

لا أقدم الفلكلور إلا ان كان جزءا من دراما الموضوع ، وأحفظ العديد من الفلكلور الصعيدى والأسوانى والقاهرى ، فعنما يكون البطل مأزوم يتغنى ببيت من الشعر ، ويأتى ذلك عرضا ودون قصد باستثناء سلمى الأسوانية عندما كنت اقدم شاعرا موهوبا فقدمت بعض أبياته فى الرواية دلالة على موهبته .

* وما رأيك فيما يطلق عليه الأدب النوبى ؟

التسمية ليست صحيحة ولكن يمكن أن نطلق عليه الأدب المصرى الذى يصور النوبة لأنه مكتوب باللغة العربية ودائما الأدب ينسب إلى لغته ، والعديد منهم يقول نحن نفكر فى الجملة باللغة النوبية ونكتبها بالعربية مثلما قال الأديب النوبى يحيى مختار ، وربما جاءت تسمية الأدب النوبى لإظهار الأدباء الذين يكتبون عن هذه المنطقة .

* وهل أنت مع تقسيم الأدباء إلى نوبيين وبدو وأقباط وعرب ومصريين ؟

بالطبع لا ولكن ربما يقال هذا لتمييز أنفسهم ليس أكثر ، ولكن الأدب الذى يكتب فى مصر هو أدب مصرى ، وكذلك الأدب العربى .

* حجاج أدول فى مقال له يقول أنك نوبى ولكنك تدعى عكس ذلك . ما رأيك ؟

النوبى هو الذى يتكلم لغة أخرى غير عربية وهى النوبية ، ولا ينطبق هذا على ، كما ان الفارق بيينا هو اللغة والتقاليد فالمرأة النوبية لديها حرية أكبر بعكس المرأة فى بيئتنا والتى مظلومة كثيرا ، وتقاليدنا جزء من التقاليد الصعيدية .

* وكيف ترى إبداع الشباب الآن ؟

لا أستطيع ان يكون حكمى موضوعى لأننى لم أقرأ كل ما يكتب للشبان ، ولكنى قرأت لبعضهم كخالد اسماعيل ، عصام راسم فهمى ، أحمد أبو خنيجر ، محمد جاد ،واحسست أن كتابات هؤلاء الشبان تضيف جديدا فى الرؤية والتكنيك .

* تحولت بعض رواياتك إلى أعمال تلفزيونية فما هى مدى استفادة الأدب من الاعلام ؟

هناك تأثير عالمى بين الرواية والسينما ، فالسينما بدأت بالرواية ولم يكن هناك متخصصين فى كتابة السيناريو لدينا ، ومع مرور الوقت ،أصبح هناك متخصصين فى كتابته، وحتى هذه اللحظة انجح الأعمال لسينمائية هى التى استندت إلى روايات ، والرواية استفادت بدورها من السينما فى النقلات السريعة ،فالروايات التى كتبت فى القرن الثامن عشر كانت تسهب فى الوصف والمناقشات الفلسفية وكل هذا انتهى وأصبح غير موجود بفضل السينما ، أما بالنسبة لأعمالى فسلمى الأسوانية حولها محسن زايد إلى مسلسل تلفزيونى ، وأيضا أخبار الدراويش عملها سعد القليعى فى ثلاثون حلقة ولم تذع بعد ، والنمل الأبيض أيضا وأذيعت بالتلفزيون واذاعة صوت العرب .

* وأيهما أكثر استفادة من الأخر الأدب أم السينما ؟

لدينا فى مصر حالة غريبة جدا وهى أنه عندما تتحول إلى الروايات إلى عمل سينمائى لا توزع بعد ذلك وواضح أن مشاهدى التلفزيون لا صلة لهم بالقراءة ، وأذكر أنه كان لدى رواية اسمها " اللسان المر " تحولت إلى مسلسل قبل أن تطبع حيث قرأتها علوية زكى وقالت لى أريد تحويلها إلى مسلسل بحيث أقوم أنا بكتابة السيناريو ولم أكن فعلت هذا من قبل ، ثم أحسست أن المسألة سهلة ولكن مشكلتها الوحيدة فى الإفاضة والتطويل وكثرة الممنوعات من الرقابة ، والمسلسل كانت أحداثه تدور بين قبيلتين إحداهما أسمها الجوابر والأخرى السوالم لذلك رفضت الكويت أن تشترى هذا العمل لتشابه أسماء القبائل لديهم ، وعملت مسلسل أخر اسمه العصافير تهجر الشجر ورفضته السعودية رفضا قاطعا نتيجة أيضا أن الأحداث تدور بين القبائل ولم يكونوا يعلموا أن الصعيد به قبائل مثلما هى موجودة بالدول العربية لأنهم يريدوا التقليل من القبلية حتى لا يثيروا الفتن .
 

* ألا تفكر فى تكرار تجربة كتابة السيناريو مرة أخرى ؟

ربما فى يوم من الأيام ، وشرعت مؤخرا فى كتابة فكرة رواية ولكنى وجدت أنها أقرب للسيناريو.


صدام كمال الدين
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق