مدبولى وزير ثقافة الشارع .. وأبو طارق ملك الكشرى

صدام كمال الدين

عمد وسط البلد لقب جدير باثنين استطاعا أن يتركا علامات واضحة فى منطقة وسط البلد والاثنين يعملان فى مجال الطعام أحدهما لاطعام العقول والآخر البطون،ولكنهما يشتركان فى صفات عديدة لعل أهمها أنهما بدأ من الصفر أو ما قبله بقليل ليصبحا فى النهاية من أشهر وأثرى المصريين،وأيضا تصميمهما على ارتداء الجلابية بل والفخر والاعتزاز بها .

 

العمدة الأول هو" الحاج محمد مدبولى هو الظاهرة الأخطر فى الحياة المصرية هكذا وضعت المخابرات المصرية الأمريكية صاحب أشهر مكتبة فى مصر والعالم العربى ، " مكتبة مدبولى " التى يتواعد العشاق عندها ،ويضرب الناس مواعيدهم أمامها . 
نعم هو الظاهرة الثقافية الأهم فى مصر حسب وصف اللوموند الفرنسية ، كما أنه ملمح رئيسى من ملامح القاهرة مثل الأهرامات وأبو الهول حسب وصف إذاعة الـ BBC ، وقد صادق الرجل مجموعة من رجال العصر كان كل منهم عصراً بأكمله مثل جمال حماد ومحمد حسنين هيكل ويحيى حقى وغيرهم ، وإلى أن رحل عن عالمنا مؤخرا ظل محافظاً على زيه الرسمى – الجلباب – ولم يغيره منذ أتى من محافظة سوهاج فى صعيد مصر وحتى توفى عن 67 عاما .

كان الحاج محمد مدبولى فى بداية حياته بائع صحف متنقل " جوال " مع والده ، حيث كانا يبيعان الصحف فى ميدان طلعت حرب وجاردن سيتى وميدان الأوبرا الجديدة ، والتى كانت مركزاً للجيش الانجليزى ، ووالده كان متعهدا للصحف العربية والاجنبية وكانت المنطقة التى يعملا بها كلها اجانب حتى أنشأت نقابة الصحفيين أكشاكاً بمثابة معاشات للصحفيين ، فاخذا كشكا بالشراكة مع شخص آخر ؛ وكانا يدفعا فيه ثلاثة جنيهات فى الشهر (وكانت بمثابة ثروة فى تلك الايام).

عمل فى هذا الكشك وجاء أخيه ليعمل معه، وكان طالبا بالمدرسة أما مدبولى فلم يتعلم؛ وذات يوم كانوا يتحدثون ويخططون للمستقبل، فرغم صغر سنهم إلا أن الله منحهما نضجا مبكرا ففكرا ماذا سيفعلان فى هذا الكشك حيث لا يملكوا شراء أى بضاعة ،وانما كانت عملية اصرار بأن يحققا ذاتهما لذا لم يحسبا للعواقب حسابا ، وبعد مرور ثلاثة أيام على عملهم بالكشك حصل شريكهما على كشك أخر، فاتفقا على أن يترك لهما هذا الكشك ، وبدأ العمل حتى أصبح المكان علامة للمثقفين الذين يقرأوا الايطالى والجريجى والفرنسى ، اذ أنهما كانا يقدما هذه التنويعات من الصحف ، وقسما أيام الاسبوع ففى الخميس صحف فرنسية ، والاثنين صحف ايطالية ، والثلاثاء صحف انجليزية .. وهكذا أصبحت لديهم مواعيد محددة ومعروفة .

وبعد حرب 56 وهجرة الأجانب الذين كانوا يعتمدواعليهم فى شراء الصحف ، والحصار المضروب وقتها على مصر،لم يستطيعا احضارالجرائد من بريطانيا أو فرنسا او ايطاليا ، فلجأوا الى وسيلة أخرى للعمل وهى الحصول على الكتب التى كانت موجودة لدى الاجانب قبل هجرتهم ليبيعوها بقرش صاغ أو بقرشين ، وكان هذا يعوض عن خسائرهم فى الجرائد والمجلات ، بعد ذلك بدأ الكتاب العربى فى الظهور لدرجة صدور كتاب كل 6 ساعات سواء أكان مترجما أو مؤلفا – من دار المعارف أو الانجلو أو الهيئة العامة للكتاب والتى كان اسمها القومية للتوزيع - وبدأ المثقفون فى التطور وممارسة دورهم التنويرى من خلال المؤسسات كثروت عكاشة وعبد القادر حاتم وفى هذه الفترة بدأ الإزهار الحقيقى لتجارة الكتب فى مصر .

وفى عام 1958 أصبح مدبولى ناشرا ، ولم يكن هناك أحد يبيع كتب المسرح فى مصر ، وعرف من خلال احتكاكه بالمثقفين أن الكتب التى تصدر عن دار المعارف والانجلو والقومية للتوزيع ليس من بينها المسرح فاتفق مع بعض المثقفين على ان يقوموا بترجمة الكتب الاجنبية التى اشتراها من الاجانب كسارتر وكامو وبكيت لمتابعة العالم وتطوره ، وكانت هذه هى بداية نهضة الترجمة أو ما يمكن أن يسمى برحلة الترجمة ،وكان يسترشد برأى المثقفين الموجودين آنذاك فحدثوه عن سارتر وقالوا له أنه وجودى وهو مذهب كان له نشاط فى كل المنطقة إلا مصر ، ومن هنا أصر على هذا المشروع ، ذلك لان المصرى يحب أن يكون دائما رائدا فى كل شئ ، ولما لا وقد قرأ عن أجدادنا معلومة فى الخارج تقول أن قدماء المصريين كانوا يستطيعون بناء عمود أو مسلة من جرف واحد من الجبل فهل هناك من يستطيع فعل ذلك الان .

أما عن سر تصميمه على ارتداء الجلابية فقال رحمه الله هى مبادئ تعلمناها باعتزاز من الرجل العظيم "جمال عبد الناصر "وأنت الآن تكون أو لا تكون والناس لن تعاملنى بما أرتديه ولكنى بعقلى والمفروض أن تحاسب الناس مثل العالم الاوربى المتقدم بعقلى مش بحاجة تانية وهل الملابس هى المشكلة .. هذاهو النقد البناء .. في العالم الأوربى عندما يمشى شخص يرتدى "شورت" فى الشارع أليست هذه حريه بالنسبة له ، وأنا ألبس جلابية وهى حرية بالنسبة لى ولن أرتدى أى ملابس غيرها ".

العمدة الثانى هو الحاج يوسف زكي، الشهير باسم «أبو طارق» حيث بدأ عم يوسف مشواره منذ عام 1950، بعد أن ورث مهنة وعربة صناعة الكشري عن والده، الذي كان يعمل على عربة يد صغيرة يتنقل بها في وسط القاهرة لبيع الكشري. وظل يوسف يعمل على عربة اليد هذه الى أن نجح في إدخار مبلغ من المال دفعه لمشاركة أحد معارفه في شراء مقهى كان في مكان المحل الموجود الآن بمنطقة معروف، ولم يفكر الشريكان في تغيير نشاط المقهى حتى مات شريك عم يوسف، الذي سارع الى ورثة شريكه واشترى منهم نصف المقهى، وحول نشاطه لمحل لبيع الكشري، معتمدا على خبرته في هذا المجال، ويوما وراء الاخر كان عم يوسف يثبت مكانته في سوق الكشري في مصر، الى أن نجح في شراء العقار، الذي يقع في أسفله المحل الذي تحول الى أكبر محل لبيع الكشري في القاهرة وبات يضم ثلاثة طوابق. الطريف أنه لم يفكر في افتتاح فروع أخرى لمحله الشهير، والسبب كما يقول:أنا ما زلت حتى الآن أمارس العمل بيدي، فأنا أقوم بفتح المحل في الساعة السابعة صباحا من كل يوم وأشرف على العمال بنفسي أثناء إعدادهم مكونات الكشري للتأكد من درجة طهي كل منتج بالطريقة الصحيحة، وهو أمر لن أستطيع الوفاء به اذا ما قمت بافتتاح أكثر من فرع، مما قد يؤثر على مستوى الخدمة وهذا ما لا أقبله اطلاقا ".

كما لم يغير أبو طارق جلابيته أيضا لا يسمح بتغيير نظام محله لأنه لا يقبل بحالة الطوارئ التي يفرضها وجود شخصيات هامة في الاماكن التي يذهبون اليها،حيث يفرض أبو طارق قوانينه الخاصة على من يأتي الى محله،فلا يسمح بإخلاء المكان من الزبائن العاديين كما لا يسمح بوجود حراسات مسلحة،وأيضا يرفض أبو طارق خدمة التوصيل الى المنازل، مبررا ذلك بان الكشري في المحل له مذاق آخر كما أن بعد المسافات وزحام الشوارع في القاهرة سيؤدي الى برودة طبق الكشري، الذي يجب أن يؤكل ساخن ،وشهرة المحل تخطت مصر ووصلت للدول العربية حتى صار له زبائن مهمين مثل عدد من أفراد العائلات الحاكمة في الخليج ووزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبو الغيط، إضافة الى عدد كبير من الفنانين، مثل المخرج يوسف شاهين، الذي يوجد مكتبه في نهاية الشارع واعتاد تناول الكشري عند أبو طارق، والفنان عادل إمام ومحمد هنيدي وأشرف عبد الباقي وشعبان عبد الرحيم وغيرهم الكثير .

شاركه على جوجل بلس

عن صدام كمال الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق