من يرتاد شوارع العاصمة المصرية القاهرة ٬ لابد أن يتوقف أمام عدد من الشوارع أشبه بالماكينة التي لا تعرف الهدوء أو الراحة ٬ تعمل ليلا ونهارا وتتواصل فيها الحركة حتى بزوغ الخيوط الأولى من صباح اليوم التالي.
وتتنوع أهداف السائحين العرب والأجانب المترددين على هذه الشوارع ٬ فإن لم تكن للبيع أو الشراء ستكون للمتعة والإحساس بعبق التاريخ .
خان الخليلي
جولتنا بدأت بشارع خان الخليلي الذي يعد قبلة السياح الوافدين إلى مصر ٬ تجد فيه مختلف الجنسيات واللغات وترى خليطا من العرب والأجانب يجلسون على المقاهي به مثل مقهى الفيشاوي والذي ربما يعد من أقدم المقاهي في هذه المنطقة.حيث تعود نشأته إلى عهد محمد علي ليس هذا فقط بل ربما ترجع شهرته أيضا إلى من كانوا يجلسون عليه أمثال محمد عبده ونجيب محفوظ وغيرهم ٬ هذا في الأيام العادية أما في شهر رمضان المبارك فلن تجد مكانا تجلس فيه على هذه المقاهي.
حيث يحرص الكثيرون سواء من الأجانب أو العرب أو المصريين على حجز أماكنهم والسهر في المقاهي من بعد صلاة التراويح ويحرص أكثرهم على تناول وجبة السحور هناك.
لعل المقاهي ليست الأشهر بهذا الشارع بل ينافسها البازارات والمحال العديدة الموجودة به والتي تحرص على أن تكون معظم صناعاتها متقنة ويدوية أيضا حتى لا تكاد تجد سائحا يأتي إلى مصر ويعود منها إلى بلده دون أن يقصد بازارات خان الخليلي لانتقاء تذكار منها ربما يكون من النحاس الذي يتم تطعيمه بمعادن ثمينة أو نقوش بديعة سواء كانت فرعونية أو إسلامية ٬ ليس النحاس فقط بل ستجد المنسوجات من الملابس والفضة وأيضا المصنوعات الخشبية وربما تتمثل أيضا في " نرجيلة " أو " شيشة " بالمصري والتي تكون مزخرفة أيضا يدويا.
والمفاجأة الكبرى التي يحبها ويفضلها العديد من الأجانب هي المشغولات الذهبية والمجوهرات ٬ حيث يوجد بها العديد من القطع التي تمثل الفراعنة سواء لشخصيات منهم أو على شكل جعران أو هرم أو حتى بعض آلهتهم القديمة وتوجد هذه المحلات بشارع الصاغة الذي يجاور خان الخليلي.
رائحة الماضي
تجولنا بين طرقات وجنبات خان الخليلي لنتعرف على المزيد من أجوائه التي تعبق برائحة البخور والعطور أيضا والبهارات والتي تجعلك تشعر بأنك عدت مرة أخرى إلى عهد الفاطميين ٬ خاصة وأنه يبدأ من أمام المشهد الحسيني والذي ربما أفاده كثيرا وأعطاه المزيد من الشهرة والأهمية ٬ ويمتد خان الخليلي من هذه المنطقة وحتى حارة الصالحية لتتفرع منه بعد ذلك عدة شوارع غيره لعل أهمها شارع الصاغة.
التقينا محمد الأمين ويعمل بأحد محال العطور يقول: معظم زبائننا من العرب والأجانب والمصريين أيضا ٬ خاصة من يحرص منهم على زيارة سيدنا الحسين باستمرار ٬ وعملنا مزدهر طوال أيام العام ولكن مثل غيرنا هناك مواسم مثل شهر رمضان والذي يزداد فيه الإقبال على العطور والبخور والمستكة وغيرها من الأنواع العطرية ٬ كما أن هناك بعض الأنواع تمنع العين والحسد كالمستكة والكسبرة والتي من يشمها يذهب عنه السحر والأعمال الخبيثة.
سياحة طوال أيام العام
أما أحمد إبراهيم يعمل بأحد المقاهي فيقول: أعمل هنا منذ ما يقارب من الخمس سنوات وأجمل ما في هذا العمل أنني قريب من جامع سيدنا الحسين ٬ كما أن هناك استفادة أخرى بجانب المرتب الجيد الذي أحصل عليه هو أنني استطعت أن أتحدث أكثر من لغة نتيجة احتكاكي بالعديد من الجنسيات الأجنبية.
وبرغم أن شهر رمضان يعد أكثر الشهور زحمة ونعمل به كثيرا إلا أنه في باقي أيام العام تكون المقاهي مزدحمة ويكون العمل كثيرا؛ لأن هناك سياحة طوال أيام العام في مصر ولا تقتصر على أيام معينة ٬ وأجمل الأوقات هي التي يكون بها سياح من أشقائنا العرب .
حيث يحضرون معهم شخصا أو أكثر يحمل أحدهم عودا يعزف عليه ويتغنون بأغانٍ تعطي روحا جميلة للمكان ويستمتع بها باقي الزبائن حتى أنه من الممكن أن ينضم إليهم آخرون ليستمعوا أو يشاركوهم الغناء .
أشكال فرعونية
ولم ننسَ أن نمر على أحد البازارات ونسألهم عن سر ارتفاع الأسعار لديهم ليقول لنا عمرو الشيمي: لأن معظم البضاعة لدينا هي مشغولات يدوية والتي تأخذ الكثير من الوقت والجهد كما نحرص على أن تكون جيدة ومتقنة ٬ حتى نستطيع أن ننافس بها وحرصا على سمعة المكان.
هذا إلى جانب أن المنطقة سياحية وإيجارات المحال فيها مرتفعة ٬ وأغلب هذه الأشياء تكون تذكارية وليست للاستخدام كالأشكال الفرعونية ٬ وأيضا العقد الذي تتدلى منه عين حورس والذي يحرص العديد من النساء خاصة الأجانب على اقتنائه ٬ أما السياح العرب فيحبون اقتناء المشغولات الذهبية بعكس الأجانب الذين يفضلون الفضية.
يعود تاريخ خان الخليلي إلى الأمير جهاركس الخليلي أحد الأمراء التابعين للسلطان برقوق والذي قام ببنائه فوق منطقة كانت تسمى بتراب الزعفران حيث كانت تضم رفات موتى الخلفاء الفاطميين في مصر والمغرب أيضا.
الأكثر شهرة
انتقلنا من شارع خان الخليلي إلى شارع عبد العزيز ٬ هذا الشارع الذي لا يعرف الهدوء أو الراحة ٬ إن لم يكن من أجل البيع أو الشراء سيكون لنقل البضاعة أو تخزينها ٬ صار هذا الشارع الأكثر شهرة في تجارة التليفون المحمول بعد أن كان مشهورا بالأدوات المنزلية. حيث كان مقصد الجميع في أوقات سابقة إن لم يكن من أجل ثلاجة أو بوتوجاز فمن أجل جهاز موبايل سواء كان جديدا أو مستعملا ٬ رخيصا أو غاليا ٬ بضمان أو بدون ٬ ستجد في هذا الشارع خليطا من كل شيء سواء من الأجهزة أو الشخصيات ٬ فتجد الذي يريد أن يتزود بأجهزة حديثة أو مستعملة أو يستبدل القديم بالجديد.
الحاج عطا صاحب شركة الجميل والعطيفي يقول: البيع والشراء في شارع عبد العزيز مستمر طوال أيام السنة سواء بالنسبة للأجهزة الكهربائية أو المحمول ولكن هناك أوقات كفصل الشتاء تكون حركة بيع الأجهزة المنزلية أكثر؛ لأن العديد من الناس يحرصون على الزواج في هذا الوقت لذلك ستجد الكثيرين من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة يأتون لشارع عبد العزيز لتجهيز بناتهم وأولادهم.
حيث الأسعار منخفضة ٬ ومعظم الإقبال يكون على الأجهزة الرئيسية كالثلاجة والبوتوجاز والغسالة والسخان ٬ أما باقي الأجهزة والتي تعد كماليات كالميكرويف فقليلون من يطلبونها.
الحاج محمد بيومي صاحب شركة أولاد بيومي يقول: إن الشارع أصابه الكساد في الآونة الأخيرة بسبب الحالة الاقتصادية التي تمر بها مصر ٬ كما أن هناك مناطق أخرى أصبحت تبيع بأسعار منخفضة عن شارع عبد العزيز كمنطقة " قليوب " والتي انتشر فيها بيع الأجهزة المنزلية من فترة ٬ أما ظاهرة البائع المتجول في شارع عبد العزيز فانتهت تقريبا ٬ حيث لم نعد نرى الكثيرين منهم أخيرا ٬ وربما تجارة المحمول هي التي أصبحت مسيطرة الآن على الشارع ٬ حيث اشتهر بها ٬ ولكن هذا لا يمنع من أن يكون الأصل في الشارع هو تجارة الأجهزة المنزلية وهي الآن مستمرة به ٬ ومعظم الزبائن يأتون إلينا من الأرياف والمناطق الشعبية خاصة لو أن هناك عروسا يتم تجهيزها.
تجارة المحمول
أما الحاج علي أحمد مدير مسؤول بشركة المحمدية للتوكيلات فيقول: حالة الركود عامة واقتصاد البلد الآن في تجارة المحمول والتي بطبيعة الحال أثرت على كل شيء حتى الأجهزة المنزلية حتى صار الناس الآن يستبدلون المحمول بالتلفزيون ٬ وأعمل في الشارع منذ ما يقرب من العشرين عاما ٬ فالبيع اختلف والزبائن أيضا ٬ فالزبون الآن يريد أن يشتري السلعة بنصف ثمنها ٬ هذا إلى جانب أن سمعة الشارع تأثرت نتيجة الغش في أجهزة المحمول سواء كانت مسروقة أو مضروبة.
أما إسلام حامد يتاجر في أجهزة المحمول فيقول: الناس لم تعد تقبل على شراء الموبايلات الآن ربما بسبب غزو الصناعة الصينية للشارع وأيضا أسعار الموبايلات في النازل ٬ فأنا أعمل في الشارع منذ عام 1999 أي ما يزيد على عشر سنوات ٬ فمنذ هذه الفترة شهد الشارع تغيرات عديدة فالزبون تغير ولم يعد مثل الماضي.
أما إسلام حامد يتاجر في أجهزة المحمول فيقول: الناس لم تعد تقبل على شراء الموبايلات الآن ربما بسبب غزو الصناعة الصينية للشارع وأيضا أسعار الموبايلات في النازل ٬ فأنا أعمل في الشارع منذ عام 1999 أي ما يزيد على عشر سنوات ٬ فمنذ هذه الفترة شهد الشارع تغيرات عديدة فالزبون تغير ولم يعد مثل الماضي.
حيث كانت الأسعار التي نبيع بها مرتفعة مقارنة بأسعار اليوم ٬ لذلك من كانوا يأتون إلى هذا الشارع هم فئة معينة من الطبقة المتوسطة فما فوق أما الآن فتجد الأطفال يحملون الموبايلات ليس هذا فقط ٬ وإنما العديد من الناس يقبلون على شراء الصيني بسبب رخص ثمنه وأيضا ميزة أخرى فالعديد من الموبايلات الآن تستخدم بديلا عن التلفزيون حيث يمكنها أن تعرض لك عدة قنوات فضائية على جهازك.
صدام كمال الدين
0 التعليقات:
إرسال تعليق