محمد الفخرانى: اللعب مع العالم هو طريقتى فى الحياة والكتابة

أحب يوسف إدريس ولكنى لا أتتبع خطاه


محمد الفخرانى
يرى الأديب محمد الفخرانى أن الإبداع والفن يلعبا دورا أكبر بكثير مما يتخيل البعض ، فهما يتخطيان الفعل السياسى والرقابى أيضا ، وكل الدعاوى التى يتحدث عنها الكثيرون من احتمالية قمع أو تشديد الرقابة على الإبداع هى مجرد أقاويل عارية من الصحة ، كما أنه يحاول أن يبتعد بنفسه وكتاباته عن العديد من المسميات التى تطلق من حين لآخر كجيل الكتابة الجديدة ، أو مشكلة النقد مع الإبداع ، وغيرهما ، فالأديب بالنسبة له يستطيع أن يخلق عوالم تخصه بكل مفرداتها وخصائصها .

حصل الفخرانى مؤخرا على جائزة يوسف إدريس عن مجموعته القصصية " قصص تلعب مع العالم " ، وصدر له من قبل ثلاث مجموعات هم : ليلة أخيرة ، بنت ليل ، قبل أن يعرف البحر اسمه ، ورواية فاصل للدهشة .

* ما هو شعورك بعد فوزك بجائز يوسف إدريس للقصة القصيرة ؟

سعيد بها جدا ، وهى أول جائزة أحصل عليها ، كما أن أهميتها تأتى من اسم الكاتب الكبير يوسف إدريس .

* وما هى أهمية الجوائز بالنسبة للكاتب ؟

هى وسيلة لتشجيع الكاتب ، وبالتأكيد الكاتب يكون سعيدا بعد حصوله على الجائزة ، وليس دائما من يحصل على الجائزة يكون هو الأفضل أو أن كتابات غيره ليست جيدة ، ولكن هذا يعود للعديد من الأمور كلجنة التحكيم والتى لو تغيرت لربما ذهبت الجائزة لشخص آخر ، فهى تخضع لتقدير ورؤية المحكمين للأعمال المقدمة لهم .

* وهل تعتبر يوسف إدريس أحد الذين شكلوا وجدانك ؟

لا يوجد كاتب قصة فى مصر لم يقرأ يوسف إدريس وأعجب بكتاباته ، ولكنى أؤمن بأن لكل كاتب خصوصيته فى طريقة وشكل الكتابة الخاصة به ، وعالمه الذى يشكل وجدانه ، كما أننى منذ البداية لى رؤية وطريقة كتابة خاصة بى .

* ما هى ظروف كتابة مجموعتك القصصية " قصص تلعب مع العالم " ؟ وهل نستطيع أن نعتبرها ترسخ للأمل وتلعب دور قيمى ؟

كنت انتهيت من كتابة ثلاثة أعمال تتحدث عن المهمشين ، مجموعتين هما ليلة أخيرة ، وبنت ليل ، ورواية فاصل للدهشة ، ومثلوا لدى مشروع ، وبعد هذا فكرت فى دخول مشروع جديد بدايته كانت مع مجموعة " قبل أن يعرف البحر اسمه " حيث يعيد تفكيك العالم وتشكيله مرة أخرى ، ووافق هذا تطور مفهوم الكتابة الخاصة بهذا العالم وليس لدى ككاتب ، حيث وجدت أن الكتابة من الممكن أن تصنع الجمال فى العالم .

* هل معنى هذا أنك تسعى لخلق عالم خاص بك ككاتب ؟

أعتقد أن هذه فكرة أساسية متواجدة لدى كل كاتب ، وهى محاولة خلق عالم بكل مفرداته وتفاصيله .

* فى " قصص تلعب مع العالم " لماذا استبدلت الأشخاص بصفاتهم ؟

لم أستبدلهم وإنما اعتبرت أن هذه الصفات أو المعانى هى كيان موجود حتى وإن لم نستطع لمسه ، فبدون هذه الصفات لن يكون هناك عالم حقيقى نعيشه .

* الصفة ونقيضها موجودتان بداخل المجموعة ويعيشوا فى تناغم . ألا تجد أن هذا يعارض الواقع ؟

لا يعارض هذا الواقع ، لأنه موجود بالفعل ، وإن تحدثنا عن الصدق ، الكذب ، السعادة ، الحزن ، وغيرهم كصفات مجردة سنجد أنهم نسبيين ، ويختلف تعريف هذه الصفات من شخص لآخر ، ولا أتعامل مع الكذب كأنه شخص شرير وإنما هو يؤدى دوره فى الحياة كما رسم له بالضبط ، وفى رواية فاصل للدهشة لم أحاكم الأشخاص الذين يبدو للآخرين أشرار ، ولم أضع نهايات مأساوية لهم .

* لجأت إلى الأسطورة فى المجموعة برغم أنك كنت شديد الواقعية فى رواية فاصل للدهشة ؟

بعد فاصل للدهشة كان يمكننى الاستمرار فى الكتابة عن عالم المهمشين ،بل كان لدى مشروع عن الغجر وبدأت جمع بيانات ومعلومات عنه ، ولكننى وجدت نفسى أريد الذهاب لمكان أخر وجديد ، وكان جزء منه أن أطور الفكرة أو المشروع فكانت الأسطورة .

* وهل نعتبر لجئوك للأسطورة هروبا من الواقع ؟

ليس له علاقة بفكرة الهروب من الواقع ، والأسطورة والخيال ليس لهم علاقة بالواقع .

* لماذا جنحت فى المجموعة للتجريب على مستويات البناء واللغة القصصية ، والمزج بين الواقعى والعجائبى ؟

قصدت حدوث هذا ، ففى بداية كتابة مشروع أدبى تكون هناك خطوط عامة يمشى عليها الكاتب ، ولكن التفاصيل الصغيرة هى التى لا تكون مقصودة وتقود العمل فى اتجاهات كثيرة لم تكن فى بال المبدع .

* هل ترى أنه مازال للكتابة الرمزية قارئها ؟

كل كتابة لها قارئها ، ومعدل القراءة أخذ فى الزيادة ولكن الفيصل يصبح للكتابة الجيدة بغض النظر عن نوعها .

* وما هو الفيصل فى مدى جودة الكتابة بالنسبة لك ؟

ككاتب أكون أنا أول من يحكم على مدى جودة كتابتى من عدمها ، لذلك يجب أن استمتع بها ، وبعكس العديد من الكتاب أحب مراجعة ما أكتب أكثر من مرة حتى أستطيع أن أعدل بها وأجود فيها أكثر ، وبالطبع القارئ عنصر هام فى الحكم على جودة العمل من عدمه .

* المجموعة أقرب لحكايات الطفولة المليئة بالتشويق والبعيدة عن بؤس الحياة ؟

ربما التوصيف الصحيح هو أنه بها حس اللعب والغموض .

* ولماذا قررت أن تلعب مع العالم ؟

الحياة لن تمر إلا باللعب لأن هذا هو الواقع الذى نحياه ، وهى طريقتى فى الحياة والكتابة .

* بعض القصص مكملة لأخرى وكأنها جزء ثان لها قصص مكملة لأخرى ؟

ليست متتالية أو رواية وكنت حريص ألا تظهر وكأنها متتالية ، وبعض القصص لها علاقة بأخرى ولكنها ليست مكملة لها ، والمتتالية القصصية أقرب للرواية منها للمجموعة ، حيث التوالى ضرورى ، وترتيب معين فى القصص بعكس المجموعة ، وبعض قصص مجموعتى تشعر أنها تنتمى لعالم واحد ولكنهم لا يكونوا متتالية قصصية ، وليس بالضرورة أن يتم وضعهم فى ترتيب معين بل يمكن التقديم والتأخير فى ترتيب القصص دون ملاحظة وجود خلال بداخل المجموعة .

* تجاور الصفات الجيدة والسيئة هل هو سعى منك لخلق عالم مثالى ؟

بالفعل تجاوروا ولكننى لم أقصد خلق عالم مثالى ، لأننى أتقبل العالم كما هو ، ولن يكون عالم جميل بدون وجود كل هذه التناقضات ، فعندما أتصور نزع كل الشرور والمآسى واستبعادها من واقعنا كيف سيكون هذا الواقع ؟ سيصبح عالم فى منتهى السخافة ، ممل ، ساذج ، ولا يستحق التعب من أجله .

* هل معنى هذا أنك ترى أن البؤس والشقاء جزء من الحياة؟

بالطبع جزء أساسى ، وليس معنى هذا أننى أشجع على شقاء وبؤس الآخرين ، ولكن ما أقصده هو وجود التعب من أجل الحصول على الأشياء .
 
* كتبت القصة ثم الرواية وعدت لكتابة القصة مرة أخرى ، أيهما أقرب إليك ؟

استمتع بكتابة النوعين بنفس الدرجة ، لأنهما يمثلان لى فعل الكتابة بغض النظر عما اذا كانت إحداهما تعجب عدد كبير من القراء أكثر من الأخرى .

* حتى وإن حدث تراجع للقصة القصيرة ومقولة " زمن الرواية " ؟

هذا ليس حقيقيا ، فربما هذه التصنيفات توجد لدى النقاد ولكن فى عالم المبدع الشخصى لا يضع حسبانا لهذا ، وإنما يبدأ الكتابة وتخرج فى أى شكل تريده ، أما ما يضع نصب عينيه هو الكتابة الجيدة فقط .

* ما رأيك فى مصطلح الكتابة الجديدة ؟

نوعا ما قديم بعض الشئ ، ويستخدم الآن على نطاق ضيق ، هل الكتابة الجديدة مجرد شكل جديد ؟ وبرأيى أن الشكل الجديد لا يضمن للكتابة أن تعيش لأنه بمرور الزمن ستصبح هذه الكتابة من الماضى ، والأهم هو جوهر الكتابة وما تبحث عنه ، وعلاقة الكاتب بالعالم ورؤيته للكتابة ، وتطوره مع الوقت ، وهى مجرد مصطلحات نقدية لا تخص الكاتب أو مشروعه لأنه سبق وأن خلق عالمه الإبداعى .

* ذكرت أن عالم المهمشين الذى عبرت عنه فى رواية " فاصل للدهشة " هو جزء من مشروع تأمل أن تكمله ؟

وقتها كان لدى مشروع عن الغجر ، وتطور ليضم هامش أكبر عما كنت أتصوره فى رواية الغجر ، وبعد أن بدأت الكتابة وجدت أنى أريد الكتابة عن أشياء أخرى وربما أعود لهذا المشروع قريبا وأعمل على إكماله ، ولكنه سيكون بطريقة مختلفة تماما عن فاصل للدهشة ومجموعاتى القصصية .

* ما الذى قدمه جيلك للمشهد الإبداعى المصرى والعربى ؟

جددنا فى الكتابة وقدمنا طريقة جديدة وطورنا عوالم قديمة .

* ولكن لماذا يتم اتهامكم بالإغراق فى الذاتية والجنس ؟

الجملة نفسها عامة وليست محددة ويمكن وصف أى كتابة بها .

* ما رأيك فى فكرة المجايلة ؟

ككاتب أحب أن أبتكر طرقى وعوالمى الإبداعية ولا أتتبع خطى من سبقنى لأننى بهذا سأكون نسخة مكررة من غيرى ولن أضيف جديدا ، وما أؤمن به هو أنه على كل كاتب أن يكتب نفسه وذاته ويخلق عوالم إبداعية خاصة به .

* البعض يقول عن جيلكم أنه محظوظ لاتساع فرص النشر فهل تتفق مع هذا ؟

هذا لا يخص جيلنا فقط وإنما أصبح يخص الجميع الآن ، وصادف أن النشر أصبح متوفرا لجيلنا بعكس الأجيال السابقة ، وهو بالفعل خدمنا بحيث ساعدنا على التواجد والانتشار أكثر .

* برأيك ما هو تأثير الثورة على الأدب فى المرحلة القادمة ؟

الفن يتجاوز الأفعال السياسية ، لأن السياسة تؤثر بشكل مباشر فى الشارع ولكن فى الأدب تأثيرها يكون هامشيا ، فليس شرط أن يتناول الكاتب السياسة بداخل كتاباته وإنما يمكنه أن يتحدث عن عوالم أخرى بعيدا تماما عن الفعل السياسى ، وتأثير الثورة سيظهر فى بعض الكتابات مثلما حدث فى الفترة الماضية .


* ما رأيك فى النقد الأدبى ؟

بالنسبة لى ككاتب إن كان لى قراء فأنا بخير .

* كيف ترى تأثير التيارات الدينية على الأدب فى المرحلة القادمة ؟

لا أخشى شيئا لأن جميع ما يشاع عن تحجيم الإبداع والفن لن يحدث ، وأى نظام حتى وإن كان قمعيا لن يستطيح تحجيم الفنون لأنها تستطيع تخطى كل هذا ، فهى جزء من الحياة ، ولست مشغول بكل الهواجس التى تدور بالشارع .

صدام كمال الدين
شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق