صدام كمال الدين
تجربة مقاومة التطبيع فى مصر والوطن العربى بعد اتفاقية كامب دافيد والصلح بين حكومتى مصر واسرائيل كانت فى جانب منها رسالة اعتذار توجهها القوى السياسية والمجتمع المدنى فى الوطن العربى لفلسطينى 1948 الذين نبذهم العرب بعد النكبة وتعاملوا معهم بحذر وشك ولم يبذلوا جهدا للتعرف على أوضاعهم الصعبة او التواصل معهم ، هذا ما جاء فى مقدمة كتاب " لا أحد يخاف اسرائيل " للكاتبة فريدة النقاش .
الكتاب تم تقسيمه لسبعة فصول يحتوى كل فصل على العديد من العناوين الفرعية والتى يناقش كل عنوان منها نقطة مختلفة ، ففى الفصل الأول لا أحد يخاف إسرائيل تتحدث الكاتبة عن الخيانة وتراشق المثقفين العرب من المؤيدين والمعارضين للتطبيع بها فالتحالف الدولى من أجل السلام فى كوبنهاجن والذى شارك فيه مثقفون مصريون وإسرائليون وفلسطينيون وأردنيون كان قد أصدر وثيقة يدعو فيها المثقفين العرب لتبنيها وهو ما أثار ضجة كبرى فى الأوساط السياسية والثقافية العربية لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن ويتبادل حولها الساسة والنشطاء ضد التطبيع والكتاب الحوار والتراشق بالكلمات وصولا إلى الاتهام بالخيانة ، ولكن المثقفيين المصريين نجحوا نجاحا باهرا فى عزل ومحاصرة المركز الأكاديمى الإسرائيلى فى مصر وشكا السفراء الإسرائيليون المتعاقبون من الشعور بالوحدة والانقطاع عن المجتمع الدبلوماسى والثقافى المصرى ووصفوا السلام بين مصر واسرائيل بأنه بارد ، لم يفعل المثقفون ذلك لأنهم يخشون من إسرائيل أو من تأثير ثقافتها فالمثقفون الديمقراطيون يعرفون جيدا أن لا خطر من الثقافة الاسرائيلية على الثقافة العربية .
كما تؤكد الكاتبة أن التدهور الذى أصاب حال الأمة العربية أصبح لا يحتاج شواهد أو أدلة وتقارير فهو واضح للعيان فالحالة تتدهور وبوادر النهوض أقل كثيرا من أن نعول عليها كأساس لمرحلة جديدة نوعا ما تتحقق فيها نهضة شاملة تمكننا من الوصول لسلام عادل ودائم .
أما الفصل الثانى وهو بعنوان الفساد ، فبحسب المؤلفة لم يكن الاحتلال الجاثم على صدور الفلسطينيون بكافيا بل تدخل الفساد أيضا لتكتمل المأساة فالدول المانحة للمعونات للسلطة الوطنية الفلسطينية أخذت تطالب علنا بنظام مضمون للرقابة على انفاق السلطة لتتأكد هذه الدول أن الاموال تصب فعلا فى تنمية المناطق الفلسطينية ورفع مستوى معيشة الشعب الفقير الذى انهكه الاحتلال وليس تنمية ثروات كبار رجال الدولة والتى شهدت نموا كبيرا فى عدد السيارات الفخمة والفيلات الفاخرة بل والقصور .
الدولة الديمقراطية يجب أن تكون لكل سكانها وهو الفصل الثالث الذى يناقش مشكلة الحل الديمقراطى للقضية الفلسطينية أى الحل الذى يستبعد قيام دولة فلسطينية ويسعى لدولة ثنائية القومية ديمقراطية لكل سكانها سرعان ما سيكون فيها الفلسطينيون أغلبية ومشكلة هذا الحل ان احدا لا يناقشه بجدية ويطرجه النائب العربى فى لكنيست عزمى بشارة دون اى استجابة حتى ولو بالرفض من قبل الساسة والحركات الجماهيرية والديمقراطية العربية ، ووسط هذه المأساة هناك لمحة أمل فالاستيطان الاسرائيلى فى الضفة وغزة أخذ يتفكك تحت وطأة الانتفاضة تشهد على هذه الحقيقة حالات الرحيل واغلاق المنازل التى يعجز أصحابها عن بيعها بعد أن تزايد عدد القتلى والجرحى بين المستوطنين وقل الطلب عليها ، وقال 19%من المستوطنين فى استطلاع للرأى فى يونيو الماضى انهم على استعداد فى حالة تلقيهم عرضا بالانتقال للسكن فى بيت جديد داخل الخط الاخضر للرحيل من المستوطنات التى حصلوا على المنازل فيها باسعار اقل كثيرا من اسعار السوق لتشجيعهم على العيش فى المناطق المحتلة ،ولكن التطرف هو التطرف والعقل العنصرى الذى يمكن أن يواصل المغامرة من اجل هدف خيالى حتى لة اثبت الواقع انه منهج عقيم وان الهدف لا يمكن تحقيقه على الارض .
اسرائيل بها كل المتناقضات هذا ما يؤكده الفصل الرابع من الكتاب فطبقا للاستطلاع الذى أجرته اللجنة الاوربية بطلب من المفوضية جاءت اسرائيل فيه على قمة الدول التى تشكل خطرا على السلام العالمى بنسبة 59%، وأخذ الناس يكتشفون أن اسرائيل تمارس فظائع اكثر وحشية من تلك التى تعرض لها اليهود فثاروا أخذوا ينفضون عنهم الاحساس بالذنب ويعبرون بشكل ايجابى عن رفضهم ولذلك تدعو الكاتبة العرب أن يطرقوا الحديد وهو ساخن سواء فى ذلك منظمات المتمع المدنى أو الحكومات وأجهزة الاعلام الرسمية .
أما الفصل الخامس فيتحدث عن ما وصلت إليه الحركة الصهيونية بعد مائة عام من تأسيسها ، ومحاولة تحقيق الأساطير التى تؤمن بها على أرض الواقع ،وكيف أن أمريكا توظف ما أخذته منا لصالح إسرائيل وهى القوة الإمبريالية الكبرى فى عصرنا الحالى والتى سلبتنا استقلالنا أخذت توظف ما أخذته منا لصالح عدونا حتى وهو فى حالة ضعف وتراجع فيتحول ضعفه قوة .
المذابح وعمليات الإبادة التى يستخدمها العدو الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى ليست الاداة الوحيدة لتصفية القضية الفلسطينية فهناك وجه آخر لهذا فخسائر الاقتصاد الفلسطينى ككل قد زادت نتيجة للحصار والإغلاق وتدمير المنازل وتجريف الأرض عن خمسة بلايين ومائتى مليون دولار تصل إلى عشرة بلايين إذا جرى حساب الآثار المدمرة على المدى البعيد ، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا وجهت نداء عاجلا لجمع سبعة وسبعين مليون دولار تمكنها من مواجهة تدهور الاوضاع المعيشية للاجئن الفلسطينيين الذين يعيشون على ارض فلسطين وفى كل من الضفة الغربية وغزة وكان هذا النداء الثالث الذى توجهه الانروا ، والمدهش فى الامر أنه لا منظمة التحرير الفلسطينية ولا الجامعة العربية تملك اى تصور متكامل لمستقبل وكالة الغوث ومؤسساتها ولم تبلور اى منهما حتى الآن خطة شاملة لمواجهة العمل الاسرائيلى – الأمريكى لشطب قرارات الامم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية وتصفية المؤسسات التى نشأت لوضع هذه القرارات موضع التنفيذ أو حتى مساعدة الشعب الفلسطينى فى الشتات وبقى العرب كعادتهم يردون ردود افعال جزئية على مواقف واجراءات هى جزء من خطة شاملة .
والفصل السابع والأخير يتحدث عن الكتب التى صدرت وتحدثت عن إسرائيل كمجلة إبداع والتى خصصت ثلاثة أعداد متوالية عن ثقافة إسرائيل ودعاوى التطبيع وأبعاد المواجهة ، وكتاب روجيه جارودى " الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية " والذى توصل فيه جارودى الى احصائية تقول ان كل مواطن فى اسرائيل يتلقى الف دولار فى العام من الولايات المتحدة الامريكية من الاعانات المباشرة والتى لا تدخل فيها المساعدات العسكرية التقليدية والمتقدمة على السواء ، وأيضا كتاب بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل " مكان تحت الشمس " الذى جرت ترجته الى عدة لغات ونشره على نطاق واسع حتى فى البلاد العربية وقد علق عليه وفنده عدد كبير من الكتاب والباحثين العرب من بينهم الكاتب والمسرحى سعد الدين وهبة .
فريدة النقاش :
من مواليد مدينة أجا بمحافظة الدقهلية ، تخرجت من قسم الادب الانجليزى بجامعة القاهرة عام 1962 ،وشغلت منصب رئيس تحرير مجلة أدب ونقد الشهرية من عام 1982 وحتى 1988 ، وتشغل حاليا رئيس مجلس ادارة جمعية ملتقى تنمية المرأة حتى الان ، واحد مؤسسى حزب التجمع عام 1976 وعضو منتخب بمكتبه السياسى حتى الان ، ولها كتابان عن تجربتها كسجينة سياسية 1979- 1981 هما السجن الوطن ، والسجن دمعتان ووردة ، ولها العديد من الكتب والمؤلفات فى ميدان الفكر والنقد الأدبى والمسرحى منها يوميات المدن المفتوحة ، ويوميات الحب والغضب ، حدائق النساء ، اطلال الحداثة ، وبستان المسرح ، كما قامت بترجمة عدد من الكتب منه الطريق من تأليف وول سوينكا والتى قدمتها فرقة الغد المسرحية ، وتشارلز ديكنز من تأليف جورج وينج ، ومن أجل عولمة بديلة تأليف والدن بيلو ، ونقلت الى العربية مجموعة من القصص الافريقية لم تنشر فى كتاب بعد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق